أستاذ بجامعة نيويورك: لوقف إراقة الدماء في اليمن.. على أوباما أن يقلص الدعم للسعودية

وكالات| المراسل نت:

نشرت وكالة رويترز الدولة مقالا للكاتب محمد بازي أستاذ للصحافة بجامعة نيويورك ومدير سابق لمكتب الشرق الأوسط بصحيفة نيوزداي. والذي يعكف حاليا على كتابة كتاب عن الحروب بالوكالة بين السعودية وإيران.

نص المقال:

في الساعات الأولى من يوم الثالث عشر من أكتوبر تشرين الأول نفذ الجيش الأمريكي أول تحرك عسكري مباشر له ضد أهداف للحوثيين في اليمن فأطلق صواريخ موجهة دمرت ثلاثة مواقع رادار ساحلية. وكانت الضربة ردا على هجومين صاروخيين فاشلين على مدمرة أمريكية قبلها بأيام.

ويفترض أن الحوثيين استهدفوا الولايات المتحدة بسبب دعمها للسعودية التي تقصف الحوثيين وحلفاءهم في اليمن منذ مارس آذار 2015.

وتتفاقم التوترات المستعرة بالفعل في المنطقة منذ نحو أسبوع. ففي الثامن من أكتوبر تشرين الأول قصفت طائرات حربية من التحالف الذي تقوده السعودية تجمعا في عزاء بالعاصمة اليمنية مما أدى إلى مقتل 140 شخصا على الأقل وإصابة مئات آخرين في أدمى هجوم منذ بداية الحرب. وبعدها بيومين دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون لتحقيق دولي بشأن إن كان الهجوم الذي استهدف عزاء والد أحد ساسة الحوثيين البارزين يشكل جريمة حرب.

لكن التحالف السعودي ليس الطرف الوحيد في اليمن الذي وُضع تحت المجهر بسبب جرائم حرب محتملة. فقد أعاد هذا الهجوم تسليط الضوء على مشاركة الولايات المتحدة المتعمقة في الحرب التي تقودها الرياض. فإلى جانب تقديم مساعدة مخابراتية وتقديم الدعم فيما يتصل بإعادة التزود بالوقود ضخت واشنطن مليارات الدولارات في صورة قنابل ذكية وقطع غيار لمساعدة القوات الجوية السعودية على مواصلة حملة القصف.

وبعد الهجوم على صالة العزاء تعهدت إدارة الرئيس باراك أوباما بإجراء “مراجعة فورية” لمساعداتها اللوجيستية للتحالف السعودي. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي نيد برايس إن الإدارة “منزعجة بشدة” بسبب الهجوم وعلى استعداد لتعديل مستوى دعمها. وأضاف “التعاون الأمني الأمريكي مع السعودية ليس شيكا على بياض.”

ويشعر بعض المسؤولين الأمريكيين بالفعل بالقلق من أن الدعم الأمريكي للسعوديين -لا سيما المساعدة في تحديد الأهداف وإعادة تزويد الطائرات السعودية بالوقود في الجو- ستجعل واشنطن متواطئة في الحرب بموجب القانون الدولي. ويعني ذلك أنه يمكن توريط الولايات المتحدة في جرائم حرب ويعني من الناحية النظرية أن الجنود الأمريكيين قد يكونون عرضة للملاحقة الجنائية الدولية. وخاض مسؤولو الإدارة الأمريكية على مدى شهور العام الماضي في مناقشات بشأن إن كانوا سيمضون قدما في عملية بيع أسلحة للسعودية في ضوء ارتفاع عدد القتلى من المدنيين في اليمن.

ولم تأبه الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى بانتقادات دولية سابقة للتحركات السعودية في اليمن. وفي أغسطس آب وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة بقيمة 1.15 مليار دولار يشتري بموجبها الجيش السعودي 153 دبابة من طراز أبرامز ومئات من الأسلحة الآلية وغيرها من أنواع الأسلحة بغرض أن يحل كثير منها محل الأسلحة التي دمرت خلال حرب اليمن. (وفي نفس الشهر الذي تمت فيه الصفقة قصف التحالف السعودي مدرسة يمنية ومستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود ومصنعا لإنتاج رقائق البطاطا (البطاطس) الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيا.) وكانت هذه أحدث صفقة في سلسلة مبيعات أسلحة أبرمتها واشنطن -وبدرجة أقل بريطانيا وفرنسا- مع المملكة منذ بدأت حربها التي يقول مسؤولون سعوديون إنها تهدف لإعادة إرساء حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي أطاح به الحوثيون وحلفاؤهم في 2014.

والصراع في اليمن معقد في ظل وجود مجموعة متغيرة من التحالفات: فالحوثيون الشيعة متحالفون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي أطيح بعد أن امتدت انتفاضات الربيع العربي إلى اليمن.. بالإضافة إلى عناصر من الجيش وقوات أمن لا تزال موالية للرئيس السابق. وكان صالح حليفا للسعودية لفترة طويلة وخاض عدة حروب مع الحوثيين. وجاء هادي خلفا له في 2012 بموجب اتفاق توسطت فيه الرياض.

وبحلول أواخر 2014 سيطر الحوثيون وحلفاؤهم على معظم اليمن واتهمهم قادة السعودية بأنهم وكلاء لإيران يهددون حدود المملكة الجنوبية. وفي بداية الحرب كان اتصال الحوثيين بإيران ضعيفا وإن كانت هناك الآن تقارير عن تعاون أوثق مع طهران.

واليوم تخلق الحرب مزيدا من التطرف وتتيح للمتشددين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب -أخطر فروع تنظيم القاعدة- تشكيل ملاذات آمنة جديدة.

والتوتر بسبب التحركات السعودية في اليمن جزء من خلاف أوسع بين واشنطن والرياض. ويعتقد السعوديون أن إدارة أوباما تخلت عن حلفائها التقليديين في العالم العربي لا سيما المملكة ودول خليجية أخرى. وشعر السعوديون تحديدا بالاستياء بسبب الاتفاق النووي الذي أبرم العام الماضي بين إيران والقوى العالمية الكبرى وأدى لرفع عقوبات اقتصادية عن طهران.

ولتهدئة مخاوف السعودية بشأن إيران زادت إدارة أوباما مبيعات الأسلحة للرياض وحلفاء عرب آخرين في الخليج. ومنذ 2010 أقر أوباما مبيعات عسكرية أمريكية للسعودية بمبلغ قياسي قدره 110 مليارات دولار وفقا لخدمة الأبحاث في الكونجرس الأمريكي. وتتضمن المبيعات المقررة عشرات من طائرات إف-15 المقاتلة المتطورة وطائرات الهليكوبتر الأباتشي الهجومية وسفنا حربية وأنظمة دفاع صاروخية ومئات من المركبات المدرعة.

ورغم أن قادة السعودية انتقدوا أوباما “لتخليه” عن حلفائه التقليديين في الشرق الأوسط وتحويل دفة السياسة الخارجية الأمريكية باتجاه إيران فإن إدارته باعت أسلحة للمملكة أكثر من أي رئيس سابق.

وفي الشهر الماضي تأجج التوتر بين السعودية والولايات المتحدة بعد أن أيد الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة تجاوز الفيتو الرئاسي على قانون جديد يتيح لأقارب من قتلوا في هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 مقاضاة الحكومة السعودية أمام محاكم أمريكية. وسيرفع القانون الحصانة السيادية وسيتيح تحميل القيادة السعودية المسؤولية عن الهجمات إذا استطاعت أسر الضحايا أن تثبت أن مسؤولين سعوديين لعبوا دروا في المخطط.

وعلى نطاق أوسع فإن تزايد إنفاق المملكة العسكري -والاستعداد للتعبير علنا عن الغضب تجاه الزعماء الأمريكيين- يعكس سياسة خارجية سعودية أكثر جرأة بقيادة العاهل السعودي الجديد الملك سلمان ودائرته المقربة. وعلى مدى عقود كانت السعودية تنتهج سياسة خارجية يوضع جانب كبير منها خلف الأبواب المغلقة وتنتفع من توسع اقتصادي عززته أسعار النفط المرتفعة.

وقاد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله الذي توفي في يناير كانون الثاني 2015 بعد أن أمضى عقدين في السلطة حربا بالوكالة مع إيران -في سلسلة معارك في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان- ساهمت في تشكيل معالم الشرق الأوسط منذ غزت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش العراق في 2003.

وبدلا من الاعتماد على التدخل العسكري الأمريكي ومحاربة إيران من خلال وكلاء يعكف سلمان ومستشاروه على قلب النظام القديم في المنطقة. وعين سلمان ابنه البالغ من العمر 30 عاما وزيرا للدفاع ووليا لولي العهد للإشراف على حملة اليمن. وتتمتع هذه الحرب بشعبية بين السعوديين رغم التكلفة الاقتصادية وتزايد عدد القتلى المدنيين في اليمن. وفي أواخر أغسطس آب قدرت الأمم المتحدة أن الحرب قتلت ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص وشردت ثلاثة ملايين يمني.

هجوم مطلع الأسبوع على قاعة العزاء في العاصمة اليمنية ينبغي أن يكون نقطة تحول للسياسة الأمريكية. فمع استمرار الحرب وارتفاع عدد القتلى المدنيين سيكون لزاما على إدارة أوباما أن تبرر دعمها للحملة السعودية التي تطيل أمد الصراع. وحتى إن أحجمت السعودية عن إنهاء ضرباتها الجوية فإنها لا تستطيع مواصلة الحرب دون أسلحة ومعلومات ومساعدة لوجيستية من الولايات المتحدة. فبوسع إدارة أوباما أن توقف نزيف الدم هذا.

 

(206)

الأقسام: المراسل العالمي