بين إعلان الحرب على اليمن والدعوة لإيقافها ،ما الذي تغير؟

زكريا الشرعبي

خرجت القمة التي عقدتها المجموعة الرباعية الأحد الماضي بالدعوة لإيقاف فوري لأعمال الحرب في اليمن.

لا جديد في هذه الدعوة سوى في مسارعة تحالف العدوان بالموافقة عليها وكذا تزمينها للحل السياسي مع العسكري والأمني في آن .

يدرك اليمنيون وتشهد الأحداث أن لا أحد يأبه لدمائهم أو لما وصلت إليه مأساتهم وأن مجزرة الصالة الكبرى  لم تكن الدافع الأساسي لتحرك المجتمع الدولي باتجاه إيقاف  الحرب فلو كان هناك من يهتم بشأنهم أو تسحره سواد عيونهم لما بدأت الحرب من أصلها حيث كانوا عندئذ كما ذكر المبعوث السابق للأمم المتحدة بن عمر على وشك اتفاق حل سياسي سلمي ولو كانت مناظر الدماء ترعب الأمريكيين أو البريطانيين لتوقفوا عن رعاية العدوان السعودي في الساعة الأولى لانطلاقه عندما انتهك هذا العدوان حرمة اليمنيين ودشن عملياته باستهداف منطقة بني حوات وقتل وجرح 71 مواطنا معظمهم من النساء والأطفال.

 

لو كان في قلب المجتمع الدولي نوع من الرحمة لتوقفت الحرب عند مجزرة سكن المخا أو مجزرة عرس سنبان أو عند أي مجزرة من ضمن مئات المجازر التي ارتكبها العدوان الأمريكي السعودي طوال عام وسبعة أشهر , لو كان فيه آدمية أو إنسانية لما غض الطرف عن العدوان الاقتصادي الذي يجعل الشعب اليمني بكل فئاته في جحيم الكارثة.

 

يعلم الشعب اليمني أن العدوان عليه أعلن من أمريكا؛ الدولة التي تدعو الآن لإيقاف الحرب وأن استمرار هذا العدوان كان بمسوغ قرار أممي قدمته بريطانيا بإدراك منها أن لا رجاء من هذا القرار ولا إمكان لتنفيذه ولا علاقة له بالمشكلة اليمنية وألا فائدة لهذا القرار سوى استمرار العدوان على اليمن بتشريع أممي .

ما الذي يدفع هاتان الدولتان للدعوة إلى إيقاف الحرب في اليمن إذا؟ وما الذي يدفع السعودية إلى المسارعة بالموافقة على هذه الدعوة؟

هل حققت ما تسمى ب “عاصفة الحزم ” أهدافها لتحتاج السعودية لإنهاء الحرب؟

من الواضح أنه لا شيء تحقق من الأهداف المعلنة ل “عاصفة الحزم” ؛ هادي لا يزال في فندقه في الرياض ؛والتحالف الذي أعلن أنه يسيطر على 90بالمئة من الأراضي اليمنية لا يزال عاجزا عن التقدم  كيلوا مترا واحدا باتجاه جولة القصر – الحوبان في تعز جنوبي غرب اليمن.

 

التحرك الأمريكي والبريطاني لإنهاء الحرب في اليمن والمسارعة السعودية للموافقة على المبادرة التي تم إعلانها لم يأت إلا بعد أن ظهرت الكثير من المتغيرات على مستوى المواجهة اليمنية السعودية من جهة وعلى مستوى المنطقة والعالم من لهيمنة القطب الواحد وتحرك قوى صاعدة لإثبات وجودها وتوسيع نفوذها هذا بالإضافة إلى الموقف الثابت لوفد صنعاء في مشاورات جنيف 1 وجنيف2 والكويت ومؤخرا أمام مبادرة كيري .

 

فعلى صعيد المواجهة بين القوات اليمنية والعدوان السعودي لا سيما في المناطق الحدودية تغيرت المعادلة كثيرا وبشكل واضح واستطاع المقاتل اليمني بالكلاشينكوف وقدميه الحافيتين أن يمتطي صهوة المدرعات الأمريكية الحديثة

 

تغير المعادلة باتجاه الجانب اليمني تجسد بمناداة الجندي اليمني للجندي السعودي على مشارف مدينة نجران الواقعة تحت السيطرة السعودية بتسليم نفسه  وما توحي به تلك العبارة التي نقلتها مشاهد الإعلام الحربي على مستقبل المعركة في ما بعد نجران

 

فالسعودية التي جمعت تحالفا عشريا بإشراف ورعاية أمريكية مباشرة بعد عام ونصف من استخدامها كل وسائل الهيمنة ومراكز القرار الدولي باتت عاجزة عن حماية مناطق تسيطر عليها منذ عشرات السنين  أمام  جنود اليمن الحفاة  بل وبعد أن جمعت كل ذلك التحالف وادعت سيطرتها على 90بالمئة من الأراضي اليمنية أصبحت تستنجد  لحماية جنوبها بمرتزقة من الجنوب اليمني  بل وتستخدم التضليل الديني بإشاعة أن خطرا يمنيا يواجه المقدسات الإسلامية  وتعلن عن السودان أنها مستعدة للدفاع عن هذه المقدسات؛ ما يوحي أنها أصبحت فاقدة الثقة بنفسها وبقدرتها على المواجهة

 

علاوة على هذا فإن مشاهد المدرعات الأمريكية الحديثة وما تتعرض له من إهانة على يد المقاتل اليمني واحتفاء روسيا بمشاهد هذه المدرعات كدعاية لتصنيعها العسكري يجعل أمريكا تشعر بفقدان هيبة سلاحها فقوتها بشكل عام .على ذات الصعيد جاءت مفاجآت التصنيع العسكري اليمني لتعزز نتائج المعادلة في صالح اليمنيين أيضا فالإعلان عن صناعة صاروخ باليستي بمدى يصل إلى 800كم  واستهداف مدينة الطائف به لمرتين متتاليتين إحداها لقاعدة عسكرية يوحي بأن المعركة لم تعد مقتصرة على نجران فحسب بل حتى الرياض أصبحت في متناول الجيش واللجان الشعبية اليمنية .

استهداف القوات البحرية  اليمنية للبارجة الأمريكية المؤجرة للإمارات “سويفت” أتى ليقف مع هذه النتائج أيضا وليعيد للمجتمع الدولي المشارك في العدوان إلى اليمن حساباته فبعد عام ونصف من العدوان والحضر البري والبحري والجوي وبعد استهداف كل المقدرات الدفاعية اليمنية يفاجأ اليمني العالم بأن قدرته على المواجهة  وهو الذي يقف وحيدا في مواجهة كل العالم لم تعد تقتصر على المعارك البرية فحسب بل أن قدرته على  المواجهة  قد امتدت إلى الجانب البحري والقدرة على حماية مياهه وشواطئه  ،ما يعني أن بقدرته إذا ما استمر العالم بالتكاتف عليه أن يستخدم ورقة إشرافه على واحد من أهم الممرات الملاحية في المنطقة والعالم وما يعني أنه قد يفاجئ العالم أيضا  بقدرته على حماية أجوائه  .

 

وإلى جانب  المتغيرات في مسار الدفاع اليمني وعدوان التحالف السعودي يأتي اتجاه روسيا وإيران بالتحالف مع الصين وكذا محور المقاومة في لبنان وسورية والحشد الشعبي في العراق  نحو تعزيز نفوذ قطبي في مواجهة القطب الأمريكي الذي بدا في مرتبة عالية من الشيخوخة خلال السنوات الماضية وكذا خروج تركيا من العباءة الأمريكية  وبوادر التخلي المصري عن السعودية  نحو تطبيع العلاقات مع هذا القطب الناشئ   أدى إلى مخاوف لدى أمريكا من أن تفقد نفوذها وإلى الأبد في المنطقة، وأن تكون المظلمة التي يتعرض لها الشعب اليمني بابا لهذا القطب لتطبيع العلاقات مع اليمن وفك الحظر عنه وربما انضمام اليمن إلى هذا التحالف .

ليس هذا – فحسب -ما يدعو الأمريكيين  للبحث عن وقف الحرب في اليمن؛ فمع اشتداد المعارك في حلب وبدء عملية تحرير الموصل آخر المعاقل الإرهابية في العراق وسورية تبقى أمريكا وأوروبا ومعهما السعودية أمام مشكلة إلى أين سيتجه عشرات الآلاف من الإرهابيين الفارين من العراق وسورية لن يكون لهؤلاء الإرهابيين الذين ينتمي عدد غير قليل منهم إلى دول اوروبا وجهة سوى أن يعودوا إلى بلدانهم فيشكلوا خطرا عليها أو أن يتجهوا نحو بلد آخر في المنطقة

ولو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا أن دولة خليجية برعاية أمريكية دعت – بحسب الفار هادي- ألفا  من إرهابيها في سورية للخروج إلى الجنوب اليمني

ولو نظرنا إلى الوضع في الجنوب اليمني الآن سنجد أن الجماعات الإرهابية تسرح وتمرح فيه وهذا ما يمثل إغراء للعناصر الفارة من حلب والموصل

غير أن نقل هذه الجماعات إلى الجنوب اليمني وإعلانها لما تطلق عليه “الخلافة الإسلامية” سيمثل حرجا لتحالف العدوان السعودي والدول الداعمة والراعية له إذا ما تم وعملياته قائمة على اليمن الأمر الذي يحتم على هذا التحالف إنهاء عملياته العسكرية بتسوية شكلية تحفظ له ماء وجهه وتهيئ للعناصر الإرهابية احتلال كامل الأراضي الجنوبية وإعلان الخلافة فيها محملا سلطة التسوية السياسية القادمة عبء مواجهتها وفاتحا الباب أمام صراع طائفي بين الشمال والجنوب ومحتفظا بذريعة للعودة إلى الحرب على اليمن بعد أن يعيد ترتيب أوراقه  بشماعة مكافحة الإرهاب.

 

عطفا على كل ما سبق تعاني السعودية من أزمة اقتصادية قد تقودها إلى انهيار اقتصادي وشيك وهذا ما يفرض عليها أن توقف عدوانها على اليمن وتتفرغ لحل مشاكلها الداخلية فهذه المشاكل كما يقول الجميع هي الخطر الاكبر الذي يهدد بقاء المملكة.

 

سيسأل البعض عن الفرق بين هذه الدعوة وسابقاتها التي أسفرت عن مشاورات جنيف والكويت والحقيقة أن هذه الظرف الذي جاءت فيه هذه الدعوة يختلف عن الظروف التي جاءت فيها الدعوات السابقة

فالدعوة إلى إيقاف الحرب الآن أتت بعد أن استنزف تحالف العدوان جميع خياراته بما في ذلك اللعب بالورقة الاقتصادية وتجويع اليمنيين في مقابل تجلي متغيرات تصب في صالح اليمن وتفتح أمامه آفاقا في خيارات المواجهة .

كذلك تأتي بعد يأس تحالف العدوان من الحصول على أي تنازل من قبل الوفد الوطني فيما يخص ما أعلن عنه رئيس الوفد مطلع مشاورات الكويت بأنه خطوط حمراء.

(298)

الأقسام: المراسل العالمي