محمد ناجي أحمد يكتب:المفاوضات والثوابت الوطنية

محمد ناجي أحمد

ما يجري في الكويت من حوار هو مقدمة لتسوية خليجية ثالثة ،الأولى كانت عام 1970م والثانية عام 2012م ،وقد تمخض عنها ما سمي ب”مؤتمر الحوار الوطني”الذي أريد منه شرعنة استهداف السيادة من خلال التراجع عن الوحدة الاندماجية ،التي تحققت في ال22مايو عام 1990م ،كأمل تاق الشعب اليمني بكل طبقاته ومكوناته وسعى لتحقيقه ،إلاّ أن الأمل كان بحاجة إلى الكثير من العمل الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي لتمتين عراه ،وهو ما لم يحدث لأن طبيعة النظام التحاصصي للجمهورية العربية اليمنية هو الذي تغلب بقوة المكر والسلاح والمال والدعم الغربي ،فكان أن تحرك جزء كبير من النظام لتقويض الوحدة الوطنية ،وتعزيز الانتماءات ما قبل وطنية من مذهبية وطائفية وجهوية وعرقية ،لتصبح هذه الانتماءات القاتلة هي الأطراف المعنية بالشراكة في السلطة والثروة،وليكون الانتقال ميسرا من يمن واحد إلى يمنات ،ومن جيش وطني قوي في عدده وعتاده واحترافه إلى إعادة هيكلته التفكيكية كي يؤدي وظائف أمنية تتمثل بمكافحة صرخات وانتفاضات الجماهير المطالبة برغيف الخبز وحرية منتجة وحقوقه الأساسية في التعليم والتطبيب والعمل ،في ظل وحدة يمنية اندماجية ،بمركز قوي وقيادة تجسد إرادة الأمة.


جاءت انتفاضة الجماهير في 11فبراير 2011م لتطالب بحقوقها الطبيعية والإنسانية ،لكنها لم تكن منظمة ،وبلا خارطة طريق ،فتم مصادرة فعلها واستثماره ضمن أهداف القوى التسلطية في الداخل ؛التي عملت وتعمل على خدمة مصالح الغرب ،ووكيله المتمثل بمشيخات محطات البنزين الخليجية ،وعلى رأسها الكيان السعودي –تلك المصالح التي منها تجريف وإعادة رسم الجغرافيا بما يحقق السيادة المطلقة للغرب على البحر الأحمر ،وتفكيك بنية المجتمع اليمني ليصبح جزرا متقاتلة ،تكفي العدو الوجودي عناء وكلفة المواجهة!


إن ثوابت الوطنية اليمنية ،والتي منها نظام جمهوري تحرري ديمقراطي وحدوي عادل ،وجيش وطني قوي ومقتدر ،وإزالة الفوارق بين الطبقات من خلال مبدأ تكافؤ الفرص وعدالة التوزيع ،كل ذلك من الثوابت التي يقاس من خلالها وطنية القوى المتفاوضة ،بما فيها التمسك بالوحدة الاندماجية مع سلطة محلية واسعة الصلاحيات ،والعمل على جعل البحر الأحمر بحيرة عربية ،فكل تلك الثوابت والأهداف هي من قدم في سبيلها اليمنيون شهداء الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ،واستشهد في سبيلها الزعيمان إبراهيم الحمدي وسالمين …
لقد تكالب الغرب مستخدما قفازاته في المنطقة إقليميا ومحليا لوأد حركة 13يونيو 1974م التصحيحية ،التي أرادت أن تعيد لثورة 26سبتمبر و14اكتوبر مسارها التغييري ،وتحقيق أهدافها ،لكن القوى الظلامية اجتمعت على وأد تلك الحركة قيادة ومشروعا ،وهو ما تكرر حدوثه اليوم !
فما يروجون له من تزييف لجوهر الصراع وتصويره على أنه صراع ديني ثقافي جهوي ،ليس سوى صراع يستهدف مقدرات وأهداف وآمال الوطنية اليمنية ،التي ترى وجودها وصمودها لا يتحقق إلاّ بوحدتها العربية كسياج سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي يحمي الوطنية اليمنية من السقوط في وحل الهويات المتوحشة والقاتلة بدعاوى “تقرير المصير”للجهات والمناطق والمذاهب والأعراق ،وهي دعاوى باطلة مستلبة في مقدماتها ،وكارثية في نتائجها ،تجعل الفقراء يقاتلون خلف لافتات الوهم بدلا من هويتهم الوطنية الجامعة ،والساعية إلى تحقيق حرية وكرامة الإنسان اليمني بفضائه العربي الوحدوي .

 

محمد ناجي أحمد

كاتب وباحث يمني

(116)

الأقسام: آراء,الاخبار

Tags: ,,,,