رغم كل المال السعودي إلا أن هناك أشياء لا تشترى… اليمن كشاهد

محمد بدر

 

في كل مرة تطرح قضية عربية للنقاش يطرح الكثيرون الاستعمار كسبب رئيسي لمشاكلنا المتفاقمة .. البعض يعتبر أننا ما زلنا نعايش ثقافة القبيلة ولم نؤهل ذواتنا ومجتمعاتنا للحالة المدنية وأن الدول العربية عبارة عن قبائل بقوالب دول وأن التناحر القائم والعداوة القائمة هي إفراز للحالة القبلية السياسية.. وما بين الطرحين فإن الثابت المتفق عليه أننا في أزمة حقيقية تبدأ من النظرة للفرد إلى النظرة للدولة ووللآخر.. الأزمة اليمنية هي صورة حقيقية للواقع العربي وصوت حقيقي يصدر من أوتار الأزمة وفي محاولة فهم الأزمة فإننا نأخذ الطرف الأقوى ومبرراته ودوافعه لأنه صاحب الفعل الأكبر نسبيا ..

السعودية ومن معها من دول خليجية أعلنت عن جملة أهداف لحملتهم العسكرية في اليمن أبرزها إعادة الشرعية “المغتصبة” ومقاومة المد الإيراني في المنطقة العربية والحفاظ على واقع يمني مستقر وتبدو هذه الأهداف بمثالية كلماتها مبررة وأخلاقية. ولكن ..

الشرعية مبدأ لا يتجزأ عماده الإختيار الحر والديمقراطي وأكبر من يفتقد هذا المفهوم هي السعودية التي تتعامل مع مواطنيها كرعايا وليس كمواطنين وبذلك تكون السعودية تعيش قرونا للوراء فأي شرعية تتحدث عنها السعودية! وهل من حقها أن تتحدث عن الشرعية أصلا!. أما بالنسبة لمسألة النفوذ الإيراني والحد منه فكنت أتمنى أن تتحدث السعودية عن الوجود الإسرائيلي ككتلة سرطانية في قلب العالم العربي وأن لا تتحدث في ما هو أسخف من ذلك وإيران موجودة فقهيا في السعودية من خلال الشيعة في المناطق الشرقية من المملكة؛ فهل زعزع هذا النفوذ أمن المملكة! أليس من زعزع أمن المملكة هم تلاميذ فكرها الوهابي أو السلفي سمه ما شأت ! وفي الحديث عن النفوذ ألا يتسائل الملك ومملكته ماذا تفعل القواعد الامريكية في أرضه ! إذا كان الحفاظ على سيادة اليمن بالنسبة للسعودية واجب فالأولى الحفاظ على سيادتهم كفريضة. إذا كان 30% من اليمنيين الحوثيين ومعهم نسبة توازيها من أنصار علي عبد الله صالح خارجين على الشرعية فماذا نقول بـكوتا عائلية تغتال الوعي والحق الطبيعي لملايين الأفراد ..أليست السعودية أكبر لاعب على وتر الطائفية في اليمن مما يساعد في تأزيم وتمزيق الواقع اليمني بما يدحض الشعارات السعودية التي تدعي أنها تريد يمنا سعيدا ! ..

تساؤلات مشروعة مفتوحة في وجه المملكة التي تريد أن تظهر على أنها حامية الديمقراطية في سوريا واليمن وحامية الأرض العربية من النفوذ الاجنبي، مفاهيم وشعارات تفتقدها هي نفسها ..

مع إيماني لدور الموروث الثقافي في تمزيقنا ولكن لا يجب أن نغفل دور أمريكا واسرائيل في تأجيج الزوايا المناسبة لمصالحها في هذا الموروث وحين يشارك مستشاريين عسكريين أمريكيين في الحرب على اليمن فهذا سقوط للشعارات السعودية السابقة بما يؤكد أن أمريكا تريد ان تطوع المنطقة كلها من خلال أدواتها تحت جناحها وأن تقتل كل صوت معارض في المنطقة ..

وللحق والتاريخ فإن الزيدية قاتلت المؤامرة العثمانية البريطانية لتمزيق اليمن وغلبت الهوية الوطنية على الهوية الطائفية وأسست الدولة اليمنية المركزية وكان لها الدور الأكبر في ترسيخ عروبة اليمن وسلخه من الإمبراطوريات واليوم نحن أمام نفس المشهد ..

وأنا اكتب كلماتي هذه ترائى لي سبب من أسباب التغطية القانونية والسياسية الدولية على احرب اليمن .. تذكرت خالد العمير السجين السعودي المعتقل منذ 2008 بسبب دعوته لمسيرة نصرة لغزة والمشهد الاخر في اليمن ومئات الالوف من الحوثيين تخرج في يوم القدس نصرة للقدس وكأن السعودية المهرولة باتجاه اسرائيل محرجة من وجود تيارات ثورية في الواقع العربي وتريد عربا أموات وبعبارة أخرى ابحثوا عن اسرائيل في اليمن ..

مع عظمة المال السعودي إلا أن هناك أشياء لا تشترى ومنها الإنتصار والمصداقية وما نشاهده من إنجازات عسكرية وسياسية للحوثين وصالح يؤكد ذلك ..

 

نقلا عن رأي اليوم

(619)

الأقسام: آراء