عشقت ترابك يا يمن

عبدالغني جغمان

يقول على ولد زايد “عز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها” ، إنه حنين الاشتياق ولوعة الفراق، فمن عاش الغربة عرف قيمة الوطن، فخبز الوطن خير من كعكة الغربة، ومن عاش ذل الغربة اشتاق إلى الوطن وشمس الوطن وتراب الوطن وهواء الوطن ورائحة الوطن.

في السنوات الاخيرة الماضية لوحظ ان حب الوطن تمّ تفريغه من مضمونه وخلا من قلوب الجميع إلّا ما رحم ربي ومن بعض المناهج التعليمية في المدارس فقط، لنجد المصالح الشخصية مقدمة على مصلحة الوطن وحب الوطن، لنختزل حب الوطن فقط في الرئيس أو النظام الحاكم، ونسينا أن الوطن دائماً أكبر من الجميع وفوق الجميع، فليس حب الوطن قصيدة تلقى على الإذاعة المدرسية، أو مجسم على شكل خريطة توضع في البيوت وعلى الجدران، إنّ حب الوطن ثقافة نحن أحوج ما نكون إليها في كل ما نقوم به، فمهما حدث فالوطن هو الأفضل، وكما قال الشاعر: بلدي وإن جارت عليا عزيزة وأهلها وإن ضنوا علياً كرام،

 

الوطن هو المَدرَسَةُ التَي عَلَمَتـنَا فَن التَـنَفسُ.

 

كنا في مدارسنا نغني اليمن بلادنا وعزها عز لنا.. بلاد العرب أوطاني، وحب الوطن إيمان، وكنا محض أطفالٍ تحركنا مشاعرنا ونسرح في الحكايات التي تغني بطولتنا ونردد النشيد الوطني عن ظهر قلب، وحين كبرنا سرعان ما تبددت حقائق كنا تعلمانها وعشناها في حب أوطاننا، لأنه تم تلقيننا أن الوطن هو الذي ولدنا فيه و مسقط رأسنا فقط، ولم ندرك او نعي  ان الوطن هو عزتنا وهويتنا وفيه حياتنا، الوطن هو البيت والطفولة والأصدقاء والجيران والأقارب والكرامة والعزة و من أجل الوطن استشهد الالاف ورووا بدمائهم ترابه وأرضه في كافة ربوع يمننا الحبيب في صدهم العدوان الغاشم من التحالف السعودي العربي حاليا وعلى مدار حقب تاريخ اليمن الحديث.

 

ومع كل هذه التضحيات نجد ان هنالك من استبدل مبادئ العز والكرامة والتي هي من الفطرة بمبادئ مادية بحتة، أصبح البعض يؤمن أن الوطن هو المنصب والراتب والجاه، هو الفلة والمشروع التجاري، هو المصالح الشخصية و الرصيد البنكي ولو من اكتاف البسطاء من الناس. وغالبا ما يتشدقون بالكلمات الوطنية القائمة على علاقة المنفعة والتي تنتهي غالبا بالطلاق بعد عده انتهاء المنفعة.

 

حب الوطن هو الوفاء

في عده جلسات ثقافية مختلفة في محاولة لنقاش مفهوم “حب الوطن هو الوفاء” .. طرحت هذا السؤال (ماذا قدمت لوطنك اليمن؟ ) فوجدت شفاه تتلعثم وأفواه تجف ولا إجابة مقنعة او مكتملة .. في إعتراف ضمني بالتفصير.

الامر أسوأ بالنسبة لفئة “المثقفين” حيث أصبح أغلبهم يبحث عن فيزة يهرب بها وابناءة من وطنه ليبحث عن وطن امن اخر كما يدعي وهذه هي قمة الانانية وحب الذات، ويبدأ مرحلة البحث في كل ناحية وصوب عن لجوء هنا او هناك، ليعمر أوطاناً غير أوطاننا ويبني صروح ومدن ومصانع وجامعات في بلاد اخرى، لا سيما وبلادنا اليمن أحوج ما تكون لهذه الطاقات والكفاءات والعقول والامكانيات والخبرات.

وهنا أؤكد خصوصا في هذه المرحلة أنه لا تهم الكفاءات والالقاب بقدر ما يهم ما يمتلكة الفرد من حب الوطن والاخلاص له وهذا ما اثبتته الايام الاولى لعدوان التحالف السعودي اذ سرعان ما فرت الكفاءات واصحاب الالقاب وفي أسوا الظروف التزمت الصمت في البيوت، متناسيين ان الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلّا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم. وهذا ما قدمته القلوب الممتلئة بحب اليمن بوقوفها بكل صلابة وأروت تراب اليمن بدمائها الطاهرة وقهرت العدوان وافشلت مخططاته.

 

الوطن هو الانتماء و الوفاء والتضحية والفداء.

ليس حب الوطن فقط كلمات ننظمها ومشاعر نعبر عنها ودموع نجهش بها وصفحات تعبير نكتبها لأبنائنا في المدارس، إنما حب الوطن سلوك وأفعال يجب أن نقوم بها لنثبت انتماءنا وولاؤنا الحقيقي الذي يعبر عنه بالتضحية والفداء بالنفس والمال والولد، فالجندي او المجاهد بثباته وصبره وحراسته للحدود هو حب للوطن، والشرطي الذي يسهر على أمن أبناء شعبه هو حب للوطن، والصانع في مصنعه والتاجر في متجره والفلاح في أرضه والكاتب في قلمه والشاعر في أبياته والرسام في ريشته والطبيب في مشرطه والطالب والمدرس والأب والأم كل هؤلاء إذا قاموا بدورهم على أكمل وجه فإنهم يحبون الوطن ويخدمون الوطن، ولنا تجربة نعيشها الان عندما قام التحالف بنقل البنك المركزي مما سبب ازمة نقدية في البنك المركزي، فهب الشعب اليمني بوضع المال والذهب في البنوك من أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني، إنها روح البذل والعطاء وروح التضحية والانتماء من أجل الوطن والتضحية بالمصالح الشخصية والفئوية الضيقة في سبيل حب الوطن، وما أكثر الذين يقسمون كل يوم بالدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه، ولا يدخرون جهدا في تدميره ونهب ثرواته وخيراته من أجل مصالحهم الضيقة، وخدمة لرغباتهم ونزواتهم لنجدهم كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن، يقولون ما لا يفعلون وهمهم الأكبر تعزيز سلطاتهم وتقوية نفوذهم، ولعل الكارثة الكبرى التي تنغرس في قلوب الشباب وأبناء الوطن هو انعدام الأمل والشعور بالغربة وهم في أوطانهم.

 

علمني وطني بأن دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن.

إن ما نشاهده في وسائل الاعلام من صحوة شعبية وانتفاضة في كل المدارس من الطلبة والطالبات وفي كل القرى من أبناء القبائل والمتمثل في قهرهم للظروف الاقتصادية وصمودهم الاسطوري واحتفالاتهم باستقبال ابنائهم الشهداء واستعداداتهم لبذل المزيد والمزيد وهنا يحضرني هذه الكلمات لاحد المجاهدين قائلا( لست آسفاً إلّا لأنني لا أملك إلّا حياة واحدة أضحى بها فى سبيل الوطن.)

ما هو الا تأكيد على روح الثورة، ثورة المفاهيم والافكار، الثورة التي اخرجت اليمن من قيد الارتهان للخارج والخنوع للغير. هذا الجيل من الشباب الثوار هم المعول عليهم كرجال المستقبل وقادة الغد المشرق.
لذا لا بدّ لنا كأهل وأخوة في الإنسانية والوطنية وأبناء اليمن الواحد أن نقف وقفة رجل واحد دفاعاً عن كل ما في هذا الوطن من مقدرات، فهي ملك لنا، ونحن لنا حرية الاستقلال بقراراتنا ولا سبيل لأن نشاركها مع أي أحد مهما كان، ولن نخضع او نستكين لاي كائن كان، فالوطن يعلو و لا يعلى عليه، الوطن فوق الجميع وأكبر من الجميع .

وطني أرجو العذر إن خانتني حروفي وأرجوُ العفوَ، إن أنقصت قدراً، فما أنا إلّا عاشقاً حاول أن يتغنى بِبِحُبِ هذا الوطن.

 

(164)

الأقسام: آراء