صادق القاضي: “الزنداني” .. على كل شيء خطير.!

د. صادق القاضي

مبدئياً، لا يوجد ما يمنع الشيخ “الزنداني” من اختراع دواء للإيدز، ولغيره من الأمراض المستعصية.. لا يوجد أبداً ما يمنع رجل دين من أن يكون عالم طبيعة، ومكتشف ومخترع أدوية وأدوات وحتى غواصات وسفن فضاء.!.

في المسيحية عدد كبير من رجال الدين، قساوسة وكهنة ومطارنة وأساقفة وكرادلة وبابوات.. اهتموا بعلوم المادة، وأصبحوا علماء طبيعة ومخترعين ومكتشفين كبار، وخدموا العلم والبشرية، في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية.

من هؤلاء، على سبيل المثال الشهير:

-نيكولاس كوبرنيكوس(1473 : 1543): أحد أشهر وأعظم علماء الطبيعة في كل العصور، وهو أول من وضع نظرية مركزية الشمس ودوران الأرض حولها، ويعتبر مؤسس علم الفلك الحديث.

-ألبيرتوس ماغنوس(1206 : 1280): اشتهر بدعوته للتوفيق بين العلم والدين، ومن إنجازاته في الكيمياء اكتشاف عنصر الزرنيخ.

-روجر باكون(1214 : 1294): ويُعرف أيضاً باسم “المعلم المذهل”، قدم مساهمات جبارة للعلم والمنهج التجريبي، ويعتبر أول من وضع قوانين المنهج العلمي الحديث.

-لوكا باتشولي(1445 : 1517): اهتم بالرياضيات، وتنسب إلى أعماله أصول علم المحاسبة.

-لادزارو سبالانساني(1729 : 1799): اشتهر بإنجازاته في علم الأحياء التجريبي، وهو أبو التلقيح الاصطناعي.

-نيكولا بايرسك(1580 : 1637): أول من وضع خريطة شاملة للقمر على أساس الملاحظات التلسكوبية.

-مارين ميرسين(1588 : 1648): اهتم بالرياضيات، وطوّر معادلة شهيرة للأعداد الأولية، تعرف اليوم بمعادلة أعداد ميرسين الأولية.

-غريغور مندل (1822 : 1884): مكنته أعماله التجريبية في الزراعة من اكتشاف القوانين الأساسية للوراثة، وهو أبو علم الوراثة الحديث.

-يوجينيو برسناتي (1821 : 1864): مخترع أولى أشكال محرك الاحتراق الداخلي.

-جورج لومتر (1894 : 1966): عالم فلك، اقترح ما سمي فيما بعد نظرية الانفجار العظيم لنشأة الكون، وقد سماها من قبل “افتراض الذرة الأولية”.

-خوسيه ماريا ألوغي (1856 : 1930): عالم أرصاد، اخترع جهاز قياس للعناصر الجوية.

-البابا سلفستر الثاني، اشتهر بتعلمه وإتقانه العلوم العربية، ومساهماته في الرياضيات، ومن آثاره «مؤلفات جربير في الرياضيات.

-البابا غريغوريوس الثالث عشر، الذي تمكن بمعونة الكاهن الفلكي كريستوفر كلافيوس، من إصلاح وإصدار التقويم الغريغوري.

وغير هؤلاء المئات من رجال الدين، كنيكولاس ستينو أبو علم وصف طبقات الأرض، ورينه جوت هواي مؤسس علم البلورات. وأثانيسيوس كيرتشر مخترع المكبر، والراهب الهنغاري انويس جدليك، من مخترعي الدينامو والمحرك الكهربائي..

للمسيحية، كأي دين آخر، إشكالياتها النظرية والمنهجية والتاريخية السلبية مع العلم، لكنها رغم ذلك مكنت، أو سمحت بتمكين، هذا العدد الكبير من رجال الدين ليكونوا علماء مادة كبار.. فيما يخلو، تاريخ العلم والتكنولوجيا، وللمفارقة المؤسفة، من ذكر حتى شخص واحد، شخص واحد فقط، ممن نسميهم علماء وفقهاء الإسلام!.

المشكلة في العالم الإسلامي، مختلفة بشكل كارثي، في العصر الحديث بالذات، فكل أو جل فقهاء ومشائخ الجماعات الإسلامية، إما أن:

-يحاربوا كل النظريات والحقائق والقرائن العلمية التي توهموا أنها تتعارض مع الدين، ككروية الأرض، ونظرية التطور والنشوء، وتفسير بداية الكون..!

-أو يضطروا أمام الانجازات العلمية الباهرة إلى التعلق بها، وافتراض أنها معلومة موجودة في الدين مسبقاً، ومدسوسة في آيات وأحاديث نبوية، من قبل ألف واربعمائة عام,, وفي النهاية لا يقدمون شيئا للعلم.. !

فيما يتعلق بالزنداني، ليست المصادفة وحدها هي من اختارت هذا الرجل، ليكون هو “رئيس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة”، في مكة المكرمة، فالرجل مؤهل تماما ليلعب هذا الدور، من بين أدوار أخرى، فهو رجل دين وسياسي وتاجر وزعيم شعبي، وواعظ وأكاديمي ومخترع وعالم طب وفيزياء وكيمياء وفلك واقتصاد.. “وهو على كل شيء خطير” ..!

هذا الشيخ تجاوز الادعاء النظري بسبق الإعجاز الديني للمكتشفات الحديثة، إلى اختراع أدوية لأمراض لم يتمكن الطب الحديث بعد من معالجتها تماما، كمرض الإيدز والكبد الوبائي، قال إنه اكتشف وصفة طبية لعلاج هذه الأمراض في حديث نبوي شريف، حرص على سريته وسرية الوصفة المباركة، بحجة أن اختراعه عرضة للسرقة، وانطلق يعالج مصابين بالإيدز بخلطة لا أحد يدري ما مكوناتها.!

حسب واجبها، كان على الدولة أن تقوم باعتقاله ومحاكمته بجريمة اتخاذ البشر فئران تجارب لأدويته المجهولة، لكن عندما اكتفت وزارة الصحة اليمنية بمجرد تحذيره من ذلك، في 2006م، اعتبر الشيخ التحذير تدخلا مرفوضا في الدين، بل “عدوان على سنة رسول الله، التي تقول تداووا عباد الله. وذهب يهدد الوزير قائلاً : سأخبر الشعب اليمني بذلك”.!

لاحقاً صرحت وزارة الصحة السعودية أن المصابين بالإيدز الذين عالجهم الزنداني بوصفته المباركة لا يًرجى شفاؤهم، لكنه لم يجرؤ على التحريض عليهم، وواصل استعراضاته المثيرة، وبين فينة وأخرى يقوم بإبهار الجماهير واستقطاب الأضواء، بكفاءة رجل سيرك قدير، أو أراجوز محترف، فيخرج من عمامته الشجاع الأقرع وعذاب القبر، ويخبئ في جيبه الفلك، ويدس أنفه بين قنينات الكيمياء، ويقوِّل علماء الفيزياء.. ولا ينحني للجمهور في نهاية العرض.!

(366)

الأقسام: آراء,الاخبار