ترجمة| مجلة أمريكية: لماذا ستكون اليمن اختبارا لمدى مصداقية دونالد ترامب؟

ترجمة : صادق الارحبي| المراسل نت:

مايكل هورتون|مجلة ” ناشيونال إنتريست” الأمريكية:

إن الحرب الأهلية في اليمن – حيث والولايات المتحدة متورطة فيها إلى حد كبير- ستكون بمثابة اختبار لمدى المصداقية بالنسبة لإدارة ترامب المقبلة.

إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة من وزير الخارجية جون كيري والحكومة العمانية لم يستمر طويلا كما هو حال اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة. لذا فان حرب اليمن ستستمر – بمستوى اقل- حتى بعد أن يباشر دونالد ترامب عمله كرئيس.

 

سيخبرنا ما سيعمله الرئيس المنتخب ترامب- او  لا يعمله – بشان الحرب في اليمن عن أمرا هام  حول كيف ستبدو سياسته الخارجية. كما سيخبرنا عن أي نوع من المستشارين سيكون ميله للاستماع إليهم، هل إلى البراجماتيين، مثل مستشار الأمن القومي المقبل المتقاعد الجنرال مايك فلاين، الذي من أولوياته محاربة السلفية المتشددة، أم سيميل للمحافظين الجدد الذين يروا في النفوذ الإيراني تهديدا رئيسيا للاستقرار المنطقة.

 

بالرغم من حصول الحرب في اليمن على تغطية محدودة، إلا أنها لا تقل وحشية عن الحرب في سوريا ولا تقل أهمية بالنسبة لاستقرار المنطقة. فاليمن يقع على طول مضيق باب المندب في البحر الأحمر، احد أهم ممرات الشحن في العالم. كما انها تعد موطن لأكثر فروع القاعدة فتكا وفطنة.

 

ونظرا لطبيعة سياستها المعقدة وأرضها الوعرة، فان الحرب الأهلية في اليمن تعد معقدة دون أي جدال. على العموم، تخوض جماعة الحوثي، حربا ضد الحكومة اليمنية المتواجدة في المنفى و التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي. حيث تتلقى حكومة المنفى الدعم من قبل السعودية والإمارات وبريطانيا وأميركا.

بالمقابل تنظر السعودية إلى الحوثيين كوكلاء لإيران، بالرغم من جود أدلة تثبت عكس ذلك.

في مارس 2015،أطلقت السعودية وحلفاؤها عملية عاصفة الحزم”- حملة عسكرية لهزيمة الحوثيين واعادة الحكومة المنفية المدعومة من السعودية. بالعودة سريعا الى ما قبل عامين تقريبا فليس لدى السعودية وشركاؤها سوى القليل لتظهره بالنسبة لعمليات القصف الجوية المكثفة ونفقات قدرت بـ خمسة مليار دولار ما أنفقته السعودية وحدها فقط. مع ذلك، ما يزال الحوثيون وحلفاؤهم، بمن فيهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح (بالرغم من خوض الحوثيين ست حروب ضد حكومة صالح)، ما يزالون يحكمون سيطرتهم على العاصمة ومعظم المناطق الشمالية الغربية من اليمن.

 

بينما يقع النصف الجنوبي من اليمن على نحو سائب تحت سيطرة خليط متنافر من قوات شكلية مؤيدة للحكومة المنفية، مليشيا قبليه، الانفصاليين الجنوبيين، السلفيين المتشددين- ما يسمى بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

لقد قادت السعودية والامارات حربا شديدة في اليمن، وان لم تكن بالطرق التي تم التخطيط لها. فتنظيم القاعدة، الذي كان محصورا جدا قبل الحرب، قد استعاد نشاطه الآن وقوت هذه الحرب الحوثيين بدلا من هزيمتهم.

 

في مارس 2012، أي قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء بفترة طويلة، اخبرنا احد رجال الدولة البارزين بقول” ان الحوثيين لا يفقهون شيء في الحكم وإدارة البلد لكن الشيء الوحيد الذي يمكنهم القيام بها هو القتال”. وذهب السياسي نفسه والذي يخدم منذ سنوات عديدة إلى إصدار تحذير ذو بصيرة” بان القتال هو مكمن قوتهم. فإذا كان هناك قتال، فانهم سينتصرون، أما غير ذلك، فانهم سيخسرون”. وبعد أربع سنوات من ذلك، اثبت الحوثيون ان بإمكانهم القتال بالفعل. لقد أتاحت الحملة الجوية السعودية ،التي استهدفت الجسور والمدارس والمصانع وحتى مجالس العزاء، أتاحت للحوثيين تقديم أنفسهم  كـ “كمدافعين عن الأمة” وبات الحوثيون الآن يتمتعون بقدر اكبر من الدعم أكثر من أي وقت مضى.

 

تنظيم القاعدة، أيضا، تقوى من هذه الحرب الدائرة في اليمن . ان العلاقة بين الحوثيين والسلفيين علاقة عداء لان الأخيرة تعتبر الأولى بأنهم كفار. قبل بدء الحرب التي تقودها السعودية ضدهم، كان الحوثيون يخوضون والمليشيا القبلية المتحالفة معهم حربا ضد القاعدة. ولقد كانت القاعدة تعاني من عجز في التمويل وتواجه أوقات عصيبة لتنجيد ما يكفي من المقاتلين لتعزيز صفوفها. ومع بداية الحملة السعودية، تغير كل شيء. حيث بات بمقدور القاعدة ثانية المواجهة . خلال الأشهر التي تلت إطلاق عملية عاصفة الحزم، توغلت القاعدة عبر جنوب اليمن. إذ استولت القاعدة على أسلحة وعتاد تركه الجيش اليمني ناهيك عن سيطرتها على اكبر مدنية يمنية، المكلا. وفي المكلا داهمت القاعدة فرع البنك المركزي ونهبت 100 مليون دولار.

 

في ابريل الماضي، استعادت القوات المدعومة من قبل السعودية والإمارات مدينة المكلا. مع ذلك، فان هذه الخسارة للاراضي، الذي وصفته القاعدة بأنه تراجع استراتيجي، كان له اثر ضئيل على التنظيم. وان كان من شي، فهو ان القاعدة قد استفادت من التحرك بسهولة اكبر. وبما يعتبر تشابه خطير مع منظمات سلفية متشددة في سوريا تخوض قتال مع حكومة الاسد، ركز تنظيم القاعدة في اليمن على الانخراط ضمن تلك القوات التي تقاتل الحوثيين.

 

خلال حملته الانتخابية، اعتبر ترامب بان من أولوياته ضرورة محاربة السفلية المتشددة، مشيرا الى انه سيعمل بمعية الرئيس الروسي فلادمير بوتين على محاربة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا. مع ذلك، فقد وصف الرئيس المنتخب مرارا وتكرارا الاتفاق النووي مع ايران بأنه أسوأ صفقة تفاوضية في التاريخ. ومثل هذا من الممكن ان يقود الى الاعتقاد بان ادارة ترامب ستصغي إلى المحافظين الجدد. وهم نفس المحافظين الجدد الذين أدت سياستهم- مثل غزو العراق- الى تمكن ايران. واذا ما مارس المحافظين الجدد مثل جون بولتون نفوذهم على الرئيس المنتخب فان التركيز على النفوذ الايراني في المنطقة سيأتي على حساب محاربة السلفية المتشددة.

 

من خلال تبني نهج عملي بشان الحرب في اليمن، فمن الممكن لادارة ترامب المقبله تحقيق كلا الهدفين. حيث من الممكن كبح النفوذ الايراني من خلال ممارسة ضغط حقيقي ومتواصل على السعودية لانهاء حملتها العقيمة الى حد كبير ضد الحوثيين. وبالرغم من ان دليل اعتبار الحوثيين بأنهم وكلاء ايران يعد امرأ مشكوك فيه، إلا أن إيران لا يمكن إلا أن تكون مسرورة بحقيقة ان السعودية وقعت في مستنقع حرب مكلفة لن تكسبها. لذا فان وقف الحملة الجوية التي تقودها السعودية ورفع الحصار البحري كلاهما خطوتان أوليه ملحه باتجاه وقف كارثة انسانية تلوح واستئناف المفاوضات اليمنية المدفوعة.  حيث كانت هذه المفاوضات قد قطعت شوطا متقدما قبل التدخل السعودي في اليمن.

 

وان استئناف مفاوضات هادفة ومعالجة الأزمة الإنسانية الملحة في اليمن شرطان من اجل محاربة القاعدة المستعيد نشاطه. فتنظيم القاعدة- مثل التنظيمات السلفية المتشددة – يتغذى على الفقر والفوضى والنمو في المساحات التي لا حكم فيها. فعلى مدى عامين بات لدى القاعدة تقريبا نفوذ في جنوب اليمن.

 

إن ردة فعل إدارة اوباما بشان الحرب في اليمن ينبغي الإفصاح عنها. هل سيعتنق الرئيس المنتخب رأي المملكة العربية السعودية والمحافظين الجدد المركز على إيران؟  وان كان هذا هو الحال، فهل سيستمر في تبني سياسيات وتدابير من شانها تمكين السعودية من مواصلة حربها الوحشية على نحو متزايد؟ ام انه سيميل أكثر للإصغاء الى مستشارين مثل مايك فلاين الذي ينظر إلى السلفية المتشددة على انه تهديد رئيسي لاستقرار المنطقة؟ وان كان هذا هو الحال، عندئذ فان إنهاء الحرب واستقرار اليمن يتعين ان  تكون على رأس أولويات الرئيس المقبل. وما هو مؤكد هو أن الكيفية التي ستكون عليها ردة الفعل بشان حرب اليمن ستظهر مدى قدرة الرئيس الجديد ومستشاريه على معالجة الصراعات التي تتطلب ردود فعل محسوبة وعملية ومتوازنة في المنطقة.

 

*مايكل هورتون: محلل بارز  للشؤون العربية في مؤسسة جيمس تاون، حيث يُعد متخصص في شؤون الشرق الأوسط  وبشكل خاص اليمن ومصر. يكتب من حين لأخر لمجلة ” جينيس انتليجنس ريفيو” والعديد من  المنشورات الأخرى، بما في ذلك محلل للشؤون الإسلامية لدى مجلة “اكنوميست” وصحيفة كريستيان ساينس مونيتور.

(552)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات