ترجمة| موقع “ديكريبت” الفرنسي: السعودية… وجه آخر لتنظيم داعش

ترجمة: محمد السياري: المراسل نت:

تتقاسم المملكة العربية السعودية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، أو ما يعرف ايضاً بتنظيم داعش، الأيديولوجية الدينية ذاتها التي تصدرها إلى ما يقرب من مليار نسمة في القارة الأوروبية، ويتنافس كلاهما للظهور بمظهر الأكثر حزماً وصرامة في كيفية تطبيق تعاليم الدين الإسلامي.

بوب وودوارد| موقع “ديكريبت” الفرنسي:

في مطلع العام الجاري، عمدت القيادة السعودية إلى تنفيذ أكبر عملية إعدام جماعي، بقطع الرأس أو رمياً بالرصاص، على 42 شخص إما نشطاء في تنظيم القاعدة أو من المعارضين الشيعة لنظام الحكم في البلد، في سابقة لم تتكرر منذ 35 عام؛ فالهدف من ذلك هو الاثبات لكافة الطوائف السنية أن الرياض ليست أقل صرامة من تنظيم داعش، وانها لتسلك سلوك ينمع أي شكل من أشكال المعارضة.

 

فضلاً عن ذلك، من الواضح أن هذا النظام لا يزال يمثل الحليف الرسمي والعميل المفضل لدى الدول الغربية فيما يتعلق بالمنظومات العسكرية.

 

في مرمى أصابع الاتهام الموجهة إليها بالتعاطي المزدوج مع تنظيم الدولة الإسلامية، لطالما كانت المملكة العربية السعودية تسارع إلى إنكار “الاتهامات التي ترى انها لا أساس لها” مدعية أنها في واقع الامر ضحية للعديد من الاعتداءات الإرهابية, وفي أواخر العام المنصرم، أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ذلك الأمر بقوله: “إنه أمر لا يصدق أن يقال أن المملكة العربية السعودية هي من تمول الحركات الجهادية في حين يعتدى عليها من قبل تنظيم داعش الذي يسعى إلى الاستحواذ على مكة المكرمة والمدينة المنورة لإعادة بناء دولة الخلافة الإسلامية التي ينشدها”.

 

ومع احتلاله الترتيب الثاني خلف الشيعة والدول الغربية، يبقى النظام “البتروملكي” الوهابي هدفاً دسماً للعناصر الجهادية التابعة لتنظيم داعش، والتي لا تعترف بسلالة “آل سعود “كأوصياء على اثنين من الأماكن المقدسة، معتبرة إياها لا تمت بصلة لآل بيت النبي محمد.

وفي 13 نوفمبر من عام 2014، دعا أبو بكر البغدادي، الذي نصب نفسه خليفة على التنظيم، في تسجيل صوتي إلى “إشعال براكين الجهاد في المملكة العربية السعودية”؛ وفي غضون شهر، كانت المملكة الوهابية قد ضربت اراضيها خلال هجمات استهدفت الأقلية الشيعية وقوات الأمن التابعة لها؛ وفي تلك الفترة الدامية من شهر رمضان الذي شهد اعتداءات شنها التنظيم الإسلامي على عدد من الدول الإسلامية، نالت المملكة العربية السعودية نصيب وافراً لا تحسد عليه: حيث وقعت ثلاث تفجيرات انتحارية هزت أرجاء المملكة في ذلك العام، إحداها كان أمام المسجد النبوي في المدينة المنورة، ثاني المدن المقدسة في الإسلام؛ وعلى أثر تلك التفجيرات الانتحارية، قتل ما لا يقل عن أربعة ضباط أمن وأصيب خمسة آخرين.

 

وحتى إذا لم تعلن جهة مسؤوليتها عن تلك الهجمات، يظل نمط تنفيذها مرتبط بجهة لا سواها، ألا وهي تنظيم الدول الإسلامية؛ وفي نطاق ما يقرب من 2000 مقاتل، تـُستهدف المملكة العربية السعودية اليوم من قبل ثاني أكبر كتيبة من المقاتلين داخل المنظمة، حيث تحتل تونس المرتبة الأولى برصيد يصل إلى 6000 مقاتل.

 

على أثر استهدافها بموجة من التفجيرات الدموية في مطلع الألفية الثالثة من قبل الجهاديين السعوديين العائدين إلى أرض الوطن، قررت الرياض في العام 2014 تجريم زيارة مواطنيها لأي من أراضي الجهاد بعقوبة السجن لمدة تتراوح ما بين 5-30 سنة، وفي الإطار ذاته، أعلن المفتي عبد العزيز آل الشيخ، وهو أعلى سلطة دينية سنية في البلد أن تنظيم الدولة الإسلامية هو”عدو للإسلام”.

 

وفي ذلك قال ديفيد ريغولي روز، الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي: “تجد المملكة نفسها اليوم، بشكل أو بآخر، في مواجهة مباشرة مع داعش التي أضحت تشكل مصدر تهديدٍ حقيقيٍ لبقائها؛ ذلك أنه، من نواحٍ عدة، ليس هناك اختلاف جوهري بين المذهب الوهابي المعمول به في مملكة آل سعود وذلك المتجسد في داعش، سواءً من حيث مبدأ محاربة الهرطقة أو في التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية”.

 

وبالرغم من وقوف المملكة العربية السعودية في مهب ريح التهديدات الداعشية، إلا أنها اقترفت خطئ فادح بابتعادها عن المشاركة في الحرب ضد الجهاديين, وفي حين أنها أصبحت، منذ سبتمبر 2014، أحد أعضاء التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، السعودية التي بحوزتها 400 طائرة مقاتلة، لم توظف حتى الآن سوى 15 طائرة ضد داعش في العراق مقابل مئات المقاتلات التي تم ارسالها لمجابهة المتمردين الشيعة من الحوثيين في اليمن!

“نحن نقدم المساعدة اللازمة لتفعيل دور التحالف للقضاء على تنظيم داعش في العراق”، هذا ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي أردف مشيراً إلى أن “ستين دولة أخرى تشارك في هذا التدخل العسكري، وفي المقابل، لم يقف إلى جانبنا سوى اثنا عشر بلداً فيما يتعلق باليمن، الأمر الذي يـُعد بالنسبة لنا مسألة أمن خاصة”.

 

وبناءً على معتقدات الحكومة السعودية، فإنً اليد الإيرانية تتخفى في ظل التمرد الحاصل في اليمن؛ الأمر الذي يشير إلى دور الجمهورية الشيعية الاسلامية، التي تمثل العدو اللدود للنظام البتروملكي الوهابي(المذهب الأشد صرامة في تطبيق الإسلام السني)، في الدفع بالمقاتلين الشيعة في اليمن إلى مهاجمة المملكة حتى تخومها الداخلية.

 

وفي هذا الإطار، علق ديفيد ريغولي روز بقوله: “بالرغم من الاختلافات العقائدية بين الشيعة الإيرانيين(الإثني عشرية ) والشيعة اليمنيين (الزيديين)، إلا أنه من الممكن أن تكون هناك روابط سياسية أكثر منها عقائدية بين إيران وحركة الحوثيين، ولا سيما من خلال التواجد غير المعلن لعناصر حزب الله في اليمن؛ وفي ظل وجود تحالف سني ضد المتمردين الشيعة، تعمد المملكة العربية السعودية إلى الاحتفاظ بعلاقات مستقرة بما فيه الكفاية حتى الآن مع الجمهورية الإسلامية، محققة بطريقة ما نوعاً من الثبات الذاتي غير المتوقع”.

 

إيران أكثر خطورة من داعش:

أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في تعليقٍ له “أنه يتعين على إيران وقف سياساتها العدوانية في المنطقة”، كاشفاً بذلك عن توجس واضح من الجمهورية الإسلامية. وترى الرياض بما لا يدع مجالاً للشك أن طهران قد أوغلت في تدخلاتها بلا شك في عمق المنطقة، ولاسيما في لبنان، سورية، العراق، اليمن والبحرين.

 

وفي تحليل للوضع قال ديفيد ريغولي روز: “تلك حقاً حالة مرضية مزمنة تستحوذ على صناع القرار في المملكة العربية السعودية إذ يؤمنون بشدة أنهم باتوا محاصرين من قبل إيران، وأن استراتيجية الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط تستهدف المملكة على وجه التحديد”.

 

ومن حيث مستوى الخطر الكامن، فإنً مد التهديد الايراني يطغى إلى حدٍ بعيد على ذلك الخطر الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية على المملكة؛ وكنتيجة حتمية أدى التدخل العسكري السعودي ضد المتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن إلى تمهيد الطريق أمام تنظيم داعش الذي استغل، من

جانبه، حالة الفوضى السائدة في البلد، منذ مارس 2015، بشن العديد من الهجمات الدموية المكثفة.

 

من الجلي للعيان أنً هناك تواطؤ فكري وثيق بين المجتمع السعودي والإسلام الراديكالي الموسوم بما يعرف بـ”الجهاد”؛ فإلى جانب الحكم الملكي المطلق، تتمثل الدعامة الأخرى للمملكة في واقع الأمر في العقيدة الوهابية التي تمارس تعاليم الإسلام بصورة حرفية بحتة وبأسلوب عفى عليه الزمن.

 

وفي كل مرة يتعرض النظام لموجة من المعارضة، ولاسيما حين يستنجد بالغرب –على غرار ما جرى في حرب الخليج الأولى – يعمد النظام إلى إطلاق المبررات الدينية لتصرفاته.

 

وعلى الصعيد الخارجي، كانت الجماعات المسلحة المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية، منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان، لا تكل ولا تمل من الترويج لتلك الرؤى الراديكالية للإسلام، مع موافقة غير معلنه من السلطات السياسية ورجال الدين في البلد.

 

ومن وجهة النظر هذه، من الواضح أن هناك ترتيب ممنهج بين معظم الجماعات الجهادية كتلك التي قاتلت ضد الروس في أفغانستان، حركة طالبان التي تلقت تأهيلها في مدارس تحفيظ القرآن بتمويل من المملكة العربية السعودية في باكستان، الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، تنظيم القاعدة ومؤخراً تنظيم داعش، على سبيل المثال لا الحصر.

 

كما تتسم كل تلك الجماعات بصفة الصرامة مع باقي المسلمين أو السجناء المذنبين، ولا تتردد مطلقاً في التمثيل بهم قبل إعدامهم, مثل تلك الممارسات القاسية للغاية نستطيع أن نجدها في المملكة العربية السعودية ولكن تحت غطاء قانوني.

 

مما لا شك فيه أن النظام السعودي ساهم إلى حدٍ كبير في حدوث ذلك، ولكن في الوقت ذاته يصعب للغاية تقديم الإثباتات أو الدلائل الملموسة، إذ أن “حلقات” التمويل المالية للدبلوماسية الدينية السعودية مبهمة ومعقدة على حدٍ سواء: يذهب عدد من الأمراء (يقدر عددهم بعشرات الآلاف) والأثرياء السعوديين في رحلة إلى دبي، على سبيل المثال، للترفيه عن النفس بعيداً عن الضوابط الدينية؛ ولدى عودتهم إلى أرض الوطن، يلجئون إلى التكفير عن أفعالهم وتقديم الهبات والتبرعات للمنظمات غير الحكومية؛ فهذه الأموال من الممكن استخدامها لشراء المواد الطبية التي تحتاجها مخيمات اللاجئين، ولكن في الوقت ذاته من الممكن أن يتم توظيفها من قبل الجماعات المسلحة التي تصنف غالبيتها من الجماعات الإرهابية على غرار تنظيم داعش؛ زد على ذلك، الأموال الرسمية التي تغذي الدعاية الدينية المتداولة عبر مختلف المنظمات السوداء وأشهرها رابطة العالم الإسلامي التي تأسست في الستينيات من القرن الماضي من قبل المملكة العربية السعودية بهدف الحيلولة دون أتساع نطاق القومية العربية الناصرية والتعريف بتعاليم الشريعة الإسلامية.

 

وفقاً لتسريبات الدبلوماسية الصادرة عن ويكيليكس الصيف الماضي، كان النظام الملكي السعودي قد أنشئ منذ عدة عقود نظام تأثير ممول من قبل العائدات النفطية, ولتعزيز هيئتها الإسلامية الصارمة ومواجهة الجمهورية الإيرانية الشيعية، التي لن تمكنها من الاستحواذ على النهج السياسي الإسلامي اتجهت المملكة نحو تمول مشاريع بناء المساجد (يقال أنها بالآلاف) والمدارس الدينية وتزويدها بالكتب والمنح والمساكن الدراسية وكذلك تمويل المنظمات غير الحكومية.

 

وفي فرنسا كما هو الحال في بلدان أوروبية أخرى، استخدمت هذه الأموال في بناء المساجد والمراكز الثقافية وابتعاث أئمة السلفية, حيث تشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي تلك الاستثمارات يتراوح بين 2-3 مليار دولار سنوياً وهي ثروة طائلة بلا شك.

 

تعتبر المملكة وبشكل رسمي عضو في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، ولكنها لا تشغل حيزاً كبيراً فيه؛ وكحال غيرها من دول الخليج، ترفض استقبال أي لاجئ سوري. ولكن لم يكن التناقض جلياً قط في العلاقات التي تربط الدول الغربية بالمملكة: ففي حين أنها تسعى لتدمير داعش إلا أنها الحليف الأول للمملكة التي تحتضن أيديولوجية دينية مماثله لتلك الموجودة لدى تنظيم الدولة الإسلامية.

 

يمكن لنا أن نقول إنهما  خصمان يتنافسان في مزاد حقيقي للفوز بلقب “الأكثر صرامة” في تطبيق تعاليم الدين الإسلامي؛ أو على حد قول الصحافي الجزائري كمال داود الذي كتب في صحيفة “نيويورك تايمز” قائلاً: “المملكة العربية السعودية هي وجه آخر لداعش”.

وعلى غرار شريكتها القطرية، تربط المملكة علاقات وشراكات قديمة مع فرنسا، بل هي إلى حد بعيد أكبر مشترٍ للصناعات العسكرية الفرنسية منذ ما يربو على عشرين عاما، حيث ابتاعت طائرات هليكوبتر مقاتلة ودبابات وفرقاطات؛ بل وعمدت إلى تسديد فواتير تسليح مصر (حاملة الطائرات الروسية ميسترال) ولبنان.

وعلى مدى عقود، تبقى مبررات العلاقات مع الرياض، في إطار وجود عقود بعشرات المليارات من الدولارات، مسألة لا تثبت ولا تنفى؛ ففي الأساس، يظل المبدأ الرسمي الثابت هو “العميل الجيد ينال الاحترام الأمثل”؛ إلا أن الجماعات المناهضة لعمليات التسلح والطاقة والرفاهية والسلع الفاخرة تبقى هي المسؤولة عن تذكير حكامنا؛ وفي الجانب الآخر من ذلك، من الواضح أن هؤلاء الحكام يقدمون للعالم أجمع الدروس المثلى في حقوق الإنسان عدا المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن البعد الاقتصادي يسمو فوق كل الاعتبارات.

 

ففي الماضي، كانت المملكة العربية السعودية، التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة، تعمل على إدارة الأزمات؛ ولكنها اليوم تعاني مما هو أشد وأقسى: حيث شهدت الرياض انهيارا واضحاً في إيراداتها جراء انخفاض سعر النفط منذ العام الماضي إلى النصف؛ الامر الذي كشف في الوقت الحاضر عن عجز في ميزانيتها بما يعادل 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما حملها، وللمرة الأولى، على الاقتراض من الأسواق الدولية.

وفي حال أن سعر النفط الخام لم يرتفع، فإن محاولة تلافي الأضرار ستكون غير مجدية، كما ستكون العواقب في سوق العمل كارثية.

وللتذكر فقط، لا ننسى أن ترحيل الرياض لأربعة ملايين مهاجر، معظمهم من الافارقة والهنود واليمنيين، لم يثر أي استياء لدى السعوديين.

(206)

الأقسام: الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,,