المخاض العسير لولادة اليمن الجديد

امين قمورية

 

على رغم الكمّ الكبير من الخلافات والتعقيدات والأجندات المتباينة نجحت الضغوط الاقليمية والدولية التي تمارس على الافرقاء اليمنيين المتخاصمين في اعادة الطرفين الى طاولة المفاوضات في الكويت، لتحي الآمال مجددًا بإمكان وقف الحرب في #اليمن بعد أكثر من عام على إطلاقها.
وكان وفد حكومة الرئيس عبد ربه منصور #هادي علّق المحادثات مع وفد “أنصار الله” والمؤتمر الوطني العام بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح احتجاجاً على سيطرة قوات من الجيش التابع لصالح واللجان الشعبية على معسكر “العمالقة” في محافظة عمران.
ووفقاً لمصادر يمنية وتصريحات متفرقة للمبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ احمد وللمشاركين، فإن المفاوضات ستتمحور حول “بلورة إطار عام استراتيجي شامل يؤمن للمواطنين استقراراً أمنياً وسياسياً”، يجمع طروحات وفد هادي ووفدي تحالف الحوثيين وصالح.
وفي وقت لم تتضح تفاصيل المقترح الأممي المرتقب كصيغة وسط بين الرؤيتين اللتين قدمهما ممثلو الطرفين، ينظر متابعون إلى هذه الخطوة باعتبارها مفصلية من الممكن أن يتحدد في ضوئها مدى القبول لدى الوفدين للاستمرار في المحادثات من عدمها، بعدما كان التباعد الكبير في جوهر الرؤى المقدمة خلال الأيام الماضية أحد أهم أسباب تعثر استمرار الجلسات.
وتشي السياقات السياسية والميدانية التي تأتي في إطارها مفاوضات الكويت، بأنّ المناخ أضحى جاهزاً لبلورة تسوية تنهي الحرب المندلعة منذ آذار 2015، على رغم أنّ الساحة اليمنية أضحت من التعقيد بمستوى يصعب معه الخروج بتوقّعات جازمة، في ما يتصل بنتائج المفاوضات.
وعلى رغم ان تحالف الحوثيين وصالح، كان يفضل اختيار الجزائر او سلطنة عمان، كمكان محايد للتفاوض نظرًا لاشتراك الكويت كطرف في الحرب الدائرة على الارض اليمنية، الا ان “انصار الله” اجروا مفاوضات مباشرة مع السعودية التي تقود الحرب، أدّت الى تهدئة الجبهة الحدودية، فما المانع من إجرائها في الكويت المعروفة بتميز مواقفها عن شقيقاتها الخليجيات، كما انها تملك رصيداً تاريخياً في وقف النزاعات اليمنية البينية، وإيجاد حلول سياسية لها. ولعلّ أبرز تجلّيات ذلك الرصيد “الإيجابي” اتفاق عام 1979، بين شطرَي اليمن الشمالي والجنوبي، لإنهاء النزاع العسكري والتهيئة للوحدة الاندماجيّة.
كل شيء يشير الى ان المفاوضات ستستمر لكنها هل ستوقف الحرب وتقود الى التسوية؟ وأي التسويات هي الاكثر احتمالا؟ وما هي مساحة التنازلات التي يمكن أن تقدمها مختلف الأطراف لإنجاز اتفاق سلام أكثر قوة وأطول دواما؟
ربما هذا ما يدور بالفعل داخل كواليس المفاوضات والتي تستلزم قدرًا من المناورة السياسية، كما شهدناها في تأخّر وفد الحوثيين عن المشاركة في الحضور إلى الكويت أو في تصريحات رئيس الوزراء احمد بن دغر الذي قال ان الحرب هي البديل عن فشل التفاوض أو حتى في البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الذي دعا فيه الأطراف اليمنيين إلى تطوير خارطة طريق لتنفيذ النقاط الخمس الواردة في القرار 2216.
في الواقع أن الملف اليمني قد دخل فعلا مرحلة جديدة تماما الأولوية فيها للديبلوماسية التي يقودها المبعوث الدولي لليمن. ومع ذلك فمشاورات السلام اليمنية في الكويت ليست سهلة بل ستواجه أياما صعبة وهذا الوصف خرج من مطبخ المفاوضات نفسها حيث لمس ولد الشيخ أحمد مدى التفاصيل الدقيقة التي يصر الأطراف اليمنيون على مناقشتها وتمثل في حد ذاتها ألغاما يمكن أن تنسف المفاوضات أو تجمّدها في أحسن الأحوال. وفي مقدمة هذه العوائق التي جرى التغلب على جانب منها:
– المستقبل السياسي لليمن على رغم أنه سيرسم على طاولة الكويت، إلا أن “خارطة الطريق” لا يمكن رسمها بعيداً عن المشهد الميداني الذي رسّخ كياناً مستقلاً للشعب اليمني، وتاليا هل ستضمن المفوضات قيام دولة سيدة مستقلة ام انها ستكرس هذا البلد حديقة خلفية في حسابات الدول الاقليمية الكبرى.
– رغم كثرة النقاط الخلافية على قائمة جدول الأعمال بدءاً من انتخاب الرئيس وليس انتهاءً بالسلاح، إلا أنه من أبرز النقاط التي قد تنسف المفاوضات هو من يتحمل المسؤولية عن شنّ الحرب على اليمن، لأن من شأن ذلك فتح باب المسائلة المادية والمعنوية القانونية على الطرف المتهم.
– موقف الحوثيين وحلفائهم من مسألة وقف الغارات الجوية التي يقوم بها التحالف العربي قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات وكان أحد الأسباب وراء تأخر حضورهم إلى الكويت.
– يثير تطبيق القرار الدولي 2216 لا سيما في ما يتعلق بتسليم الأسلحة جدلاً كبيرًا. فقد اشترط الحوثيون التوصل إلى اتفاق لبناء سلطة توافقية جديدة تمثل جميع أطراف الصراع لا أن تسلم حركتهم السلاح إلى طرف بعينه ليعود إلى استهدافها بالسلاح نفسه.
– الكارثة الإنسانية التي يغرق فيها اليمن نتيجة تدمير البنى الأساسية وتشكل بدورها أحد أهم التطلّعات التي يبني الشعب اليمني آمالا كبيرة في معالجتها عبر التوصل إلى تسوية سياسية.
لكن إلى أيّ مدى ستكشف هذه الجولة من المفاوضات عما إذا كان هناك استعداد لمباشرة البحث في تسوية تثبّت وقف النار وتمهّد لمباشرة البحث في الصيغة الجديدة التي يمكن أن يكون عليها اليمن في المستقبل.
بصيغة أخرى هل ستكشف جولة الكويت إذا كانت التسوية نضجت وتنتظر فقط وضع التوقيعات عليها في ظلّ ضمانات ربما تستغرق بعض الوقت لصوغها في إطار جني الأرباح أم أن الحاجة لا زالت إلى مزيد من المواجهة العسكرية بين اليمنيين.
الواقع أنه بعيدا عن الجدل الذي يواكب أي مفاوضات باتجاه تسوية سياسية ما وبغض النظر عن بعض الانتهاكات على الجانبين، فإن قناعة الافرقاء اليمنيين والقوى الخارجية التي تدعمهم في شأن ضرورة وأهمية التسوية السياسية باتت أقرب من أي وقت مضى.
ثمّ إنّ #السعودية ستحاول الإلتفاف على أي بند يتضمن إشارة للتعويضات عبر إغراق وفدها “اليمني” المفاوض بالبترودولار، خشية الإنزلاق في مستنقع اقتصادي يجني منه الشعب اليمني أكثر من 100 مليار دولار.
أخيرًا، لن تنجح البروبغندا الإعلامية السعودية في طمس إخفاقات أكثر من سنة وشهرين للتحالف، وحجبها عن طاولة المفاوضات، كذلك لن تنجح هذه المرّة في الاستفادة من الهدنة لتحسين شروطها الميدانية، سواء بسبب لجنة التواصل والتنسيق العسكرية اليمنية، وخبراء الأمم المتحدة العسكريين الذين يسعون لإطلاع الوفود على أعمالها وما توصلت إليه، والصعوبات التي تواجهها، بما يعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، أو وبسبب طلب “وفد صنعاء” من الجيش و”اللجان الشعبية” البقاء على جاهزية وإبقاء اليد على الزناد عند أي خرق من الطرف المقابل لوقف إطلاق النار.

 

امين قمورية

نقلاً عن جريدة النهار

(189)

الأقسام: آراء,الاخبار

Tags: ,,