ترجمة| صحيفة “الاندبندنت” البريطانية: أحلام السعودية بأن تصبح قوة عربية وإسلامية تبخرت وفشلت في اليمن

 ترجمة: جواهر الوادعي: المراسل نت:

الضغط العسكري السعودي على الأسد جعله فقط يسعى إلى مزيد من المساعدة من روسيا، مما عجل من التدخل الذي لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لمعارضته.

باتريك كوكبرن|صحيفة “الاندبندنت” البريطانية:

قبل عامين تقريبا بدأت جهود المملكة العربية السعودية على مدى نصف قرن من أجل تأسيس نفسها كقوة رئيسية بين الدول العربية والإسلامية كما لو أنها تكللت بالنجاح. وصفت ورقة تابعه لوزارة الخارجية الأمريكية بعثت بها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في 2014 ونشرتها ويكيليكس كل من السعوديين والقطريين بأنهم يتنافسون من أجل “الهيمنة على العالم السني”.

 

وبعد ذلك بعام أي في ديسمبر 2015، كانت دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية قلقة جدا بشأن تنامي نفوذ السعودية، لذلك اتخذت خطوة غير عادية وقامت بإعداد مذكرة تقول فيها ان “الموقف الدبلوماسي السابق الحذر لأعضاء قياديين أكبر سنا في العائلة المالكة بدأ يُستبدل بسياسة تدخل متهورة “.

 

أجبرت الحكومة الألمانية المحرجة دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية على العدول عن كلامها، ولكنها على مدار العام الماضي كانت تخشى من الأثر المزعزع للاستقرار للسياسات السعودية التي هي سياسات عدوانية أكثر من كونها سياسات يمكن تحقيقها. الشيء الذي لم تتمكن من توقعه كان السرعة التي سترى السعودية فيها هزيمة طموحاتها العالية على كل جبهة تقريبا. إلا أنه في العام الماضي شاهدت السعودية وحلفائها في الحرب الأهلية السورية يخسرون مركزهم الحضري الكبير والأخير في شرق حلب. هنا، على الأقل، كان التدخل السعودي غير مباشر إلا أنه في اليمن حيث كان الانخراط المباشر للآلة العسكرية السعودية المكلفة إلى حد كبير قد فشل في تحقيق أي انتصار. وبدلا من تقليص النفوذ الإيراني عن طريق سياسة سعودية أكثر نشاطا الا أن ما حدث هو عكس ذلك تماما. في آخر اجتماع لمنظمة البلدان المصدرة للنفط اوبك، وافق السعوديون على خفض انتاج النفط الخام في حين رفعت إيران من إنتاجها، الشيء الذي قالت عنه الرياض إنها ترفضه دوما.

 

في الولايات المتحدة، الضامن الأخير لاستمرار حكم آل سعود، نٌقل عن الرئيس أوباما تصريح يشكو فيه من وجود تقليد في واشنطن لمعاملة السعودية كصديق وحليف. أما على المستوى الشعبي فهناك عداء متزايد للسعودية انعكس في شبه الإجماع في الكونغرس للسماح لعائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر من مقاضاة الحكومة السعودية كونها تتحمل مسؤولية الهجوم.

 

تحت إشراف متقلب من ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، الشخصية الأقوى في صنع القرار السعودي، أصبحت السياسة الخارجية السعودية أكثر عسكرية وقومية بعد أن تقلد والده سلمان، البالغ من العمر80 عاما، عرش المملكة في 23 يناير 2015. جاء بعده التدخل العسكري السعودي في اليمن كما زادت المساعدات السعودية لتحالف المتمردين في سوريا حيث كانت القوة المقاتلة الأقوى جبهة النصرة، كانت سابقا الفرع السوري لتنظيم القاعدة.

 

لم يتم شيء بشكل جيد بالنسبة للسعوديين سواء في اليمن أو في سوريا. وعلى ما يبدو أن السعوديين قد توقعوا هزيمة الحوثيين بسرعة من قبل القوات الموالية للسعودية، ولكن بعد خمسة عشر شهرا من القصف مازال الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق صالح، يسيطرون على العاصمة صنعاء وشمال اليمن. وقد أدى القصف الذي طال أمده على أفقر دولة في العالم العربي من قبل الدولة الأغنى إلى وقوع كارثة إنسانية حيث أن ما لا يقل عن ستين في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم خمسة وعشرين مليون نسمة لا يحصلون على ما يكفي من الطعام أو الشراب.

 

كان للتدخل السعودي الكبير في سوريا في 2015 في صفوف المتمردين عواقب مدمرة بالمثل وغير متوقعة. وكانت السعودية قد تفوقت على قطر كونها الداعم العربي الرئيسي للتمرد السوري في 2013 في الاعتقاد بأن حلفائهم السوريين يمكنهم هزيمة الرئيس بشار الأسد أو استدراج الولايات المتحدة إلى القيام بذلك بدلا عنهم. في هذا السياق أدى الضغط العسكري الأكبر على الأسد فقط في جعله يسعى إلى مزيد من المساعدة من روسيا وإيران وعجّل من التدخل العسكري الروسي في سبتمبر 2015 والذي لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لمعارضته.

 

يتم توجيه اللوم إلى الأمير محمد بن سلمان داخل وخارج المملكة لسوء التقدير والتسرع الذي أدى إلى الفشل أو الجمود. وعلى الصعيد الاقتصادي اجتذب مشروعه الخاص بعنوان رؤية السعودية 2030، بحيث تصبح السعودية أقل اعتمادا على عائدات النفط وتصبح أكثر شبها بدولة عادية غير نفطية، الشك الممزوج بالسخرية من البداية. إنه لأمر مشكوك فيه أن يكون هناك الكثير من التغيير في نظام المحسوبية حيث يتم إنفاق نسبة كبيرة من عائدات النفط على توظيف السعوديين بغض النظر عن مؤهلاتهم أو رغبتهم في العمل.

 

الاحتجاجات التي تقوم بها القوة العاملة الأجنبية في السعودية والتي قوامها عشرة ملايين عامل، أي ثلث السكان البالغ عددهم ثلاثين مليون نسمة، لأنهم لم يستلموا رواتبهم يمكن تجاهلها أو سحقها بالجلد والسجن. بالتالي يٌقال بان أمن الدولة السعودية ليس مهددا!

 

الخطر بالنسبة لحكام السعودية وقطر وغيرها من دول الخليج هو بالأحرى الغطرسة والتمني الذي اغراهم لمحاولة القيام بأشياء تتجاوز قوتهم. لا شيء جديد في كل هذا ، فدول الخليج النفطية تتزايد قوتها في العالمين العربي والإسلامي منذ هزيمة الأنظمة القومية في مصر وسوريا والأردن من قبل إسرائيل عام 1967. ووجدوا أن – وهو ما يحدث للسعودية الآن  –  القومية العسكرية تعمل بشكل جيد على تعزيز دعم الحكام تحت الضغط طالما أنهم قادرين على الوعد بالنصر، ولكن سيتم نزع الشرعية عنهم عندما تتم هزيمتهم.

 

عملت السعودية ودول الخليج من قبل من خلال حلفائها ووكلائها ولكن هذا الكبت انتهى الآن مع الثورات الشعبية التي بدأت في 2011. فقد تحولت قطر وفي وقت لاحق السعودية نحو دعم تغيير النظام. و قد تحولت الثورات إلى مكافح للثورات ذات طليعة طائفية قوية في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن والبحرين حيث هناك السكان السنة وغير السنة.

 

يقوم منتقدو السياسات السعودية والقطرية في كثير من الأحيان بوصف تلك السياسات بالمكر وبأنها فعالة، ولكن السمة الأكثر لفتا بالنسبة لهم هي الفوضى الكبيرة وتجاهل الظروف الحقيقية على الأرض. في 2011 اعتقدت قطر أن الأسد يمكن أن يتم إبعاده عن السلطة بسرعة تماما كما حدث مع معمر القذافي في ليبيا. عندما لم يحدث هذا قاموا بضخ المال والسلاح طوعا أو كرها في حين كانوا يأملون بأن الولايات المتحدة يمكن إقناعها بالقيام بالتدخل عسكريا لإسقاط الأسد كما فعل حلف شمال الاطلسي في ليبيا.

ويقول خبراء في سوريا حول مدى التمويل الذي يقدمه السعوديون والقطريون للدولة الإسلامية ومختلف الجماعات المستنسخة من تنظيم القاعدة. وتبدو الإجابة أنهم لا يعرفون وغالبا لا يهتمون بالضبط لمن هم يقدمون التمويل، وأنه على أي حال غالبا ما يأتي من الأفراد الأثرياء وليس من الحكومة السعودية أو المخابرات.

 

تم شرح الآلية التي من خلالها يقوم المال السعودي بتمويل الجماعات الجهادية المتطرفة في مقال لكارلوتا غال في صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر عن كيف مولت السعودية حركة طالبان بعد هزيمتها في 2001. وتستشهد المقالة بوزير المالية السابق لطالبان، أغا جان معتصم، حيث شرح في مقابلة له كيف انه سيتوجه الى السعودية لجمع مبالغ كبيرة من المال من الأفراد والتي سيتم نقلها سرا إلى أفغانستان. وتم نقل عن مسؤولين أفغان قولهم أن الهجوم الأخير لأربعين ألف من طالبان تكلف الجهات الأجنبية المانحة مليار دولار اميركي.

 

أثبتت محاولات السعودية ودول الخليج النفطية لتحقيق هيمنة في العالمين العربي والإسلامي السني أنها كارثية على الجميع تقريبا. الاستيلاء على شرق حلب من قبل الجيش السوري والسقوط المرجح للموصل في أيدي الجيش العراقي يعني هزيمة للعرب السنة في مناطق شاسعة كبيرة من الأراضي التي تمتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. والفضل في ذلك إلى حد كبير يعود للمحسنين الخليجيين، إنهم يواجهون تبعية دائمة للحكومات المعادية.

 

الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر

(245)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,,,