قصة قصيرة: الـــــولـــي

عبدالعزيز العرشاني

الحاج إسماعيل رجل متدين ومن أصحاب الصلاح والتقوى فهو المؤذن والإمام للجامع الكبير في القرية. يُضفي عليه سمة الصلاح والتقوى لحيته الكثة الطويلة غير المنتظمة ذات اللون الأحمر بفعل الحناء. يتخللها شعيرات بيضاء والقليل من الشعر الأسود؛ وثناياه الذهبية التي تظهر لماعة في أعلى وأسفل فكيه حالما يتحدث أو يبتسم. هو معروف في القرى المجاورة إذ يتردد عليها بين الفينة والأخرى مستقبلين له بمزيد من الاحترام والتبجيل.

في صباح يوم باكر ذهب مع رفيق له لإحدى القرى المجاورة التي تبعد ما يزيد عن الساعتين لحاجة يبتغيها، وبعد سفر متعب ومرهق مشيا على الأقدام وصل إلى القرية المنشودة وهو في الرمق الأخير من الإرهاق والظمأ فطلب من أول بيت يصادفه في القرية أن يعطوه ماء للشرب فقدموه له من جرة- يظهر على سطحها الخارجي قطرات من الماء بفعل رشح الماء من جوانبها وتبخره مما ينتج عنها برودة الماء- في كوز من الفخار (يشبه الكوب الطويل ويصنع مع الجرة من الطين المحروق) ولم يكن الماء باردا على ما في نفسه فشرب منه القليل وتركه واتجه إلى بيت أخر مجاور وطلب منهم الماء. فناولوه من دبة بلاستيكية في أعلاها فتحة مُغطاة- يغشيها قطعة من القماش المخيط والمبلول لغرض تبخر الماء من حولها مسببا برودة الماء بداخلها- قدموه له في كأس زجاجي ولم يكن على ما يؤمل من البرودة فتركه واتجه لبيت أخر ليكون الحال كسابقيه بعد أن قدموه له في طاسة نحاسية حتى خرج من القرية ومازال فيه بقية من عطش. فالتفت إلى رفيقه وقال له:

هل أدعو عليهم.

قال له وهو يبتسم:

لا داعي يا حج إسماعيل.

قال الحاج إسماعيل:

لا مهرب من الدعاء عليهم.

وطأطأ رأسه للأرض ناظرا بين قدميه قبل أن يمد يديه عاليا إلى السماء رافعا رأسه وعيناه ناظرة للسماء ومتسعة على أخرهما قائلا:

اللهم امنع عنهم القطر من السماء.

وعلى حين غرة وفي لمحة عين اكفهر الجو وتشكلت السحب السوداء وغابت الشمس وأظلمت السماء وبدأ المطر بالهطول على القرية كأفواه القرب. فالتفت رفيق الحج إسماعيل نحوه وقال له.

لقد أهلكتهم بدعائك يا حج إسماعيل.

(167)

الأقسام: آراء