ترجمة| لفهم الوضع الراهن في الشرق الأوسط منذ 1914- 1945 الحربين العالميتين 1-3

ترجمة: نشوى الرازحي وأسماء بجاش: المراسل نت:

من أجل فهم الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط يتوجب علينا العودة إلى الوراء، أي إلى قرن مضى، وذلك للبحث في أروقة التاريخ وبالتحديد في الفترة التي أعقبت قيام الحرب العالمية الأولى والتي عملت على توضيح الظروف الجيوسياسية التي من خلالها يمكن إيجاد تفسيرات لتعدد وتنوع الصراعات التي تعصف بالمنطقة في الوقت الحاضر.

أوليفييه فليميون| وكالة “برسينز” الدولية:

الشيء المؤكد هو أن القوى الكبرى أثرت بشكل قطعي على مجريات الأحداث الحاصلة ولكن الجهات الفاعلة الإقليمية والمحلية تحررت من ذلك بالطبع واعتمدت في المائة عام الماضية على نفسها بصورة متزايدة تدريجيا. فبعد أن تمكنت بريطانيا وجمهورية فرنسا من فرض هيمنتهما في فترة ما بين الحربين العالميتين، استطاعت هذه القوى العظمى من الإمساك بزمام الأمور خلال الفترة التي عرفت بالحرب الباردة. كما عمل سقوط جدار برلين على فتح الطريق أمام مرحلة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية التي استطاعت فرض هيمنتها، إلا أن هذه الهيمنة بدأت بالتأرجح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

 

 

فخلال تلك المرحلة، التي وصفت بمرحلة العولمة، كان من الممكن ملاحظة وجود استقلالية متزايدة للقوى الإقليمية أو بالأحرى ازدياد استقلالية في التصرف وأيضا احتدام التنافس للخصوم في الداخل. هذا ما نحاول صب جُل اهتمامنا لرؤيته بوضوح أكثر.

 

تم تصنيف المنطقة العربية في الشرق الأوسط منذ القرن السادس عشر ضمن النطاق الجغرافي التابع للإمبراطورية العثمانية، إذ تنحدر الإمبراطورية العثمانية متعددة الأعراق والعقائد من سلالة تركية اتخذت من مدينة اسطنبول عاصمة لها.

 

كما أُطلق على حكام وسلاطين الإمبراطورية العثمانية لقب الخليفة والذي يعني أيضا زعماء المذهب الإسلامي السني، الذين احكموا سيطرتهم على الأماكن المقدسة في الدين الإسلامي: مكة والمدينة.

 

ففي الشرق واجهت الإمبراطورية العثمانية أكبر منافسيها والمتمثلة في نظام شاه بلاد فارس بطل المذهب في العالم الإسلامي، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط منذ القرن التاسع عشر بيئة خصبة لاندلاع النزاعات والصراعات بين القوى الامبريالية الأوروبية.

 

فقد عملت المملكة المتحدة البريطانية، روسيا، فرنسا ومن ثم في وقت لاحق ألمانيا على الانضمام إلى ركب التنافس فيما يتعلق بالتدخل السياسي، الاقتصادي، الثقافي والعسكري.

 

ومنذ العام 1882 كانت مصر لا تزال تحت الوصاية البريطانية، وهو الحال ذاته بالنسبة لمنطقة الخليج العربي- الفارسي حتى نهاية القرن.

 

ارتفعت وتيرة الحركة الاستثمارية المالية للدول الغربية داخل الإمبراطورية العثمانية، ففي العام 1908 تم اكتشاف النفط في بلاد فارس، ومن هنا بدأت التناحرات والخلافات تظهر في أوساط الإمبريالية الأوروبية مما نتج عنها اندلاع الحرب العالمية الأولى.

 

اختارت حكومة اسطنبول في نوفمبر من العام 1914، الاصطفاف وراء الإمبراطورية الألمانية.

 

وأثناء النزاع المسلح للقوات الروسية في منطقة القوقاز، والقوات البريطانية في فلسطين وبلاد ما بين النهرين، العراق، هُزم المعسكر الحليف لألمانيا في العام 1918.

 

وعلى إثر هذه الأحداث قامت دول جديدة في منطقة الشرق الأوسط الحالية (العالم العربي): تركيا وإسرائيل على أنقاض انحلال الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. بالتالي تمكن المعسكر المنتصر في هذه الحرب والمتمثل في بريطانيا وفرنسا من إعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم مصالحها، دون الأخذ بعين الاعتبار رغبات السكان المعنيين.

 

عملت القوى المسيطرة على المنطقة على رسم الحدود واختيار الحكام كما فعل البريطانيون في كلا من العراق، الأردن وفلسطين، أو فرض إدارة مباشرة كما فعلت فرنسا في سوريا ولبنان.

 

ففي العام 1922 أسندت عصبة الأمم المتحدة، الشكل السابق لمنظمة الأمم المتحدة وأوّل منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي، إلى بريطانيا وفرنسا الانتداب على المقاطعات العربية التي خضعت سابقاً للإمبراطورية العثمانية. حيث كان من المفترض أن تسير هذه المقاطعات نحو الاستقلال مع الحصول على وجود صلاحيات إلزامية للتعامل معها كمستعمرات.

 

بالتالي جاء شكل الأراضي المشمولة بالوصاية للدول الأربع التي تتشكل منها منطقة الشرق الأوسط العربي حتى يومنا هذا: العراق، سوريا، الأردن وليبيا، بالإضافة إلى فلسطين- إسرائيل.

 

لقد ازدادت سطوة المحتل البريطاني على الأراضي الفلسطينية والتي جاء على إثرها هجرة المستوطنات اليهودية من القارة الأوروبية التي نظمتها الحركة الصهيونية* إلى فلسطين.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

يشبه المشروع الصهيوني في حد ذاته الاله يانوس – الاله ذو الوجهين: وجه ينظر للمستقبل ووجه ينظر للماضي- إذ كانت تسعى الحركة الصهيونية إلى خلق قومية تحريرية بالنسبة لسكان اشكنازي في أوروبا، اليهود الأشكناز وهم اليهود الذين ترجع أصولهم إلى أوروبا الشرقية – ويكمن هذا الشبة في أن هذا المشروع ظهر على انه ليس مشروعا استعماري للعرب الفلسطينيين الذين يقطنون تلك المنطقة.

 

وقد بدأ الاستعمار اليهودي لفلسطين عن طريق شراء أراضيها منذ العام 1880، إذ تلقى دعما كاملا في الحرب العالمية الأولى، كما عملت الحكومة البريطانية على اعطاء وعداً لليهود والذي عرف باسم “وعد بلفور” الذي قضى بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

 

كما كانت المنطقة العربية مسرحا لحدث جلل ألقى بتبعاته على المنطقة على المدى الطويل، فقد شهد العام 1932 قيام المملكة العربية السعودية، حيث تحالف آل سعود مع رجال الدين الوهابيين وبالتالي تمكنوا من السيطرة على الحكم وتأسيس مملكتهم وسط منطقة شبه الجزيرة العربية وهكذا تمكنوا من بسط نفوذهم على الأماكن المقدسة للمسلمين: مكة والمدينة.

 

بينما ظلت الدول الصغيرة المتاخمة لبحر عُمان والخليج الفارسي تحت الوصاية البريطانية، بالإضافة إلى التحكم في الطريق البحري بين البحر الأبيض المتوسط والهند عبر قناة السويس التي كانت خاضعة لسيطرة البريطانيين.

 

تم تشغيل الحقول الإيرانية الغنية بالذهب الأسود من قبل البريطانيين: شركة النفط الأنجلو-فارسية والتي تم تغير اسمها إلى شركة النفط الأنجلو-إيرانية في العام 1935، ومن ثم ليصبح اسمها بريتيش بتروليوم في العام 1954 وحاليا شركة بي بي، حيث اعتبرت شركة النفط الأنجلو-إيرانية أول شركة نفطية تعمل في الشرق الأوسط. وفي العراق خضعت حقول النفط لشركة كونسورتيوم إنترناشيونال، شركة نفط العراق.

 

رأت الدولة التركية النور على يد مؤسس الجمهورية التركية الفعلي مصطفى كمال اتاتورك في العام 1923، إذ جعل من قلب الإمبراطورية العثمانية المنهارة مكاناً للجمهورية الجديدة، حيث عمل على إلغاء اسم السلطنة -اي النظام الملكي- في العام 1922 ومن ثم تم إلغاء مؤسسة الخلافة نهائياً في العام 1924، حيث يعتبر بمثابة الأب للدولة التركية العلمانية الحديثة ذات الصبغة الغربية وذلك من خلال فرض السلطة الجديدة هيمنتها على الشعب.

 

أعلنت الإمبراطورية الفارسية عن عدم مشاركتها في الحرب العالمية الاولى لأنها لا تزال تعاني من التنافس بين المصالح البريطانية والسوفيتية.

 

إذ لم تلقى محاولة الإيرانية المماثلة لتلك التي حصلت في تركيا نجاحا كما حصل مع الإمبراطورية الفارسية بقيادة رضا بهلوي منذ العام 1925، وفي العام 1935 تم إطلاق اسم إيران رسمياً على الإمبراطورية الفارسية.

 

وقد حكمت هاتين الدولتين الجديتين (تركيا اتاتورك وإيران رضا بهلوي) بطريقة مستبدة ومتسلطة في محاولة للحفاظ على مسافة واحدة بين القوى الغربية والاتحاد السوفياتي.

 

وتجدر الإشارة إلى الحال الذي يعيشه الشعب الكردي المجزئ بين أربع دول: تركيا، إيران، العراق وسوريا، حيث تعاني هذه الأقلية المتناثرة في كل مكان من التهميش والقمع.

 

شهدت فترة ما بين الحربين العالميتين منح بريطانيا الاستقلال “رسميا” لمصر في العام 1922، ومن ثم للعراق في العام 1932.

 

بيد أن الثورة الفلسطينية التي اندلعت في العام 1936 تم دحرها من قبل قوات الاحتلال البريطاني والمليشيات اليهودية من اليشوف: مصطلح يطلق على المجتمع اليهودي الذي عاش في فلسطين قبل بدء الهجرات الصهيونية إلى ارض فلسطين، النواة الأولى لظهور الدولة اليهودية التي سعت الحركة الصهيونية لإقامتها.

 

من جانبها عملت فرنسا على فصل الأراضي اللبنانية عن النطاق الجغرافي لدولة سوريا الكبرى او بلاد الشام والتي كانت تضم تحت لواءها المناطق الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر، حيث عملت فرنسا على قمع جميع الحركات الاحتجاجية عن طريق استخدام القوة.

 

سعى البريطانيون من مواصلة التدخلات في الاقتصاد للبلدان الخاضعة تحت سيطرتهم إلى ضمان استمرار الوجود العسكري والذي بدوره أثار غضب القوميين سواء كانوا علمانيين أو المتدينين.

 

تأسست حركة الإخوان المسلمين في العام 1928 في مصر على يد حسن البناء، وهي حركة أقرب ما يمكن وصفها بأنها حركة سياسية. وهذا يعتبر تجديد للدين الإسلامي عن طريق العودة إلى المصادر الرافضة للنفوذ الغربي بجميع أشكاله وصوره سواء كانت سياسية، اقتصادية أو ثقافية.

 

فقد سعى حسن البناء من خلال هذه الحركة إلى إعادة أسلمه المجتمعات وفقاً للمعايير الخاصة بالحركة حيث بدأوا من القاعدة الاجتماعية ورويدا رويدا حتى الوصول إلى السلطة السياسية.

 

كما عملت جماعات العلمانيين، سواء كانت الليبرالية، القومية أو الماركسية على خوض غمار المقاومة السياسية في جميع بلدان المنطقة، فالجميع توحدوا تحت راية المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا العظمى او عن فرنسا.

 

عند اندلاع الحرب العالمية الثانية اختار يهود اليشوف الاصطفاف وراء بريطانيا، في حين ابدأ القوميون العرب قدر من التعاطف مع الألمان.

 

كما عملت العراق الواقعة تحت الوصاية البريطانية على رفع الدعم عن المانيا في العام 1941 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية التي هُزمت فيها. وفي نفس العام تم احتلال سوريا الذي ظلت قابعة تحت نظام حكم الاحتلال الفرنسي الفاشي عن طريق القوات البريطانية والفرنسية الحرة أو بعبارة أخرى عن طريق المد الديجولي (الحركة السياسية المؤيدة لشارل ديجول بوصفه زعيما للحكومة الفرنسية في المنفى خلال الحرب العالمية الثانية).

 

اختارت تركيا الوقوف على الحياد خلال فترة الحرب العالمية الثانية، في حين أبدت إيران ميلاها إلى ألمانيا وبالتالي عملت كلا من القوات البريطانية والسوفيتية على اجتياح الأراضي الإيرانية ونتيجة لذلك تم ضم الأراضي الإيرانية ضمن معسكر دول الحلفاء.

 

انتهت الحرب العالمية الثانية بخروج معسكر الحلفاء منتصراً. نتيجة لذلك، تم تقاسم منطقة الشرق الأوسط بين بريطانيا العظمى وفرنسا.

 

نالت كل من تركيا وإيران استقلالها خلال تلك الفترة، في حين بدأت المملكة العربية السعودية في السعي إلى توطيد تواجدها في قلب المنطقة العربية.

 

وفي فلسطين، في نفس تلك الفترة، بدأت مؤشرات الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني تلوح في الأفق.

 

كما عمل إعادة التوزيع العام للخارطة لفترة ما بعد الحرب العالمية الأولى الى الزج “بالنفط” وسط المنافسات، بينما عملت الحرب العالمية الثانية على خلط الأوراق في المنطقة وتهيئة الوضع الذي أدى إلى نشوب الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط، والتي ستكون محور الحلقة القادمة.

 

 

هوامش

* تأسست الحركة الصهيونية في العام 1897 والتي تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود الأوروبيين، ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات مثل إبادة اليهود في روسيا القيصرية وقضية دريفوس التي أدت إلى اندلاع صراع اجتماعي وسياسي في نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا.

وقع الاختيار على فلسطين الأرض التي شهدت تعاقب المملك اليهودية المختلفة خلال العصور القديمة: مملكة داود وسليمان، الممالك المتناحرة لإسرائيل ويهوذا، ، مملكة هاسمونين و مملكة هيرودس.

(420)

الأقسام: الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,,,,,,,,,,,,,,