ترجمة| لفهم الوضع الراهن في الشرق الأوسط 1945- 1990 الحرب الباردة 2-3

ترجمة: نشوى الرازحي وأسماء بجاش: المراسل نت:

اٌستبدل التنافس التقليدي بين فرنسا وإنجلترا، الذي كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحا لأحداثه في فترة ما بين الحربين، بالعداء بين أميركا والاتحاد السوفيتي وطُبعت المنطقة بطابعه ما يقارب من نصف قرن.

أوليفييه فليميون| وكالة “برسينز” الدولية:

في العام 1945، حدث الاجتماع الشهير بين الرئيس روزفلت والعاهل السعودي بن سعود. وخلاله تم عقد اتفاق في مدينة كوينسي الأميركية نص على الحماية الأميركية للنظام السعودي مقابل احتكار النفط السعودي. من هنا بدأ الأميركيون تولي دور البريطانيين في كل مكان خطوة بخطوة. وتوجب على الفرنسيين مغادرة سورية ولبنان، بسبب ضغط القوميين العرب من جهة وضغط حلفاؤهم الأنجلو- سكسونيين (القبائل الجرمانية التي غزت وسكنت بريطانيا) من جهة أخرى. وانضمت تركيا في العام 1952 إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وحاول رئيس الوزراء الإيراني، محمد صادق تأميم إنتاج النفط الإيراني. إلا انه تم إسقاطه بانقلاب عسكري، تم التخطيط له بالتضافر مع  وكالة المخابرات المركزية الأميركية سي أي إيه، وهو ما جعل الشاه يدين للأميركيين بحكمه. ومن ثم تم توقيع حلف بغداد – نوع من حلف شمال الأطلسي الشرق أوسطي (وهو أحد التحالفات التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، حيث تم إنشاؤه في العام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، وكان مؤلف من المملكة المتحدة، العراق وتركيا وإيران وباكستان.) كان ذلك زمن مبدأ ايزنهاور (وهذا المبدأ هو خطبة ألقاها دوايت أيزنهاور في 5 يناير 1957، تضمنت “رسالة خاصة إلى الكونغرس حول الوضع في الشرق الأوسط”). ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط، حيث يوجد أهم احتياطيات النفط المعروفة – كانت ضحية الحرب الباردة. الجدير بالذكر أيضا أن القوى الصناعية (للاتحاد الأوروبي، أوروبا، اليابان)، كانت “متعطشة للنفط”. كما شجعت الأسعار المنخفضة استهلاك واحدة من الركائز الرئيسية للاقتصاد في سنوات ما بعد الحرب.

 

إسرائيل، التي أعلنت استقلالها في العام 1948، كانت حالة خاصة. فقد نشأت الدولة في نوفمبر 1947 إثر تقسيم فلسطين على أساس تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة وتكونت بصورة أساسية من الدول الغربية. وكانت غالبية الدول الأسيوية والأفريقية مازالت ترزح تحت الاستعمار. كما رفض الجزء العربي من فلسطين التقسيم ودُعم من قبل الدول المجاورة ونشبت أول حرب إسرائيلية-عربية (1948ـ1949) انتهت بانتصار إسرائيل). وانفجرت ثلاث حروب أخرى  (1956، 1967، 1973) خرجت منها الدولة العبرية منتصرة. وكان العام 1959هو عام تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. وقد خاضت كفاحا مسلحا ضد الدولة اليهودية، عن طريق حرب العصابات بصورة خاصة في المنطقة الحدودية.

 

وعشية حرب العام 1967، التي تسمى “حرب الأيام الستة”، احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، أي تلك الأراضي الفلسطينية التي ظلت في المنطقة العربية بعد حرب 1948-1949. وسميت تلك الأراضي منذ البداية بـ ” “الأراضي المحتلة”. وفي العام 1982، اخترق الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان لطرد منظمة التحرير الفلسطينية، من معسكرات وقواعد تم من خلالها قيادة الكفاح المسلح ضد الدولة العبرية، بعدها تمكن الإسرائيليون من طرد منظمة التحرير الفلسطينية خارجا، واستمر الاحتلال الإسرائيلي ثلاث سنوات.

بعد ذلك حدثت الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة – الضفة الغربية وقطاع غزة – التي بدأت في ديسمبر 1987، إلا أنها قُمعت بعد عدة سنوات من القوة المحتلة، إسرائيل.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

عالمياً، اعتبر وبشكل واضح أن المواجهة بين المعسكرين الغربي والسوفييتي كان لها أثرا مباشرا على المنطقة بأسرها. وقد رفضت الدول العربية القومية النفوذ الغربي واقتربت من موسكو. ومن تلك الدول سورية ومصر وأخيرا العراق. كانت القومية العربية هي توجه تبناه جمال عبد الناصر وحزب البعث العربي. وعارض العلمانيون والاشتراكيون الأنظمة الملكية والموالية للغرب: ولكن في دول الخليج وكذلك في مصر حدثت الانقلابات العسكرية في العام 1952، وفي العراق في العام 1958 وفي الأردن نجا نظام الحكم عدة مرات من الانقلاب. واقتربت حركة القومية العربية من الشرق وتولى ياسر عرفات قيادتها في العام 1965،. هنا، وصل الشرق الأوسط إلى “الحرب الباردة” واحتفلت الأنظمة المستبدة بالانتصار في كل أرجاء الشرق الأوسط.

 

وفي العام 1971، تحررت الدول في جنوب الخليج الفارسي من الاستعمار البريطاني: الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة. وهذه دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كانت تميل سياسيا إلى الدولة “الشقيقة الكبرى” السعودية. إلا إنها بقدر ما كانت ممالك نفطية، إلا أنها كانت واقعة تحت الوصاية الأميركية واهتمام الغرب. بينما كان الشاه الإيراني، بفضل النفط وجيشه، بمثابة الشرطي الإقليمي في منطقة الخليج المتواجدة على طول الخط في منطقة الأحداث.

 

وشهدت الأنظمة التركية المدنية العسكرية المتعاقبة، الدُعامة الجنوبية الغربية لحلف شمال الأطلسي، انقلابات عسكرية متتالية خلال الأعوام 1960، 1971، 1980، والتي كانت تحدث دائما عندما يكون لدى الجيش انطباع بأن سياسة البلد تبتعد كثيرا عن تراث مصطفى كمال أتاتورك.

 

وجاء العام 1973 “بطلقة نار تحذيرية”. وكنتيجة لحرب يوم الغفران – كانت إسرائيل آنذاك تتعرض لهجوم القوات العربية وتمكنت بعد ذلك من حسم الحرب لصالحها بمساندة من الولايات المتحدة الأميركية – قررت الدول المنتجة للنفط فرض حظر ارتفعت على إثره أسعار النفط. حيث دافعت دول الأوبك بشكل صريح عن مصالحها. ودخل اقتصاد الدول الغربية في أزمة بسبب ارتفاع أسعار الوقود، لأن نموها في فترة ما بعد سنوات الحرب- الفترة الشهيرة بالثلاثينيات الذهبيةـ كان معتمدا على النفط.

 

صدمة الثورة الإيرانية:

في العام 1979حدثت صدمة نفطية أخرى كان لها نفس تأثير الصدمة الأولى على الاقتصاد الغربي. لكنها هذه المرة كانت صدمة ناتجة عن حدث سياسي كبير هو الثورة الإيرانية التي مثلت صاعقة في حقيقة الأمر. حيث أدت الثورة الإيرانية وأطاحت بحكم الشاه وتم الالتفاف وراء الشخصية الجاذبة آية الله الخميني. انقسم رجال الدين وتحالف بعضهم مع الليبراليين والعلمانيين وآخرون مع الماركسيين والشيوعيين وعمل الخميني على توحيد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية والحركات الطلابية والبسطاء من الشعب تحت قيادته. وبعد أسابيع قليلة انهارت الإدارة وتفكك الجيش. ورفضوا بكل بساطة خدمة النظام مدة أطول بسبب الاستبداد والفساد وجنون العظمة والامتثال لتوجيهات الولايات المتحدة الأميركية. واجه الغرب تحديا لم يسبق له مثيل في هذه المنطقة. ولم يكن منه إلا أن اعتمد على نظام حكم البعث العراقي بقيادة صدام حسين، لكبح الثورة الإيرانية: الذي انتهى بهجوم العراق على إيران. ومولت ممالك الخليج المجهود الحربي العراقي. وبعد حرب دامية دامت من 1980-1988 حصدت أرواح أكثر من نصف مليون شخص- تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، ولم يكن في تلك الحرب منتصر ولا خاسر.

 

لعب الإسلام السياسي في غضون ذلك دورا سياسيا هاما في المشهد السياسي، فكريا وجيوسياسيا. وكرد فعل شيعي على النشاطات السياسية، تردد صدى من طهران يقول بأن السنة شبه منافسين. وظهرت في العالم العربي الإسلامي حركات إسلامية سنية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية وجماعة الإسلام الباكستانية. حيث قاتلت هذه الجماعات إرث الاستعمار ونصبت نفسها كقوى محلية في الدول سواء كانت جمهورية أو ملكية. ولتسويق أفكارها، استغلت مهاجمة الحركات القومية والأفكار الماركسية، التي كانت قد فقدت شعبيتها على أعقاب الهزائم العسكرية من قبل إسرائيل بسبب فشلها الاقتصادي والسياسي والقمع المستمر لها.

 

واستفادت تلك الجماعات الإسلامية من أموال دول الخليج، التي كانت تتدفق بوفرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. وصدر السعوديون الوهابيون فكرهم وتفسيرهم الخاص بهم للإسلام، أينما استطاعوا. ومثلما استطاع الإسلاميين سحب الدعم المالي من دول الخليج، تمكنوا من الاحتفاظ بموقفهم الحاسم إزاء ميل أنظمتهم الحاكمة بقدر قل أو كثر نحو الغرب. وفي العام 1979، هجم الجيش السوفيتتي على أفغانستان، لمساندة نظام الحكم الشيوعي هناك، الذي كان مهدداً من قبل انتفاضة شعبية. وتدخل الجهاديين بشدة في القتال ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان وأقدموا على خطوة لا رجعة فيها. ومولت جهادهم ضد السوفييت السعودية وسلحتهم أميركا وتم تنظيمهم وتدريبهم على يد الباكستانيين.

 

ولم يكن المجاهدين الأفغان أقل منهم. فهم أساسا كانوا يقودون المعارك. وفي هذا السياق، تم تشكيل تنظيم القاعدة. وهي منظمة دولية بقيادة الإسلامي السعودي أسامة بن لادن. ولحقت بها السمعة السيئة بسبب أحداث هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك.

 

وخلال كل هذه الفترة، تم توريط دول المنطقة كلها في صراع كبير ضد الغرب. وتم تهميش الصراع العربي/ الإسرائيلي إلى حد ما. لأن إسرائيل تطبق مبدأ العداء مع كل الدول العربية في المنطقة بقدر قل أو كثر، سواء كانت تلك الدول موالية للولايات المتحدة الأميركية أو موالية للاتحاد السوفيتي. ومرة أخرى أدت الثورة الإسلامية الإيرانية إلى حدوث صدمة. من خلال العامل الديني ـ السياسي، الذي لم يخرج بالطبع عن حدود الحرب الباردة المتفاقمة. وكان يسبق ذلك التطورات الجيوسياسية الأخيرة، التي سنوضحها في الحلقة القادمة.

لقراءة الحلقة الأولى:

لفهم الوضع الراهن في الشرق الأوسط منذ 1914- 1945 الحربين العالميتين 1-3

* أوليفييه فليميون هو مؤرخ فرنسي

(158)

الأقسام: الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,