ترجمة| لفهم الوضع الراهن في الشرق الأوسط 1990- 2011 نهاية الحرب الباردة- ثورات الربيع العربي 3-3

ترجمة: نشوى الرازحي وأسماء بجاش: المراسل نت:

افتتح تفكك الإمبراطورية السوفيتية في العام 1991، مرحلة خاصة في تاريخ العالم وتاريخ المنطقة. تطورت “القوة العظمى الأميركية” دون أن تكبحها أي مقاومة. وكان غزو الكويت من قبل عراق صدام حسين هو النتيجة. وغرق الديكتاتور العراقي بسبب تكاليف الحرب ضد إيران في ديون أثقلت كاهله مع ممالك ودول الخليج وهم قاصدين بذلك بأنهم سيتمكنون من الاستيلاء على آبار النفط الكويتية والاستفادة من مصادر المال.

أوليفييه فليميون| وكالة “برسينز” الدولية:

تمت إدانة احتلال الكويت من قبل مجلس الأمن الدولي. الأمر الذي حدث على إثره التدخل العسكري الأميركي برعاية الأمم المتحدة في العراق وأسمى ذلك بـ “عاصفة الصحراء”. وانتهت حرب الخليج التي نشبت في يناير 1991بهزيمة ساحقة للجيش العراقي، الذي طُرد من الكويت. ودعمت معظم دول المنطقة، لأسباب مختلفة العملية التي أراداها جورج دبليو بوش. وفي الواقع، كانت العديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط راضية تماما تمام الرضى بضعف نظام حزب البعث العراقي. تم وضع العراق تحت حصار الأمم المتحدة. وعانى المدنيين بشكل رهيب من هذا الحصار، في حين وسع كادر النظام نفوذه وبذلك تم خرق الحصار.

 

أما بالنسبة للصراع بين إسرائيل وفلسطين، دفع فشل الانتفاضة الأولى ونهاية الاتحاد السوفيتي بإسرائيل إلى موقف القوة وأدى إلى مفاوضات مباشرة بين الخصمين. وتم التوقيع على اتفاقيات أوسلو في العام 1993. وتم تقسيم “الأراضي” إلى ثلاث مناطق: المنطقة (أ) تحت سيطرة الفلسطينيين. المنطقة (ب) تحت سيطرة الطرفين. المنطقة (ج) تحت سيطرة إسرائيل.  أدارت السلطة الفلسطينية المنطقة (أ) ولكن فعليا لم يكن بالإمكان الوصول إلى الموارد الطبيعية التي كانت تحت إشراف إسرائيل. وفي المنطقة (ب) عززت الدولة العبرية مطالبها من خلال تكثيف بناء المستوطنات، التي شكلت جيوب فعلية داخل الأراضي الفلسطينية. ومثلت منظمة التحرير الفلسطينية الجانب الفلسطيني وتوجب عليها قبول تنازلات كبيرة.

 

ولكن “الصقور” في كلا الجانبين، اهتموا بأمر إفشال اتفاقيات أوسلو. وقام أحد اليهود القوميون بقتل إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي والموقع على اتفاقيات أوسلو. ورفضت المنظمات الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامي، كلا الاتفاقيتين وكثفتا من هجماتهما على المدنيين اليهود. وفكر اليمين الإسرائيلي، الذي يجتمع وراءه الزعماء شارون ونتنياهو، فقط بالتمسك بمحتويات الاتفاقيات وقاما بمواصلة سياسة الاستعمار في الضفة الغربية وقطاع غزة. وظلت الانتفاضة الثانية المسلحة هذه المرة، التي جرت ما بين عام 2000 و2005 هذه المرة بلا نجاح أيضا بالنسبة للفلسطينيين. وفي العام 2006، فاز إسلاميو حركة حماس بالانتخابات في غزة. وفي العام الذي تلا ذلك، تولت حماس السيطرة وطردت منافسيها من مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية. الأولى في الضفة الغربية، بقيادة محمود عباس، خلف ياسر عرفات منذ عام 2004. والثانية في قطاع غزة، بقيادة حماس. قام الجيش الإسرائيلي بالقصف المكثف لقطاع غزة ثلاث مرات، في 2009 و2012 و2014، ردا على الصواريخ التي انطلقت من غزة مستهدفة إسرائيل. ورفضت الحكومة الإسرائيلية تباعا أي تنازلات من الجانب الفلسطيني، وكثفت من بناء المستوطنات في المناطق المحتلة. وفي حين خدمت هذه المناطق إقامة الدولة الفلسطينية- التي بدت أكثر افتراضية، إلا أنها كانت غير قانونية تماما بالنظر إلى قانون الضم الإسرائيلي. وهكذا استمر الحظر.

 

ومنذ نهاية حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، بدأ الجهاديين استئناف هجماتهم على حلفاء أميركا وأيضا ضد النظام السياسي العربي في بلدانهم. تلي ذلك سلسة من الهجمات. وفي الحادي عشر من سبتمبر استهدف تنظيم القاعدة أميركا على أرضها. فقد ضربت طائرات مدنية برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون. وراح ضحية ذلك الهجوم 3000 آلاف شخص. وبات العالم مذعورا على إثر ذلك الهجوم.

 

وأعلن الرئيس الأميركي الجديد آنذاك جورج دبليو بوش “الحرب على الإرهاب” ووضع العراق وإيران على قائمة الدول، التي صنفت بأنها “محور الشر”.

 

واتهمت الإدارة الأميركية نظام الحكم العراقي بامتلاك أسلحة نووية بالرغم من أن تقرير مفتشي الأمم المتحدة لا يؤكد على ذلك وتم غزو العراق في مارس 2003 وإسقاط نظام حكم صدام حسين. تم تدمير هياكل الإدارة والجيش وحزب البعث في العراق. وتسلم الحكم في بغداد الأغلبية الشيعية، التي كانت مستبعدة منذ تأسيس العراق في العام 1920. أما الأكراد العراقيين، فقد تمكنوا من الحصول على الحكم الذاتي بالاستقلال شبه التام بأراضيهم. وقاد جزء من الكادر الموالي لنظام الحكم المطاح به عملية تشكيل عصابات ضد المحتلين. وأتى بعد ذلك الجهاديين الأجانب: كان لحرب العراق تأثيرا مقلقا كبيرا على هؤلاء الناس. واستقرت القاعدة في تلك البلدان والمناطق، التي تعيش فيها الأقليات العربيةـ السنية. تم قمع ثورة السنة بصورة كلية تماما، عندما انسحبت القوات الأميركية في عهد أوباما في العام 2011.

 

وفي العالم العربي بأكمله وجزء كبير من العالم الإسلامي، ساد الصعود القوي للجماعات الإسلامية الجهادية في الفترة ما بين 1990 و2000. لم يكن يرغب الجهاديين فيما رأوا بأنه “حملة صليبية” على الإسلام ـ وكان ذلك خليط من التأثير الأميركي في المنطقة وتغيير العادات إلى الغربية ووجود إسرائيل- وهاجمت الجماعات الإسلامية أيضا وبنفس الطريقة أنظمة  الحكم  (كما في مصر)، مثل مهاجمتها المصالح الغربية والأقليات الشيعية. تم تمويل هذه الحركات من قبل دول الخليج- سواء من الدول نفسها أو من المتبرعين الأثرياء أو المؤسسات الخاصة الثرية. والأيديولوجية تعود لجماعة الإخوان المسلمين المتطرفة التي أسسها السيد قطب، فضلا عن الوهابية السعودية.

 

عبث “الربيع العربي” بالنظام الإقليمي القائم. وتضرر جزء كبير من الدول العربية منذ 2011 على إثره. وسقط ابن علي في تونس ومبارك في مصر وبعدها صالح في اليمن وقامت الحرب الأهلية في ليبيا وسورية والمظاهرات في البحرين والمغرب. وتضررت الجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق ولبنان وقطاع غزة أيضا من ثورات الربيع العربي، حتى وإن كان الوقت أقصر وأقل إثارة. وفي حال الدولتان الأولتان، تم شراء “السلام الاجتماعي” بأموال النفط وارتبط ذلك بعمليات القمع الانتقائي.

 

 

وكان التنافس ظاهرا بين السعوديين والقطريين، بحيث كان أحدهم يدعم السلفيين والآخر يدعم الإخوان المسلمين. وكان حال مصر يوضح الوضع تماما: فقد تم إسقاط حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة بصورة ديمقراطية من قبل الجيش، من قبل السلفيين والعلمانيين، بالرغم من أن أفكارهم ليست متقاربة.  وأدت حماقات الإخوان المسلمين وعدم تمكنهم من مد الجسور إلى العلمانية والمعارضة الديمقراطية إلى ابتعاد جزء كبير من السكان عنهم. وفي كل تلك الحالات لم تكن قضية الجيش ومثله الإسلاميين هي كسب المساعدات مرة أخرى والحيلولة دون إنشاء مجتمع مدني مستقل.

 

في البحرين، منع القمع حدوث ذلك. ولكن وضع سورية كان هو الأفظع. فالحكومة التي تُدعم أكثر وأكثر من الحلفاء الإيرانيين والروس اختارت طريق إبادة أي احتجاجات بلا رحمه، في حين انتقلت حكومات الرياض وأنقرة وغيرهما إلى دعم الكفاح المسلح لجزء من المعارضة تحت قيادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). واضطهدوا أيضا أنصار التغيير إلى مسار اللاعنف من قبل الجانبين. وهكذا تمكنت القاعدة ورمزها تنظيم داعش من الاستقرار في سورية. كما ظهرت التنظيمات الجهادية في اليمن أيضا وقد استفادت من فوضى الحرب الأهلية الدائرة هناك بين الحوثيين، المدعومين من قبل جمهورية إيران الإسلامية بقدر قل أو كثر وبين الحكومة التي تقف ممالك الخليج العربي في صفها. كما أنه لا بد من التذكير بأن أعضاء داعش أصلهم من القاعدة وكان أول ظهور لها في العراق. وقد استفاد تنظيم داعش من يأس الأقلية السنية العربية في بغداد من السلطة.  سيطر الشيعة على الحكومة وهم يشكلون غالبية السكان في البلد. وقد أخذوا بالتأكيد بثأرهم التاريخي من السنة، الذين حكموا البلاد منذ العام 1920.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

وعلى هذا النحو، قوبلت الحرب الباردة بين إيران وممالك الخليج بغضب عارم. وتم التدخل عسكريا سواء في اليمن أو سورية. وهذا هو في ذات الوقت تنافس تقليدي بين دولتين وقوتين إقليميتين وبقايا عداء قديم يمتد إلى قرون من الزمن بين القوى السنية والشيعية على قيادة العالم الإسلامي، عداء يعود إلى العصور الإسلامية الأولى. كما يوجد العداء السني- الشيعي أيضا في سياسة تنظيم داعش، التي تستهدف هجماته الشيعة سواء كانت لهم علاقة بإيران أو لم تكن، متى وحيثما سنحت له الفرصة (في باكستان أفغانستان، العراق، سورية، لبنان واليمن).

 

ظهر في إيران الفصل المتزايد بين الشعب والنظام الحاكم. لم يعد يعترف الشباب بالمثل العليا للثورة الإسلامية التي ظهرت في العام 1979. وبالإمكان أخذ عمليات القمع العنيف لأعمال الشغب عقب إعادة انتخاب الرئيس المحافظ أحمدي نجاد كدليل على ذلك. وفي تركيا، حاول الرئيس أردوغان، المنتمي للإسلام المحافظ، والذي تولى السلطة منذ العام 2002، ترسيخ حكمه بشكل أكثر وضوحا، فهو ديكتاتور متزلف يؤسس نفسه. ومع ذلك، عبر أجزاء من المجتمع المدني منذ أحداث ساحة (غيزي) في اسطنبول عن إرادته. كلاهما، إيران وتركيا، هما ميراث إمبراطوريات مرموقة، وهما قوى تقليدية في العالم الإسلامي والشرق الأوسط وتشاركان في الصراعات التي تمزق الدول المجاورة لهما. كلاهما ابتكرتا سياسة خارجية ديناميكية، الهدف منها قبل كل شيء تقديم كل أو جزء من مصالحهما الخاصة على الرغم من الضغوط الخارجية الإمكان توضيح أسباب عدة للاستراحة النسبية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في ظل رئاسة أوباما:

 

أولا، هناك أسباب التي لها علاقة بالعولمة. فأهمية منطقة أسيا الواقعة على المحيط الهادي الاقتصادية والجيوسياسية في ازدياد ولكن الرغبة الضئيلة في نفط منطقة الشرق الأوسط بسبب اكتشاف احتياطي ضخم من الطاقة على شكل الغاز الصخري في أميركا الشمالية وارتفاع تكاليف التدخلات العسكرية، كان أمر شكل عبء على الديون الأميركية الخارجية.

 

أضف إلى ذلك أن هناك عوامل داخلية خاصة. لدى واشنطن صعوبة في فرض أولوياتها الخاصة مقابل المصالح المتباينة لأكبر حلفائها (السعودية، تركيا، إسرائيل ومصر)، كذلك عدم ثقتها بالسنة، أو بالأصح بالنشاطات السلفية لحلفائها في الخليج وكذلك في باكستان. وإجمالا، يتبين بسبب وكنتيجة لتحديد المكانة الأميركية هذه وبوضوح التورط المتزايد للأتراك والسعوديين والإيرانيين والقطريين في الصراعات الإقليمية.

وانطلاقا من هنا، باتت خلفية القرارات الأميركية واضحة:

– الاتفاق النووي مع إيران

–  الدعم المتخاذل للمعارضة المسلحة في سورية. وقد صنفت المعارضة من قبل واشنطن أنها لا يمكن الاعتماد عليها

– وقع اختيار مكافحة انتشار داعش عن طريق الأكراد.

 

عمقت هذه القرارات بدورها الهوة مع حلفاء إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا ومنحت روسيا فرصة جعل مصالحها الخاصة في المقدمة بصورة جزئية أو كلية ومحاولة إعادة نفوذها الذي فقدته منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. وبالمثل، تم تشجيع القوى الإقليمية، إيران من جهة وحلفاء أميركا من جهة أخرى حتى وإن كان هناك خلاف مع واشنطن على تقديم قرارها الجيوسياسي الخاص بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل.

 

في نهاية هذه اللمحة الموجزة عن قرن من التاريخ، يمكننا أن نقول أن الممثلين السياسيين في الشرق الأوسط – على الصعيد العالمي – يميلون  إلى تقرير مصيرهم بأنفسهم. الدول الكلاسيكية، وممثلي الجهات غير الحكومية، مثل المنظمات الجهادية وأيضا المجتمعات المدنية والتي بالقدر الذي لا يتم قمعها بوحشية تعمل على توسيع نطاق أعمالها وإجراءاتها بحيث يكون لأعمالها تلك صلة طبعا بالقوى العظمى في المنطقة – الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وإلى جانب الصراع التقليدي من أجل السلطة بين الحركات السياسة والتنافس الذي لا يقل عنه من الناحية التقليدية بين الدول، بدأت أصوات المجتمع المدني ـ التي لا تكاد تلاحظ –  والأجيال الشابة تفرض نفسها. ولأن هذه الأصوات موجودة فعلا، مثل الأحداث التي جرت في إيران في العام 2009 وثورات “الربيع العربي” المتعددة في العام 2011 والمظاهرات في تركيا التي جرت في العام 2013.

 

الشباب والنساء والمثقفون والفنانون، وكل أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية والسلام هم من يستحق منها الاهتمام والدعم. لأنهم مستقبل هذه المنطقة. المستقبل الذي غالبا ما سترافقه صور العنف.

 

أوليفييه فليميون: مؤرخ فرنسي

 

 

(371)

الأقسام: الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,,,,,,,,,,,,,,