ترجمة: محمود السامعي: المراسل نت:
ستيفنإيكوك| موقع سالون الأمريكي:
في أواخر يناير هذا العام، احتفل الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز ال سعود مع ابنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع بالذكرى الخمسين لافتتاح أكاديمية الملك فيصل الجوية. وفي المناسبة، ووفقا لتقارير، اضاف السعوديون إلى اسطول طيرانهم الحربي عددا من طراز جديد من إف 15-إس إي إس.
والنوع الجديد من الطائرات هو تشكيلة من تصنيع البوينج مقاتلات إف- 15 وهي جزء من صفقة سلاح قيمتها 29.4 مليار دولار وقعت اواخر عام 2011 وتتضمن 84 طائرة جديدة و 68 أخرى من طراز إف-15 إس تحت التطوير.
ورغم أنها كانت صفقة كبيرة إلا أن السعوديين لم يكتفوا. حيث قدمت الرياض عام 2014طلبات أسلحة أمريكية تصل قيمتها قرابة 30 مليار دولار طُلبت معظمها عقب التدخل السعودي في اليمن مطلع اغسطس عام 2015. وأنفق السعوديون أيضا 22 مليار في شراء اسلحة من المملكة المتحدة وفرنسا.
وتجعل هذه الأرقام الضخمة بيت ال سعود ثاني اكبرمستورد للأسلحة في العالم بعد الهند.
هل يتوجب على الولايات المتحدة إبقاء تحالفها مع السعودية؟
وفي وقت قريب، اجرت الاستخبارات الأمريكية جدلا عن أن العلاقات الأمريكية- السعودية تجاوزت منفعتها. وفي نهاية النقاش الذي اجري بين فريقين من الخبراء، اقتنع 56% من الحاضرين على إبقاء السعودية كحليف استراتيجي.
وبناء على صفقات الأسلحة لوحدها، فإن السعودية بدون شك شريك استراتيجي في التصنيع الدفاعي الأمريكي وبرنامج توظيفي فعال في هذا التصنيع. وربما أن أفضل سؤال في الجلسة كان ” هل السعودية حليف منافس؟”
وقبل أعوام قليلة، بدأ السعوديون إعادة صياغة نهج دفاعهم استجابة لما وصف أنه مخاوف مسئولون سعوديون في التزام امريكي متناقص تجاه الأمن السعودي. حيث عبر السعوديون منذ وقت طويل عن مخاوفهم للأمريكان عن ارتباط واشنطن بطهران ويعود هذا الارتباط إلى عهد الرئيس بوش الثاني في أن الولايات المتحدة قد تسعى إلى استبدال السعودية بإيران على أنها المقرب الرئيسي لها في الخليج الفارسي.
وعزز موقف الرئيس السابق أوباما في عدم دعم الرئيس حسني مبارك في انتفاضة 2011 ضده وعدم التدخل المباشر في الصراع السوري والذي اعتبر أنه خطر على الأمن السعودي، كل هذا عزز اعتقاد داخلي في الرياض في أن واشنطن ليست جادة فحسب بل قد مالت لصالح إيران.
وفهمت الصفقة النووية الامريكية – الإيرانية للسعوديين وحلفائهم في الخليج على أنها استنتاج منطقي لتأييد السياسة الإيرانية التي نهجها أوباما منذ أن تولى السلطة.
واستنتجت القيادة السعودية أن الولايات المتحدة لم تكن تريد احتواء أو تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة وأن على السعوديين أن يقوموا بهذا بأنفسهم.
وكان هذا تغييرا دراماتيكيا للسعوديين. حيث اعتقد السعوديون لأعوام انه بمقدورهم الاعتماد على الالتزام الأمريكي الذي أبرمته الولايات المتحدة في ضمان أمن السعودية ويعود هذا الالتزام إلى عهد الرئيس فرانكلين روزيفلت.
وكانت تلك الضمانات بالطبع لها صلة مباشرة بالنفط الذي يجلس عليه السعوديون وعلى المصالح الأمريكية في الاستفادة من الوضع الرأسمالي الغربي.
وساهم السعوديون أيضا في تعزيز أمنهم لكن ليس عبر القوة العسكرية، رغم أنهم ظلوا من شراة الأسلحة الأمريكية لوقت طويل.
وعوضا عن ذلك اعتمدوا على سياسة الريال التي استخدموا من خلالها فوائد عائدات النفط في الحفاظ على خصوم من جهة وضمان أمنهم واستقرارهم من جهة أخرى.
لكن هذا لا يجدي دائما، حيث كانت العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية حساسة للغاية بالنسبة للقيادة السعودية.
وكان أفضل مثال لهذه السياسة هي تلك التي ساعد من خلالها البيت السعودي في تمويل الجهد الحربي للرجل العراقي القوي صدام حسين ضد إيران في الثمانينات.
ومن المؤكد أن تلك السياسة أضعفت الإيرانيين لكن بعد ذلك وعندما احتل صدام الكويت عام 1990 وهدد السعودية، برز الدور الأمريكي في إنقاذ السعودية.
وبالاعتماد على تكديس السلاح وإعادة صياغة السياسة كانت هي طريقة السعوديين في تعزيز توجههم والقيادة الإقليمية والأهم من هذا كله تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة.
برزت هذه السياسة ذكية. وفي عام 2011 نشر السعوديون والإماراتيون 1500 جندي في البحرين للتضامن مع الأسرة الحاكمة التي كانت تواجه انتفاضة وكاستعراض للقوة أمام الإيرانيين الذين يعتقد السعوديون أن لهم يد في الشغب في البحرين.
وكان زحف السعوديون لجارتهم البحرين من منظورهم ناجح. حيث لم يسقط ملك البحرين حمد بن عيسى بن خليفة ولم تخضع الدولة للنفوذ الإيراني. وكانت أيضا هي المرة الأخيرة التي حقق فيها السعوديون أهدافهم السياسية الخارجية. ولايزال السعوديون والإيرانيون يتنافسون من أجل لبنان لسنوات رغم أن طهران وعميلها حزب الله يظلون دائما أقوى من حلفاء الرياض. ومع ذلك انجر الإيرانيون بشكل أكثر عمقا في الصراع السوري وحقق السعوديون دفعة كبيرة في انتهاز المبادرة في لبنان.
وفي ديسمبر 2013، أعلن السعوديون أنهم كانوا يستثمرون ثلاثة مليارات من أجل إعادة تسليح الجيش اللبناني في جهود واضحة من أجل تحويل الجيش اللبناني إلى قوة مواجهة لحزب الله. لكن لم تجدي تلك الجهود. وفي أوائل 2016 ألغى السعوديون التزاماتهم بسبب فشل لبنان في انتقاد الهجمات على السفارة السعودية في طهران- وهي توظيف حقيقة أن نفوذ القوى السياسية اللبنانية الموالية للسعودية قد انكمشت رغم جهود الرياض الكبيرة.
وفي سوريا، لم يكن للسعوديين صدى كما هو للترك أو كما هو للقطريين في مواجهة تحالف الأسد لكن مع ذلك لعبوا دورا دقيقا في محاولة اسقاط النظام السوري. وفي بداية 2012عام أشارت تقارير أن الأمير بندر بن سلطان أشرف على جهود تقديم أموال وأسلحة للثوار السوريين عبر كرواتيا والأردن. لم يتضح متى انتهى ذلك البرنامج- حيث لم يكن الاردنيون سعداء بذلك- أو من كان المستفيد من هذه العملية الكبيرة مع افتراض نشوء مجموعات مقاتلة في سورية بشكل مستمر. ورغم طموحاتهم في قيادة المنطقة ضد السياسات الطامعة للإيرانيين لم يستطع السعوديون تشكيل الأحداث لصالحهم. وفي الوقت الحالي يبدو أن الأسد سيبقى معلقا في سوريا وهو الأمر الذي يعد انتصارا كبيرا لطهران.
ثم أن هناك اليمن. تدخل السعوديون في اليمن في مارس عام 2015 بعد أن طردت القبائل الموالية للحوثيين حكومة الرئيس من العاصمة صنعاء. رأى السعوديون أن الصراع أصبح جوارهم كما يرون كل شيء اخر في المنطقة- ضمن صراعهم مع الإيرانيين. وبعزمه على عدم السماح لحزب الله اخر في اليمن ومد النفوذ الإيراني في حديقتهم الخلفية، دخل الجيش السعودي وبشكل رئيسي عبر قواتهم الجوية وطائرات إف 15 إس في القتال.
وخصص السعوديون ما يقدر بـ 200 مليار دولار غير معلنة كنفقات لهذه الحرب ولم يظهروا حجم جهودهم. ومن المؤكد أن تدخلهم في اليمن قد صعد من التطورات التي كانوا يخشونها كثيرا. حيث اقترب الحوثيون بشكل أكبر من الإيرانيين لتتعمق الورطة ومن الممكن أن يقلص الصراع أمن المملكة العربية السعودية.
التدخل السعودي في اليمن لا يجب أن يدهش أحد. حيث يمتد صراعهم مع الحوثيين منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقبل العمليات العسكرية عام 2015 زج السعوديون قوات برية في الصراع ضد الحوثيين عام 2009. ورغم أن الصراع كان سريعا كان على السعوديين أن يتغلبوا على تراجعهم وقرروا عوضا عن ذلك أن يشتروا ولاء الخصوم. ويشاطر شركاء الرياض الحاليين في جهود اليمن- خصوصا الإماراتيين- مخاوف السعودية من توسع النفوذ الإيراني في الجانب الغربي من الخليج العربي. لكنهم أيضا في اليمن بسبب مخاوف من أن السعوديين قد يخسروا في الحرب بدون مساعدتهم.
(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)
ومن المهم التركيز على التكلفة البشرية في هذه البلية في اليمن. ويظل السعوديون يقصفون أفقر بلد في المنطقة لما يقرب العامين. ولم يكن يفترض ان تكون الحملة الجوية بهذا الشكل- لكن من المؤكد أنها تبدو على هذه الطريقة وهذا هو سبب قرار إدارة أوباما في سبتمبر 2016 في عدم الدفع قدما ببيع مقذوفات جوية وقنابل ذكية للسعوديين. وكانت إدارة أوباما قد أوقفت بيع قنابل عنقودية للسعوديين بسبب مخاوف من ازدياد الخسائر البشرية لكن الكونجرس أعاد الصفقة. والتزم السعوديون بـ 10 مليارات دولار من أجل إعادة الاعمار في اليمن لكن يضل المبلغ صغيرا مقارنة بحجم الخسائر البشرية التي تتحمل الرياض مسئوليتها- وهو الوضع الذي فقد في التغطيات الاعلامية للحرب في سوريا وعن نضال السوريين من أجل البقاء.
وتعد التجربة السعودية في أكبر حرب عدوانية في المنطقة فاشلة. حيث أن القوات المسلحة للأسرة الملكية السعودية غير مؤهلة بما فيه الكفاية للقيام بعمليات عسكرية معقدة. وهذا هو الذي يستدعي أن يقابل الاعلان السعودي الأخير في أن السعودية تنوي نشر قوات جوية في سوريا. ورغم أن هذا يظل إيماءة وفرصة ممكن لوضع راية إلا أنه من غير المرجح ألا يحصلون على شيء جيد منه.
ولم تحقق السعودية كثيرا عندما أرادت تشكيل المناخ السياسي في المنطقة من بيروت إلى القاهرة وإلى الدوحة بل صادفت مقاومة واحباط في كل محاولة. وهذا يعني أن الناس الذين استضيفوا في جدل الاستخبارات كانوا محقون لكن لأسباب خاطئة. فالقضية ليست أن تتخلى الولايات المتحدة عن السعودية لأنها منتج كبير للنفط وشريك في الحرب على الإرهاب او بسبب أن العلاقات الثنائية قد أفادت واشنطن. بل القضية الكبرى هي أنه إذا تركت السعودية لسياساتها الخاصة فإنها ستحدث المزيد من الشغب في الشرق الأوسط وهذا الشيء الذي لا يريده أحد.
الكاتب عضو في مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية وله كتاب جديد بعنوان ” البداية الخاطئة: الاحتجاجات والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط” سينشر في مطابع جامعة أكسفوردفييونيو.
(480)