صادق القاضي يكتب: الرويشان .. ورياض السامعي: من فقأ عيون “البردّوني”.؟!

د. صادق القاضي

النص جسد، نزع عضوٍ منه جناية، وإدخال عضوٍ فيه فاحشة، فيما الأخطاء الإملائية والمطبعية والتصرف والتحريف.. بمثابة نثر حبوب الجدري على ملامحه الشعرية، وفقئ عينيه، وتركه يمشي كفيفاً في الطرق التداولية.

هذا في الواقع ما حدث لديوان الشاعر “عبد الله البردّوني” “الأعمال الشعرية الكاملة”(١ – ١٢)، إصدار “الهيئة العامة للكتاب” صنعاء (٢٠٠٤م)، حيث كل الأخطاء والخطايا الطباعية، وبمختلف أشكالها، حُشرت فيه، بكثافة عالية، وبروز جارح، وظلت طوال ثلاثة عشر عاما، محل ملاحظة واستنكار الهواة والنقاد والمعجبين.!

تكمن خطورة هذه الجنايات والفواحش الطباعية في كونها تتعلق وتؤثر بشكل سلبي على جوانب المعنى والصورة والإيقاع الشعري.. وهي على هذه الجوانب وسواها تسيء لشعرية البردوني، بشكل بالغ، ترتفع نسبة فداحته على صعيد التلقي، بانخفاض نسبة معرفة القارئ بشعر البردوني. أولئك الذين لم يقرأوا الإصدارات السابقة للشاعر، وبالذات الأجانب، سيصطدمون بالتأكيد بحجم هذه الاختلالات اللغوية والفنية في هذه الطبعة الفخمة لديوان شاعرٍ تزعم مقدمة ديوانه أنه من أكبر شعراء اليمن في كل العصور.!

في تجربتي الشخصية، كتبت عن المشكلة في رسالتي للدكتوراه، كما اضطررت مرارا، لتوضيح خلفية المشكلة لبعض النقاد والأساتذة الكبار، في كلية الآداب جامعة القاهرة.. لقد تبلورت لديهم انطباعات سيئة تجاه البردوني، حتى أن بعضهم شككّ بشاعرية، لأنه، كما يتجلى في هذه الطبعة، يخطئ كثيرا في اللغة، ولا يجيد حتى إقامة الوزن!.

القضية بمثابة “مذبحة شعرية ارتكبتها الثقافة في حق الراحل العظيم” حسب تعبير الشاعر البديع “رياض السامعي” الذي بادر مؤخرا بإعادة بعض الاعتبار للبردوني.. وبروح عاشق ومنهجية محقق، يقوم، نيابة عنا جميعا، بإصلاح ما أفسدته طبعة وزارة الثقافة من نتاج البردوني الشعري.

يقول: ( رصدتُ حتى الآن، وفي المجلد الأول فقط، أكثر من 300 خطأ لغوي، وعشرات الأخطاء الإملائية، وحذف بعض الأبيات الشعرية من بعض القصائد، إضافة إلى حذف بعض كلمات من الأبيات الشعرية، وتحوير بعض الكلمات لتعطي دلالات أخرى)!.

تقع مسئولية هذه الكارثة الشعرية أطراف عديدة في وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب، واللجنة القائمة على الطباعة والمراجعة والمقابلة.. وقد ترتب عنها كوارث تبعية، في الموقع الالكتروني الذي يحمل اسم الشاعر، وفي النسخ المتوفرة من شعر البردوني في مواقع الانترنت.!

بعبارة أخرى، المسئولية لا تقع حصريا على عاتق وزير الثقافة الأسبق الأستاذ “خالد الرويشان”، والذي صدرت الطبعة في عهده، ومع ذلك فقد شعر الرويشان أنه المعنى بها، والمسئول الأول والأخير عنها، وبادر بحصر المسئولية في نفسه نيابة عن الآخرين.

هذا شيء إيجابي، إن لم يقم الوزير بإنكار أن هناك مشكلة حصلت بالأصل، مؤكدا أنه وجماعته يقرأون (المجموعة كل يوم، ولم يقل أحد ما يقوله “رياض”).

ما قاله رياض السامعي، هو بالمناسبة، ما قاله آلاف المعجبين والقراء من قبل، وفي الواقع وضع الرويشان احتمالا لوجود بعض الأخطاء الإملائية والمطبعية، لكنه أنكر وجود حالات حذف وتصرف بأبيات وكلمات، وعندما فاجأه السامعي بصورة لحالة حذف بيت شعري في طبعته خلاف الديوان الأصلي، تنصل بطريقة مضحكة، ليقول:(المفترض أن الكلام يكون على أبيات ذات مغزى من حذفها).!

لا أدري من أقنع سعادته، وهو المثقف العريق أن حذف الأبيات العادية.. لا يخل بالأمانة العلمية، أو أنه يُشترط أن تكون الأبيات الشعرية خطيرة سياسيا أو دينيا أو ثقافيا، حتى يكون حذفها أو التصرف بها جريمة أدبية.. في حين أن الحذف جريمة أخلاقية مهنية،  حتى في العتبات والعناوين والأبيات العادية.!.

وراء الأكمة ما وراءها، ومن بين عدة احتمالات، فإن الاحتمال الأسوأ أن الرويشان يقرأ المجموعة، كل يوم، كما يقول، وهذا يعني:

–  إما أنه لم يلاحظ ما يمكن للقراء العاديين ملاحظته، وهذا مستبعد.

– أو أنه لاحظ كل تلك الشناعات، لكنه يكذب، وبالتالي متواطئ في صناعتها، وهذا مستبعد أيضاً.

بيد أن الاحتمال الأكثر وجاهة، هو أن الوزير لم يطلع على هذه المجموعة، ولو مرة واحدة، منذ وجه بطباعتها قبل سنوات طويلة، وإنكاره اليوم للأخطاء الواردة فيها هو مجرد نوع من ارتباك المتفاجئ بما ليس في الحسبان.

هذه هو التصور الأقرب، كان الرجل ا مشغولا بالتزامات “صنعاء عاصمة للثقافة، فكلف لجنة سماها (نخبة منهم فؤاد المحنبي ومحمد جميح والحارث ابن الفضل الشميري ومحمد مسيّر مباركي)، للإشراف على طباعة مجموعة البردوني، وبدورهم قاول هؤلاء طباعا، استلموا منه المسودة، ودفعوها مباشرة إلى المطبعة، دون بذل أدنى جهد في المراجعة والتصحيح.

بهذا التصور، هي مشكلة إهمال وتقصير، على الأرجح، لكن ورغم كل شيء يظل من المفاجئ، بعد كل هذه السنوات، أن يتفاجأ بها وزير الثقافة نفسه بالمشكلة، فهو:

– إما أنه لا يعرف المشكلة حقاً، وهذه مصيبة، كمسئول لا يعرف ما يفعل العاملون لديه،  وقد تواطأت عليه اللجنة ” النخبة” في مخصصات ديوان البردوني.

– أو أنه يعرف المشكلة، وهذه مصيبة أعظم، خاصة، وأن ظهور الطبعة بذلك الشكل الكارثي يعطي انطباعا أوليا بأن هناك سبق إصرار وترصد لتشويه شعرية البردوني، والإساءة للمعاصرة الشعرية اليمنية كلها ممثلة بالبردوني، رمزها الفني الكبير..

(307)

الأقسام: آراء,الاخبار

Tags: ,