نيويورك تايمز تنشر تحقيقاً صحفياً خطيراً يكشف جواسيس المخابرات الأمريكية في اليمن (ترجمة)

ترجمة: أحمد عبدالرحمن قحطان| المراسل نت:

نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية تحقيقاً مشتركاً للصحفيين الأمريكيين الشهيرين أدم قولدمان، الحاصل على جائزة لتغطيته برنامج التجسس التابع لإدارة شرطة نيويورك والذي يراقب الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية والصحفي “إيريك شميت” وهو كاتب كبير يغطي قضايا الإرهاب والأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز، ونُشر التحقيق في الصحيفة تحت عنوان “منسق المساعدات في اليمن كانت لديه وظيفة سرية هي الإشراف على الشحنات الخاصة بوحدات الكوماندوز الأمريكي”

 

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية:                                                  

الأمريكي الذي أختطف قبل عامين في اليمن أثناء مساعدته في تنسيق إدخال المساعدات المقدمة من منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والصليب الاحمر كان له دور أخر وسري للغاية، حيث كان يقوم بنقل مواد لصالح جنود من الكوماندوز الأمريكي بناءً على عقد سري مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، الا أن هذا العقد مع قوات العمليات الخاصة لم يتم الإعلان عنه أو إطلاع الرأي العام به.

الرهينة السابق “سكوت داردن” كان يعمل كمدير قُطر اليمن لصالح “شركة ترانزوشيانيك ديفلوبمنت” للتنمية والتطوير، وهي شركة لوجستيات يقع مقرها في الولايات المتحدة وتحديداً في “نيو أورليانز” وهي شركة متخصصة في نقل البضائع إلى المناطق الساخنة الأكثر خطورة في العالم.

هذه الشركة – أي ” ترانزوشيانيك ديفلوبمنت” – تنتمي إلى مجموعة صغيرة من الشركات التي تقدم المعونة الإنسانية إلى النساء والأطفال الذين يعانون من المجاعة في نفس الوقت الذي تساعد فيه مثل هذه الشركات على إنشاء بيوت آمنة وتوفير مقرات وشبكات لوحدات الكوماندوز السرية.

العمل الذي يقوم به السيد “داردن” يقدم نظرة نادرة في العالم الغامض وعالم ما وراء الظل لصالح المقاولين العسكريين الذين يعملون في مناطق الحرب بلا قانون مثل اليمن والصومال وليبيا.

ولكن مثل تلك الاتفاقيات والترتيبات التي تعقدها شركة “ترانزوشيانيك” مع قوات العمليات الخاصة يمكن أن تنشر الشكوك وتثير الريبة ضد العاملين في مجال الإغاثة، مما قد يعرضهم للخطر، كما يمكن أن يعرض ذلك جميع الجهود الإنسانية في البلدان التي تعتمد على منظمات الإغاثة للخطر.

“جيرالد ام. فيرستاين”، والذي كان يشغل منصب السفير الأمريكي السابق لدى اليمن والذي كان في عام 2015 الدبلوماسي الثاني في وزارة الخارجية فيما يخص سياسة الشرق الأوسط قال (خلاصة القول هو أنه ليس هناك الكثير من الشركات الراغبة والقادرة على تقديم مثل هذا النوع من الخدمات الضرورية في مكان مثل اليمن)، ولكن من قال أن السيد “فيرستاين” لم يكن على علم بعلاقة السيد “داردن” مع الجيش الأمريكي، حيث قال مضيفاً (ليس الأمر كما لو أن هناك أشخاصاً يطرقون الباب للحصول على مثل هذا النوع من العقود والاتفاقيات).

ستة مسؤولين سابقين وحاليين في الولايات المتحدة أكدوا وجود عقد سري بين الجيش الأمريكي وشركة “ترانزوشيانيك”، واصفين فقط معالمه الخارجية بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن تفاصيل هذا العقد سرية جداً.

المتحدثون باسم البنتاغون والعمليات الخاصة والعمليات المركزية التابعة للجيش، وكذلك شركة ” ترانزوشيانيك”، جميعهم رفضوا الرد على عدد من أسئلة حول هذا الموضوع.

كما رفض البنتاجون الكشف عن تفاصيل الفحص الذي يخضع له المقاولون قبل ان يسمح لهم بالعمل مع قوات العمليات الخاصة خارج حدود البلاد، كما رفض السيد “داردن” الإجابة على الأسئلة التي تدور حول مشكلته أو علاقته بالجيش الأمريكي.

هذه السرية الكبيرة دفعت بعض المشرعين إلى المطالبة بمزيد من التدقيق في عدد من الوحدات العسكرية التابعة للجيش الأمريكي.

 

النائب “سيث مولتون” وهو أحد أبرز الديموقراطيين في ولاية ماساتشوستس وعضو في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي والذي كان ضابطاً سابقا في شؤون البحرية الأمريكية وخدم اربع جولات في العراق قال معلقاً على هذا الموضوع “لا توجد رقابة كافية، وبدون شك من الكونغرس”.

ليس بالشيئ الجديد أن تعتمد وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون أو وكالات التجسس الأمريكية على أميركيين من أمثال السيد “داردن” – وهو مواطن أمريكي يبلغ من العمر 47 عاماً، و”داردن” من مواليد فلوريدا وهو أحد الذين حولوا ديانتهم الى الإسلام ويتحدث اللغة العربية بطلاقة – لنقل الإمدادات والمال الى جميع أنحاء العالم.

وبصفته رئيس عمليات شركة “ترانزوشيانيك” في اليمن، أشرف السيد “داردن” على العشرات من الموظفين والمكاتب في صنعاء العاصمة وكذلك في مدينتي عدن والحديدة الساحليتان، واللتان تحتضنان أهم الموانئ في البلاد.

 

بحلول أواخر العام 2014، اجتاحت الفوضى البلاد، وكان المتمردون الحوثيون المتحالفون مع وحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح قد استولوا على العاصمة ودفعوا الحكومة خارج البلاد.

ومع تفاقم الوضع في اليمن واتجاه البلاد نحو الحرب الأهلية، أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في فبراير / شباط 2015 وأجلت جميع رعاياها وموظفيها من صنعاء بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، مما أعاق جهود الحكومة الأمريكية لإجراء عمليات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في البلاد.

ومع تزايد خطورة الوضع في اليمن وخصوصاً على الأجانب، رتب السيد “داردن”، الذي قسم وقته ما بين اليمن ودبي، حيث عاشت زوجته وابنه الصغير، الشهر المقبل في ذلك الوقت للسفر إلى صنعاء، وكان قد بدأ العمل لصالح شكة أجل “ترانزوشيانيك” في نوفمبر 2014، أي قبل بضعة أشهر فقط.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

 

مسؤولو العمليات الخاصة حذروا السيد “داردن” من مغبة الذهاب إلى اليمن، كما فعلوا نفس الأمر مع “سام فاران”، وهو خبير أمني يعمل في شركة “ترانزوشيانيك” وفرد سابق في المارينز وكان يعمل في سفارة الولايات المتحدة في اليمن، اما زوجته، “ديانا لويش”، قالت إنها لم تفهم لماذا كان على زوجها أن يهرع مسرعاً مرة أخرى الى اليمن، الا أن “داردن” قال إن شركته كانت بحاجة إليه هناك.

ولكن بعد أيام من وصوله، أتصل “داردن” مذعوراً ب “فاران”، الذي كان قد نقله إلى منزل آمن مدسوس بعيداً في بقعة مكتظة داخل المدينة.

وقال السيد فاران في مقابلة: “لقد كان خائفاً”، فخلافا للعديدين ممن سبقوه في مجال عمله، لم يكن لدى السيد” داردن” أي خبرة عسكرية أو خبرة في مجال تطبيق القانون.

وبعد ساعات، اقتحم مقاتلون من الحوثيين الفيلا واحتجزوا السيد “داردن” والسيد “فاران” للاشتباه في أنهم جواسيس.

 

وقد كانوا من بين حفنة من الأميركيين الذين احتجزهم المتمردون مع انهيار اليمن في عام 2015، والذي كان أحدهم، “جون هامن”، أحد قدامى المحاربين في فيرجينيا،.

وبعد تسرب الخبر في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك في سبتمبر 2015 بأن السيد “داردن” كان محتجزا في اليمن، أصدر متحدث باسم شركة “ترانزوشيانيك” بياناً يقول فيه (أن “داردن” كان في اليمن يقوم بتنسيق تخزين وتسليم المساعدات الإنسانية كجزء من وظيفته في الخدمات اللوجستية الدولية) ولم يذكر أي شيء عن عمله السري مع الجيش.

وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، بعد أن كان الرجال في الأسر لما يقارب الستة أشهر، طرق أحد حراس السجن على زنزانة السيد “فاران، وطلب منه إعطائه حجم قميصه ومقاس حذاء قدمه، وبعدها أخرجه من زنزانته وأجبره على الجلوس في الردهة، حيث انضم إليه السيد “داردن”.

وقال السيد فاران إنه تم فصلهم وأنهم رأوا بعضهم البعض مرة واحدة فقط أثناء سجنهم.

قام الحراس بعدها بحلق لحى الرجلين وقدموا لهم الملابس، وأشار السيد فاران إلى أن الحراس بدأوا بتصوير السيد “داردن”، لكنه لا يعرف ما قاله لهم.

بعد ذلك غادروا السجن وتوجهوا الى مطار صنعاء حيث صعدوا على متن طائرة من طراز بوينغ 737 كانت قد ارسلها سلطان عمان الذي عمل جاهداً للتوسط للإفراج عن الاميركيين.

وفي رحلة إلى عمان، اعترف السيد داردن لصديقه بأنه أسف لما قاله للحوثيين.

الا أن السيد “فاران” حاول أن يريحه بتذكيره بأنه قد تعرض للإكراه، ولكن “فاران” قال إن “داردن” لم يخبره أبداً عن علاقته مع الجيش الأمريكي أو لماذا هرع إلى اليمن.

وفي الوقت الذي تم فيه القبض على السيد “داردن”، كان نحو 125 مستشارا من العمليات الخاصة الأمريكية يعملون بشكل وثيق مع الجيش اليمني وقوات مكافحة الإرهاب، وقد اعتمد هؤلاء المستشارون وغيرهم من العاملين السريين على شركات مثل ” ترانزوشيانيك” لتأمين جزء كبير من الدعم اللوجستي.

وتقول الشركة إنها تقدم “شحنات حيوية الى جميع أنحاء العالم في الوقت المحدد ومناسبة لعمليات الإغاثة الإنسانية والدفاع وبعثات حفظ السلام ومشاريع إعادة الإعمار”.

ووفقا ل “ترانزوشيانيك” ، فإن “العديد من منظمات الإغاثة والمنظمات الرائدة في العالم اضافة الى عدد من الحكومات تعتمد عليها”.

السيد “داردن” كان قد أبرم عقوداً مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفقاً لملفه الشخصي في موقع “لينكيدين” وشخصيات مطلعة على عمله في اليمن.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

 

“آنا ك. نيلسون”، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر قالت إنها لم تكن على دراية بعلاقة السيد “داردن” بالجيش الأمريكي، وكان لشركة “ترانزوشيانيك” عقد لمدة ستة أشهر مع الصليب الأحمر بدأ في يونيو 2014، وفقا للسيدة “نيلسون”.

وقالت “ان دور الشركة كان مرتبطا بشكل صارم بتجهيز وتنسيق المعاملات الورقية المعتادة”، كما ساعدت “ترانزوشيانيك” الصليب الأحمر بشكل كبير فيما يخص الجمارك، فقد كانت تعمل بمثابة وسيط بين منظمات الإغاثة والوزارات الحكومية اليمنية.

وقالت نجوى مكي، المتحدثة باسم منظمة “اليونيسف”، إن المنظمة تعاقدت مع “ترانزوشيانيك ” حتى سبتمبر 2016 “لتوفير خدمات التخزين في اليمن”، لكنها لم تكن على علم بأن الشركة تساعد أيضا في تزويد الجيش والأفراد التابعين له بالمواد والمعلومات.

وقالت السيدة مكي في بيان “لن نبرم أي عقود من شأنها أن تخلق مخاطر لعمليات اليونيسف أو موظفينا في أي مكان”.

إن استخدام غطاء المساعدات الإنسانية محفوف بالمخاطر الخطيرة، ويمكن أن تكون العواقب مميتة.

ففي عام 2011، كشفت وسائل الإعلام أن وكالة الاستخبارات المركزية قد استعانت بطبيب باكستاني للقيام بحملة تطعيم للحصول على الحمض النووي لأسامة بن لادن، وبعد ذلك، تمت مهاجمة العاملين الصحيين في معظم أنحاء باكستان، وكالة المخابرات المركزية السي آي أيه قالت إنها لن تستخدم برامج اللقاح كغطاء مرة أخرى.

 

 

 

(910)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات,عاجل