صحيفة “لكسبرس” الفرنسية: قطر في المنفى… أسباب وخفايا الأزمة الخليجية!

ترجمة: محمد السياري| المراسل نت:

متهمة بدعمها ومساندتها للإرهاب، وجدت قطر نفسها في المنفى بعيداً عن حاضنة المملكة العربية السعودية وحلفائها؛ وبالرغم من كونه مبرراً واضحاً وصريح، إلا أنَ ثمة دوافعً وأسباب أخرى عالقة في ثناياه..

بول فيرونيك| صحيفة “لكسبرس” الفرنسية:

في صباحية يوم الاثنين 5 يونيو الجاري، أعلنت كلاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين قطع العلاقات التي تربطها بدولة قطر. ولنكون أدق في التعبير فقد بلغت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين نهاية المطاف، وأغلقت الحدود بصورة تدريجية وقلصت حركة التنقل بينهما إلى حد كبير. أما الغاية المرجوة من تلك الإجراءات فتمثلت في “عزل الدوحة سياسياً في الخليج الفارسي”.

 

من الناحية الرسمية، عمدت الرياض وحلفائها إلى توجيه اتهامات صريحة لقطر بدعمها ومساندتها الجماعات الارهابية وزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة؛ وبعبارة أكثر تحديداً فقد عملت على تأكيد وجود علاقات مشبوهة تربطها بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش – وجماعة الإخوان المسلمين التي تم تصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية في مصر ودول الخليج. ولكن في حقيقة الأمر تبقى تلك الاتهامات تخفي في طياتها العديد من الخلافات والتباينات التي تعكر صفو العلاقات بين دول المنطقة.

 

لماذا خصَت قطر بتلك الاتهامات؟

 

تعتبر قطر واحدة من أهم الجهات الرئيسة الممولة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر كتنظيم إسلامي دولي، بيد أنَ باقي دول الخليج ترى أنها تمثل إحدى التنظيمات الإرهابية. وفي ظل الفترة التي قامت فيها ثورات الربيع العربي، كانت قطر الطرف الذي قدم الدعم والتمويل اللازمين لجماعة الإخوان المسلمين، ولاسيما في مصر، في حين اتخذت المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج موقفاً مؤيداً ومسانداً للقوات العسكرية. أما من الناحية الأيديولوجية، فإنَ العقيدة التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين تتعارض بشدة مع تلك التي يدافع عنها الوهابيون داخل السعودية.

 

وفي تحليل حظيت به صحيفة “أكسبرس” من قبل مارك لافيرن، مدير البحوث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والخبير في شؤون الشرق الأوسط، قال: “كانت المملكة العربية السعودية تعتقد بأنَ الإخوان المسلمين يشكلون خطراً حقيقياً يهدد بتقويض سلطتها، الأمر الذي حدى بها إلى صياغة سياسة خاصة تـُعنى بخلط المفاهيم ووسم جماعة الإخوان بالحركة الإرهابية، في محاولة منها للحفاظ على أمنها ومصالحها؛ وكان هذا بالتحديد ما دفع بدولة قطر منذ ذلك الحين إلى تقديم الدعم والمساندة لجماعة الإخوان، بغية توسيع مساحة نفوذها وزيادة قوتها؛ وفي هذا الاتجاه كان تعاطيها مع جميع الوسائل والسبل المتاحة، بما في ذلك التحالف مع أعداء المملكة العربية السعودية ذاتها”. وأضاف في تعليقٍ آخر: “من الواضح للجميع أنَ هناك نوع من الانتهازية المفرطة في ظل تلك المنافسة القائمة بين المملكة العربية السعودية وقطر؛ ففي حين أنه من الوارد أن تلجأ قطر إلى توفير الدعم للجماعات الإرهابية، إلا أنَ المملكة العربية السعودية لم تقم حتى اللحظة بتقديم أي دليل يؤكد صحة هذه الاحتمالية”

 

ما أسباب حدوث الأزمة على هذا النحو المفاجئ؟

 

ليست هذه الفجوة سوى نتيجة حتمية للرغبة الملحة في جذب أنظار الولايات المتحدة الأميركية، ولاسيما عقب جولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط نهاية الشهر الماضي. وفي هذا الإطار أشار مارك لافيرن معلقاً: “يكمن الهدف الرئيس للمملكة العربية السعودية وحلفائها في إثبات الولاء للولايات المتحدة الأميركية كأفضل شريك في مسيرة الحرب ضد الإرهاب”؛ وأضاف: “إنّ مسألة زعزعة الأمن والاستقرار في دولة قطر، التي تنامى نفوذها في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط بشكلٍ ملحوظ، قد تؤخذ كمنطقية مقبولة للظهور بمظهر الحليف الوحيد الموثوق به في المنطقة. زد على ذلك أنّ التوقيع على اتفاقيات بقيمة تزيد على 380 مليار دولار، في أول يوم من زيارة ترامب للرياض في نهاية شهر الماضي، تذهب في الاتجاه ذاته مؤكدة ذلك المفهوم”.

 

وفي ختام حديثه قال لافيرن موضحاً: “تشعر المملكة العربية السعودية بقلق وتوجس شديدين، الأمر الذي يضعها في مسار السعي نحو حماية نفوذها ومكانتها في المنطقة بأي وسيلة كانت؛ ويُعد الحصول على دعم ومساندة الرئيس الأميركي كإحدى أهم وأقوى الأوراق الرابحة. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نستشف بوضوح نمطاً من أنماط المزاحمة للفوز بمودة وقبول الإدارة الأميركية”

 

ما هو دور إيران في هذه الفجوة؟

 

هناك جانب آخر من الخلاف القائم بين الطرفين يتناول العلاقات الجيدة التي تهتم قطر بالحفاظ عليها مع إيران. ومما لا شك فيه أنّ هناك سبب وجيه لذلك الاهتمام، حيث يتموضع حقل “نورث دوم” – أو ما يعرف بالفارسية بـ”ساوث بارس” وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم – في منتصف الطريق في مياه البلدين الإقليمية؛ وهذه المكاسب المالية هي الرباط الوثيق الذي يحول دون قطع الملكية السنية الصغيرة علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية الشيعية.

 

فضلاً عن كل ما سبق فقد أغتم الرئيس ترامب زيارته إلى الرياض في 20 مايو الماضي ملوحاً وبكل وضوح رغبته وعزمه القاطعين على وضع حد لسياسة الانفتاح التي كان أتخذها الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، إزاء جمهورية إيران الشيعية التي تمثل العدو التاريخي اللدود للمملكة العربية السعودية السنية. وبوصفه المنطقة التي تمتد من إيران إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بـ”محور الشر” شكل ترامب حملاً كبيراً وضغطاً مضاعفاً على طهران وحلفائها.

 

من المعلوم للجميع أنّ الإدارة الأميركية قد أعطت الرياض “شيك على بياض”؛ وفي ذلك قال فرانسوا هايسبورغ، الخبير الأمني والباحث الفرنسي ورئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “عقب التصريحات التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب في الرياض أصبح لدى السلطات السعودية تفويضاً مطلقاً بالتصرف على النحو الذي يرونه مناسباً تجاه دولة إيران”؛ ومن الوارد إلى حدٍ ما أن تحتل العلاقات القائمة بين قطر وإيران المرتبة الثانوية من اهتماماتها في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد؛ وفي هذا علق هايسبورغ ملخصاً في نهاية حديثه: “يوفر التهديد الذي يشكله النفوذ الإيراني على دول المنطقة غطاءاً استراتيجياً تعتمد عليه المملكة العربية السعودية وحلفائها في الضغط على دولة قطر ومحاصرتها على أمل أن تتمكن بذلك من تضييق مساحة ذلك النفوذ”.

(244)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات

Tags: ,,,,,,