موقع فرنسي: واشنطن وراء استمرار معاناة الشعب اليمني رغم معرفتها بفشل الحرب

ترجمة: شامية الحيدري| المراسل نت:

سبق وأن اودت الحرب على اليمن بحياة أكثر من 10 الف مدني، وبدلاً من إنهاء مثل هذه الحرب الطاحنة قرر القادة الأمريكيون المضي قدماً في تقديمهم الدعم لقوات التحالف كي تستمر في تدخلها العسكري في اليمن، حتى وإن خلف ذلك المزيد من الضحايا والدمار الهائل.

جيسي دو سورسيور|موقع “أجورا فوكس” الفرنسي:

فمنذ بدء الصراع في اليمن في مارس 2015، تسبب هذا التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية بمقتل أعداد لا حصر لها من الضحايا المدنيين جراء الغارات الجوية التي تنفذها قوات التحالف العربي والتي طالت العديد من البنى التحتية مدمرةً للمنازل، المدارس، المصانع، الأسواق والمستشفيات حتى أنها لم تستثني الجنازات ومراسم العزاء حيث صرح أحد كبار المسئولين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أنه “من الصعب جداً استيعاب استهداف مراسم العزاء”.

وقد ازدادت الأوضاع سوءاً خلال الأشهر الأخيرة جراء تفشي وباء الكوليرا الذي حصد مئات الأرواح، ناهيك عن صعوبة الحصول على الغذاء الذي بات مستحيلاً في العديد من المدن التي تشهد معارك محتدمة بين أطراف النزاع، إذ أوضح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أنه ” على إثر المعارك المحتدمة، هناك ملايين الناس على شفا المجاعة”.

أحدثت هذه الأوضاع بعض الخلافات في أوساط الولايات المتحدة الأمريكية لا سيما بسبب الدور الذي تلعبه واشنطن في الحرب ضد اليمن، إذ أن بعض المسئولين قاموا بمطالبة واشنطن بوقف تقديم دعمها لقوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والعمل على تنظيم مفاوضات سلام مع الطرف الآخر في الصراع اليمني وهم الحوثيين- يعود اسم الحوثي إلى قائدهم حسين بدر الدين الحوثي وإخوانه- الذين يعتبروا جماعة زيدية مسلحة تقاتل ضد آل سعود. بيد أن هناك زعماء سياسيين آخرين ممن يعملوا على تأييد الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن.

على الرغم من أن إدارة ترمب لم تتناول كثيراً هذه الحرب في تصريحاتها، إلا أن هناك سلسة من الإجراءات التي تشير جميعها إلى استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لهذا التحالف السعودي. وبالرغم من أن المسئولين في إدارة ترمب يدركوا تماماً الخطورة الهائلة التي سوف تخلفها مثل هذه المعارك على الشعب اليمني، إلا أنهم قاموا بإعادة تزويد قوات التحالف العربي بالمزيد من الأسلحة ومواصلة تقديم دعمهم لها من أجل استمرار الحملة العسكرية السعودية في اليمن.

برزت ملامح الخلافات التي تجري في واشنطن في الكونغرس الأمريكي، كان هذا في شهر مارس من العام الجاري، أثناء قيام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية بتنظيم جلسة نقاش قضية الحرب على اليمن. حيث جادلت دافنا راند- التي تولت منصب نائب مساعد وزير الخارجية بوزارة الخارجية حتى وقت سابق من هذا العام وهي حالياً في جامعة الدفاع الوطني- على أن هذه القضية لم تعد تتوافق مع استمرار الدعم للتحالف السعودي بغرض تنفيذ عمليات عسكرية للهجوم ضد الحوثيين:

وأضافت أن “مساعدة قوات التحالف في شن هجمات جديدة على المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين قد يتيح للرياض فرصة السيطرة على مدن جديدة ولكنه سيتسبب في سفك المزيد من الدماء كما أنه من غير المرجح أن مثل هذه العمليات قد تعمل على تغيير مطالب طرفي النزاع”. واقتناعاً منها بأن المزيد من المعارك ستؤدي حتماً إلى المزيد من المعاناة، دعت دافنا راند إلى تسوية الصراع عن طريق التفاوض حيث أوضحت أن “مطالب الحوثيين تقتصر على ضمانة إدراجهم ضمن المشاركة الرسمية في الحكومة، في حين أن حل هذا الصراع لا يكمن في استيلاء قوات التحالف العربي على المزيد من المدن او عدم ذلك”.

وعلى العكس من ذلك، يرى جيرالد فايرستاين السفير الأمريكي السابق في اليمن ومدير مركز الشئون الخليجية في معهد الشرق الأوسط أنه ينبغي على التحالف السعودي الاستمرار في الضغط العسكري على الحوثيين، وعلى الرغم من اتفاقه مع السيدة راند على أن الحل يكمن في تسوية الصراع عن طريق التفاوض، إلا أنه أصر على أن الرياض يجب أن تكون في موقف قوي من أجل البدء في المفاوضات،حيث أشار إلى أن ” النتيجة النهائية يجب أن تكون في إقامة المملكة العربية السعودية ل “حكومة صديقة” في اليمن.

وأخيراً أتفق الاثنان على أن الصراع في اليمن يسير في طريق مسدود وأن الشعب اليمني يواجه صعوبات هائلة بما في ذلك خطر المجاعة. ولكنهم لم يتطرقوا إلى الحديث عن عقد مفاوضات نهائية مع الحوثيين لإنهاء هذه الحرب.

من جانبها حافظت السيدة راند على اقتناعها التام بأنه آن الأوان لوقف شن العمليات العسكرية الهجومية ضد الحوثيين معتبرةً إياها دون جدوى وسوف تتسبب في خلق المزيد من المعاناة نحن في غنى عنها، وأوضحت: “نحن نطبق هذه الاستراتيجية منذ عامين بغرض الاستيلاء على الأراضي وتغيير الآلية السياسية على حساب العديد من الضحايا البشرية في صفوف المدنيين اليمنيين وخوفاً من خطر التشكيك بنا، لكنني لا أعتقد أن الخطر يستحق كل هذا العناء”.

وبشكل ملموس، تكمن أحد المعضلات الرئيسية التي يواجهها الاستراتيجيون الأمريكيون في ميناء الحديدة باعتباره ممر تجاري هام يقع ضمن الأراضي التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثي على ساحل البحر الأحمر. ذلك أن حوالي 70% من المواد الغذائية و90% من المساعدات الغذائية تعبر هذه المدينة مما يجعلها حلقة وصل حيوية بالنسبة لليمنيين كافة.

وبهذا الخصوص أيد فايرستاين خلال جلسة النقاش في الكونغرس فكرة أن التحالف السعودي ينبغي أن يقوم بتنفيذ هجوم لإطباق السيطرة على هذا الميناء، الأمر الذي خالفته السيدة راند معتبرةً أن أي محاولة للاستيلاء على هذه المدينة بالقوة ستكون بمثابة “خطأ فادح”. وأوضحت أن “المعارك بحد ذاتها ستشكل صعوبة في إيصال المساعدات الإنسانية الضرورية”. وأن “السعودية بفرضها حصار لمثل هذا الميناء لن تعاقب سوى الأشخاص الذي يقطنون هذه المناطق فمن خلال فرضها لهذا الحصار ستحول دون وصولهم للغذاء الأساسي”.

من الجدير الإشارة إلى قضية رئيسية أخرى تتعلق بـ”القنابل الذكية”- الذخائر الموجهة بدقة- التي تستخدمها الحكومة السعودية في اليمن، ففي ديسمبر من العام المنصرم، كانت إدارة أوباما قد أعلنت عن وضعها حدا مؤقت لصفقات الأسلحة المتوقع ابرامها مع الحكومة السعودية، لا سيما بعد أن لاحظت استهداف المملكة العربية السعودية لمواقع تم إدراجها ضمن لائحة “الأهداف الممنوع مهاجمتها”.

وفي وقت سابق من شهر يونيو المنصرم، قدم فايرستاين مقترحاً بإلغاء إدارة ترمب لقرار اوباما والبدء في تزويد الحكومة السعودية بالأسلحة حيث قال: ” اعتقد أن علينا المضي قدماً في بيع الأسلحة”.

وفي بيان مكتوب إلى لجنة الكونغرس، أثار توم مالينوفسكي اكبر مسئول امريكي عن حقوق الإنسانية بوزارة الخارجية الأمريكية في عهد اوباما بعض الحجج التي تتعارض مع هذه الصفقات حيث أشار إلى أن “المملكة العربية السعودية تقوم باستخدام الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة تتسبب في إلحاق الضرر الهائل والذي كان من الممكن تجنبه حيال المدنيين مما عمل على تفاقم الأزمة الإنسانية. ومن المعروف غالباً أن الأسلحة الدقيقة هي مفيدة لتجنب وقوع ضحايا من المدنيين على غرار ما هو حاصل في اليمن إذ أن الدقة لا تحمي المدنيين عندما يتم عمداً مهاجمة الأهداف الخاطئة”.

 

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

على الرغم من محاولات زيادة الوعي هذه، قامت إدارة ترمب باتخاذ موقف عدائي اكثر بخصوص النقاط المختلفة التي تم طرحها في النقاش:

أولاً، قررت إدارة ترمب تقديم الدعم لشن هجمات جديدة بهدف الاستيلاء على ميناء الحديدة، حيث قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي في الشهر المنصرم للجنة الكونغرس: “نحن نعمل مع دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للتوصل إلى اتفاق حول الطريقة التي سنتمكن من خلالها السيطرة على هذا الميناء” وأشار إلى أن بلاده تعتقد أنه يمكن “وضع الميناء تحت سيطرة جهة ثالثة”.

ثانياً، قررت إدارة ترمب تزويد الحكومة السعودية بالذخائر الموجهة بدقة، حيث كتب في صحيفة نيو يورك تايمز أن ” المسئولين في إدارة ترمب استغرقوا ساعات طويلة قبل التصويت لإجراء مكالمات هاتفية وجلسات إعلامية مع المنتخبين كي يسمح مجلس الشيوخ بهذه الصفقة”.

وعلى نطاق اوسع، قررت إدارة ترمب أيضاً المضي قدماً في دعمها الذي تقدمه لقوات التحالف كي تستمر في تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن على الرغم من درايتها الكاملة بخطر المجاعة الذي يتربص باليمنيين، فقد أوضح تيلرسون أنه ” ينبغي على الحوثيين معرفة أنهم لن يحظوا أبداً باليد العليا عسكرياً ولكنهم لن يفهموا ذلك إلا عند شعورهم بالتمكن العسكري، ولهذا السبب من المهم الاستمرار في الضغط عليهم”.

 

وأخيراً، إتخذت إدارة ترمب موقفاً صارماً إزاء العديد من الجوانب الرئيسة في حرب اليمن، فبدلاً من أن تحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وأن تؤمن شبكات توزيع المواد الغذائية والتصدي لخطر المجاعة عن طريق وقف دعمها للعمليات العسكرية السعودية، تسعى واشنطن إلى استمرار معاناة الشعب اليمني.

(423)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات,عاجل

Tags: ,,,