الفيلم التركي الجديد..صراع في إدلب

ريزان حدو

أسال الاقتتال الذي تشهده إدلب و مناطق في ريفي حلب و  حماه  الشمالي و الغربي بين هيئة تحرير الشام و حركة أحرار الشام حبرا” كثيرا” كما يقال ، في محاولة لفهم أسبابه و دوافعه وصولا” لاستقراء نتائجه ،

فمنهم من ذهب لتبسيط الأمر عازيا” سبب الاشتباكات لقيام حركة أحرار الشام الإسلامية برفع علم الثورة على معبر باب الهوى و تواجد العلم في اللقاءات و التصريحات الأخيرة لقائد حركة الأحرار أبو عمار العمر ،

و منهم من ذهب أبعد من ذلك بقولهم أن هذه الاشتباكات كانت منتظرة و متوقعة  بسبب خلاف في الأجندات و المشاريع بين أحرار الشام و هيئة تحرير الشام ، و لكن بعد ست سنوات من الحرب السورية أصبحت فرضية أن الداعمين يتحكمون بكل رصاصة تطلق من حيث الزمان و المكان هي نظرية مثبتة بالدليل و البرهان و لا يمكن دحضها ، و التسليم بصحة هذه النظرية المثبتة يدحض جل ما كتب و قيل لتفسير سبب الاشتباكات في إدلب

فالداعم لهيئة تحرير الشام و لحركة أحرار الشام واحد ( تركية و قطر )  و هذا أمر يدركه السوريون و العديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية و الدولية الفاعلة و المهتمة بالشأن السوري ، و يكفي أن نذكر بأن كل الاتفاقات و التفاهمات السياسية و العسكرية او تبادل الأسرى و المختطفين سوريين أو غير سوريين يكون أحد أطرافها أحرار الشام أو هيئة تحرير الشام ، كانت أنقرة و الدوحة الطرف الوسيط و الضامن لأحرار و تحرير الشام .

و إن كان تفسير اشتباكات الغوطة الدمشقية بين فيلق الرحمن و هيئة تحرير الشام من جهة ( الداعم لهما تركية و قطر ) و جيش الإسلام ( المدعوم سعوديا” ) من جهة أخرى امرا” بسيطا” لا يحتاج إلى جهد كثير لنسب هذه الاشتباكات إلى أنها تصفية حسابات و صراع أجندات بين الداعمين فإن الأمر قد يبدو معقدا” لفهم أسباب اشتباكات إدلب بين فصيلين يجمعهما داعم واحد و بالتالي أجندة واحدة و سبق أن خاضا معا” معارك تحت راية واحدة ( جيش الفتح ) ؟!

في محاولة لفهم ما يجري في إدلب دعونا نراجع بعض الأحداث التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية :

1- الانشقاقات المتبادلة بشكل كبير و بسرعة قياسية بين الطرفين و التي كانت أغلبها لصالح هيئة تحرير الشام تشير إلى أن الأمر كان مخطط له و من أبرز الفصائل و التجمعات و الشخصيات التي انشقت عن الأحرار و بايعت هيئة تحرير الشام  :

– أسود الإسلام و أسود بني أمية في ريف إدلب الشمالي .

– قاطع البادية بكافة ألويته وكتائبه .

– لواء الفتح العامل بمعرة النعمان وكفرنبل بقيادة الشيخ فضل العكل

– لواء أجناد الشام العامل بريف إدلب الشمالي

– فوج معر دبسة .

–  لواء أهل السنة .

– لواء الهجرة .

– فوج أحرار إدلب .

– كتيبة فجر الأسلام

– ورشة تصنيع قذائف الهاون في إدلب المدينة بقيادة أبو رائد الحجي .

– كتيبة خطاب .

– كتيبة أبي الدرداء الإسلامية

– كتيبة نصرة الإسلام .

– كتيبة درع الكرامة .

–  كتيبة أحرار مرعيان

– كتيبة أسود المعرة .

–  سرية أبو زيد تلمنس .

– كتائب ابن تيمية في بلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي .

ـ فوج حذيفة بن اليمان في قلعة سمعان وجبل الشيخ بركات الإستراتيجي ( أعلى قمةفي ريف حلب الغربي) .

2- انشقاق حركة نور الدين الزنكي عن هيئة تحرير الشام و العودة للعمل ككيان مستقل ، ذلك الانشقاق الذي مر بسلاسة و هدوء دون ضجيج أو ردات فعل من قبل قيادة هيئة تحرير الشام و كأنها تبارك هذه الخطوة مما يوحي بأن هذه الخطوة خطوة متفق عليها بين أبومحمد الجولاني القائد العسكري للهيئة و الشيخ توفيق شهاب الدين زعيم و مؤسس حركة نور الدين الزنكي ، في محاولة لتحييد الزنكي عن أي تهم بالإرهاب تسهيلا” لدورها المستقبلي كصلة وصل بين المجتمع الدولي و إمارة إدلب و ريف حلب الغربي .

3- تبادل التهم بين حركة الزنكي و فيلق الشام في التقاعس عن إرسال قوات مشتركة من الفصيلين للفصل بين مقاتلي الهيئة و الأحرار لوقف الاقتتال .

4- تحييد جبل شحشبو في ريف إدلب الجنوبي لأهميته الإستراتيجية بالنسبة لجبهة ريف حماه الشمالي و الغربي ، و تحييد بلدة بنش كونها خط جبهة مع بلدتي كفريا و الفوعة .

إن مراجعة سريعة للأحداث التي شهدتها إدلب خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد أن هذه الاشتباكات مضبوطة و كل طرف ينفذ الدور المطلوب منه في عرض مسرحي مخرجه و ضابط إيقاعه هي الاستخبارات التركية و التي لا تمانع في سقوط قتلى و جرحى من الطرفين في سبيل إنجاح العرض للوصول إلى الغاية و الأهداف المرجوة و لعل أبرزها :

1- الاستخبارات التركية تدرك جيدا” أن إيقاف الحرب في سورية وفقا” للمعطيات الحالية سيؤدي إلى انتقال الحرب إلى الأراضي التركية ، و لذا تحرص تركية على إطالة الحرب السورية عبر تأمين معقلا” للجماعات الجهادية في جبال ريف حلب الغربي و عفرين تقيهم من الضربات الجوية المتوقعة من الطيران الروسي و السوري أو حتى طائرات التحالف الدولي ، في محاولة لاستنساخ تجربة تنظيم القاعدة في أفغانستان ( جبال تورابورا ) .

2-  بعد تكرار المحاولات الفاشلة من فصائل درع الفرات في تحقيق أي انتصار على الوحدات الكردية المتواجدة في عفرين و ريف حلب الشمالي تسعى تركية لشد أزر فصائل درع الفرات بمقاتلي هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة ) على تسليمها نقاط تماس مع الوحدات الكردية و تحديدا” في مناطق دورة عزة و قلعة سمعان و جبل الشيخ بركات .

3- توجيه صفعة للجهود الدولية الرامية لتوسيع منطاق خفض التوتر ، كرد فعل على تهميش الدور التركي و الذي تجلى في توقيع اتفاقية الجنوب السوري في العاصمة الأردنية عمان و اتفاقية الغوطة الدمشقية في العاصمة المصرية القاهرة ، و ذلك عبر توسيع مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب و حلب و التذرع بأن هيئة تحرير الشام منظمة مارقة راديكالية  مما يعفي تركية من أية مسؤولية كطرف ضامن في حال رفض قيادة الهيئة أي اتفاق مستقبلي مبني على مخرجات اجتماعات الآستانة باعتبار الهيئة قاطعت الاجتماعات التي لم توجه لها الدعوة أساسا” .

الأيام القادمة كفيلة في توضيح  مستقبل إدلب إما أن نشهد سيناريو مكرر لمعارك الرقة و الموصل أو أن إدلب المختطفة ستبقى فترة طويلة كالخنجر في الخاصرة السورية .

كاتب كردي سوري

 

(89)

الأقسام: آراء