قراءة في مبادرة مجلس النواب

كهلان صوفان

لعل الجميع تفاجأ كما تفاجأنا بطرح هذه المبادرة من قبل أعضاء مجلس النواب المتواجدون في صنعاء، وفي هذا الظرف، وبدون أي مقدمات أو إجراءات سابقة لها. ورغم اقتصارها على أربع نقاط مختصرة، سبقتها ديباجة لخصت بالأرقام الوضع المأساوي الذي وصل إليه الشعب اليمني، إلا أنها حملت دلالات ومعاني عميقة ومهمة للغاية، نذكر منها :

أولا : ابتعدت المبادرة عن كل المصطلحات التي يستخدمها جميع أطراف النزاع، سواء الأطراف الداخلية أو الخارجية. وهذه ليست عادة المجلس في كافة البيانات الصادرة منه حول هذه الحرب الداخلية وهذا العدوان الخارجي. ولعله قصد فيما ذهب إليه لتحظى مبادرته على موافقة محلية واقليمية ودولية تكون نواة لحل شامل وجذري للوضع في اليمن. كما أن ابتعاده عن استخدام بعض المصطلحات لا يعني شرعنته للعدوان أو قبول بشرعية هادي بقدر ما يعني ابتعاده عن استفزاز هذا الطرف أو ذاك.

ثانيا : سحبت المبادرة تبعات رفض طرف صنعاء لمبادرة المبعوث الخاص للأمم المتحدة ولد الشيخ، المشوهة، بتسليم محافظة وميناء الحديدة فقط لطرف ثالث. والتي كانت ربما مقدمة لشن هجوم شامل على الميناء والمحافظة بحجة تعنت طرف صنعاء ورفضه للمبادرة الأممية.

ثالثا : الصياغة المحكمة للمبادرة والألفاظ الدقيقة لنصوصها والمختارة بعناية فائقة تدل على أنها ليست وليدة اللحظة، وأنه ربما شارك في صياغتها أطراف محلية واقليمية ودولية لتكون مخرج معقول لجميع الأطراف.

رابعا : جاءت المبادرة ترجمة عملية للنداءات السابقة التي أطلقها المجلس لكافة أعضائه المتواجدين في الخارج والداخل، من مختلف الأحزاب السياسية الممثلة فيه، الرافضين حضور جلساته، للحضور وبحث مخارج واقعية لإخراج اليمن من وضعها الراهن.

خامسا : قد يبدو للوهلة الأولى من تصفح المبادرة أنها أعطت للأمم المتحدة صلاحيات تمس بالسيادة الوطنية برقابتها على كافة المنافذ البرية والجوية والبحرية للجمهورية اليمنية. وهذا صحيح إلى حد ما ولكن قد يغيب عن الكثيرين أن بلدي اليمن موضوع حاليا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى أنه تحت الوصاية الدولية، والموافقة على هذه النقطة من قبيل تخفيف الضغط الدولي القائم حاليا على اليمن ومشروط بتنفيذ بقية بنود المبادرة وخاصة النقطة الثالثة المتمثلة في إلغاء كافة القرارات والإجراءات التي اتخذت خلال الفترة الماضية، ومنها بالطبع إخراج اليمن من تحت الفصل السابع؛ هذا من جانب، ومن جانب آخر يتحتم علينا الاعتراف بأن معظم المنافذ البرية والجوية والبحرية خارجة عن السيطرة وما هو واقع تحت السيطرة خاضع للحصار والتضييق وتكاد الموارد المتحصلة منها لا تذكر بالمقارنة بحالها قبل العدوان.

سادسا : التراتيبية التي جاءت بها المبادرة في نقاطها الأربع منطقية وتنم عن فهم عميق لطبيعة المشكلة، فوقف الحرب ورفع الحصار يمثل أولوية واثبات لحسن النوايا، ثم وضع آلية مناسبة لمراقبة كافة المنافذ والموانئ البرية والجوية والبحرية لضمان توريد كافة الإيرادات للبنك المركزي لمواجهة صرف المرتبات وتوفير الغذاء والدواء ومواجهة الأوبئة، ثم قيام مجلس الأمن بإلغاء كافة القرارات والإجراءات المجحفة بحق اليمن، وأخيرا دعوة جميع الأطراف لحوار شامل بدون شروط مسبقة وبإشراف دولي وصولا إلى حل سياسي عادل يضمن تحقيق السلام والاستقرار لليمن والمنطقة والوصول إلى شراكة وطنية وسياسية حقيقية.

سابعا : المبادرة جاءت عقب إطلاق الرئيس الأسبق الزعيم/ علي عبدالله صالح، وقائد ثورة 21 سبتمبر السيد/ عبدالملك الحوثي لدعوة المصالحة الوطنية الشاملة، وكانت ترجمة عملية وواقعية لها.

وفي الأخير أتمنى على جميع الأطراف أن يقتنصوا هذه الفرصة الجديدة لتحقيق سلام الشجعان وتجنيب اليمن والمنطقة وشعوبها ويلات صراع طويل قد يأتي على الأخضر واليابس، وقد يرجع المنطقة لما قبل اكتشاف النفط والغاز، والمستفيدين الوحيدين من ذلك الصراع هم الصهاينة من بني إسرائيل وأمريكا وبريطانيا.

(425)

الأقسام: آراء