تحليل: كيف يمكن محاكمة ترامب وإقالته؟

صحافة| المراسل نت:

طوق الحصار يشتد حول الرئيس دونالد ترامب، يواكبه تجدد المطالبات بتقديمه للمحاكمة لإقصائه أو إرغامه على تقديم استقالته، بفعل جملة من الملفات الإشكالية، أبرزها قطع الطريق عليه للتقارب مع روسيا والتعاون معها.

موقع قناة الميادين:

تزداد الحملة المطالبة بتقديم الرئيس ترامب للمحاكمة أو إرغامه على تقديم استقالته زخماً وطاقة بعد تلقيه وحزبه الجمهوري هزيمة مدوية لفشلهم في إلغاء واستبدال برنامج الرعاية الصحية الشامل، أوباماكير، وما ينتج عنها من تبديد وتهميش لشعارات الحزب عند مؤيديه قبل مناوئيه.

ولا يسعفه أيضاً التخبط والفوضى والتناحر بين أبرز مساعديه، مما أدى إلى دفع كبير موظفي البيت الأبيض للاستقالة، وقد لا تكون آخر المفاجآت المتلاحقة.

يشترك في الحملة قوى متعددة ومتباينة سياسياً، لكنها تعبر عن طيف واسع من ركائز المؤسسة الحاكمة: قادة الحزب الديموقراطي، المنابر الإعلامية الليبرالية المقروءة بشكل رئيس، وبعض أركان الحزب الجمهوري التقليدين الذين ضاقوا ذرعاً من “عنجهية وتهور” الرئيس ترامب. في هذا الصدد، نشير إلى كبير المحامين للرئيس الأسبق جورج بوش الإبن مطالباً بتقديمه للمحاكمة.

بين المطالبة بالمحاكمة وتطبيق الآليات الناظمة لذلك مسافة ليست قصيرة وتعتريها عدة عقبات. بدايةً ينبغي الأخذ بعين الاعتبار تماسك الجمهور المؤيد لترامب. تقارب نسبته 40% في الظرف الراهن. كما أن نتائج استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة تدل عن عدم رضا العامة لتقديم رئيس البلاد للمحاكمة.

للدلالة أوردت أسبوعية “نيوزويك”، 24 تموز الجاري، أن النتائج انقسمت بين المؤيدين والمعارضين بنسبة 42% لكل منهما، وفي استطلاع آخر أجري الأسبوع المنصرم أيّد نحو 41% تقديمه للمحاكمة ومعارضة 53%. بالمقارنة مع مناخات فضيحة ووترغيت، 1974، أيّد تقديم الرئيس نيكسون للمحاكمة 24%، بمعارضة 62%.

كما ينبغي النظر إلى موازين القوى السياسية الراهنة في مجلسي الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، ومن المستبعد موافقة قادته على محاكمة وإقصاء الرئيس ترامب، كي لا تسجل على الحزب سابقة سياسية تنذر باضمحلاله.

أما استمرار المراهنة على نتائج الانتخابات النصفية، تشرين الثاني/نوفمبر2018، بأن تسفر عن تغليب كفة الحزب الديموقراطي في أحد المجلسين، إن لم يكن كليهما، فهي حسابات خاضعة لتقلبات المزاج الجماهيري والذي يحمّل الحزب الديموقراطي وقادته مسؤولية التكلس والانصياع لضغوط منافسيه في الحزب الجمهوري.

 

آليات المحاكمة والإقصاء

ينص الدستور الأميركي على جواز تقديم الرئيس، ومسؤولين آخرين، للمحاكمة شريطة توفر مبررات محددة، منها ارتكابه “سوء الإدارة أو السلوك” في وظيفته، المادة 11 البند 4. معايير توجيه الاتهام محددة لحساسيتها السياسية، وعرّفت طبيعة “الجرائم” بدقة بأنها “..ارتكاب الخيانة العظمى، تلقي الرشاوى؛ أو ارتكاب جرائم كبيرة ومخالفة.”

عند التحقق من صلاحية “الجريمة” بالتوافق، ينعقد مجلس النواب للتصويت على سريان مفعول “الجريمة أو الجرائم”، يجري التصويت عليها وينبغي الفوز بالنسبة البسيطة، 50+1. حينئذ، يخضع الرئيس للمحاكمة وفق طبيعة لائحة الاتهام، لكنه يبقى في منصبه لحين رفع توصية منه بذلك لمجلس الشيوخ الذي ينبغي عليه التصويت بعزله.

بيد أن الآلية النهائية لا تقع على عاتق مجلس الشيوخ وحده، لضمان حق المتهم بالدفاع عن نفسه، بل ينعقد المجلس برئاسة رئيس المحكمة العليا للبدء في الإجراءات القانونية: مجلس النواب يأخذ موقع الإدعاء العام وللرئيس فريق من محامي الدفاع.

قرار إقصاء الرئيس عن مهامه يحتاج لتأييد ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، الغالبية المطلقة، التي إن توفرت تنقل مهام الرئيس إلى نائبه دستورياً.

الخطوة الأولى في توجيه لائحة اتهام قدمها عضو مجلس النواب لولاية تكساس عن الحزب الديموقراطي، آل غرين، مطالباً بمحاكمة الرئيس “لعرقلته القضاء” حين أقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي. وشاطره الرأي عضو مجلس النواب الجمهوري عن ولاية فلوريدا كارلوس كيربيلو.

في الخلفية إطلاق بعضهم العنان للرغبات الذاتية، عند الحزب الديموقراطي، بالاستناد إلى “تنبؤات” أستاذ مادة التاريخ في الجامعة الأميركية بواشنطن، آلان ليكتمان، لصدق توقعاته بالفائز في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1984. ليكتمان أعرب عن قناعته بتقديم الرئيس ترامب للمحاكمة “خلال ولايته الرئاسية” في مقابلة متلفزة بتاريخ 25 تموز/يوليو الجاري.

 

السيناريوهات الممكنة

من الضروري بمكان استعراض الخيارات المتاحة أو السيناريوهات لتحقيق تقديم الرئيس للمحاكمة: توجيه الاتهام بالتقصير؛ الاستقالة وانتقال السلطة بسلاسة؛ تطبيق نصوص المادة الخامسة والعشرين (25) من التعديل الدستوري المعنية بمن سيخلف الرئيس؛ والخيار الرابع يتمحور حول استخدام وسائل “فوق القانون” لعزل الرئيس.

الاتهام بالتقصير: منذ بدء الكيان السياسي الأميركي، قبل نحو 240 سنة، تم توجيه الاتهام لرئيسين اثنين، آندرو جونسون وبيل كلينتون، ولم تتحقق الأهداف بالإقصاء. جونسون خلف الرئيس المغدور إبراهام لينكولن، 1865، وكان نائبه، وكلينتون مضى إلى نهاية ولايته الرئاسية.

عند تطبيق المعايير الدستورية الناظمة لتقديم الرئيس ترامب للمحاكمة يتضح ضبابية الدلائل “ارتكاب الخيانة العظمى، تلقي الرشاوى.. الخ”، ولجأ البعض بإسقاط الرغبات الذاتية على النصوص الدستورية طمعاً لنيل بعض التعاطف والمضي قدماً، وتبرير إجراءات محاكمته لما يشكل بقائه لمزاجيته في التصرف من خطر على الحكومة الأميركية.

يدرك مناوئو ترامب مدى صلاحيات الرئيس الواسعة المنصوص عليها، ومنها حقه في إقالة من يشاء وتعيين البدائل متى يرى ذلك ضرورياً، على خلفية إقالته لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، ولا ينطبق عليه اتهام “سوء التصرف” لتجريمه لاحقاً. كما حذر أخصائيو القانون الدستوري من مغبة الارتكاز إلى تلك الحجة كونها لا تستند إلى آليات ومبررات قانونية.

في المستوى النظري الاستشرافي، لو تسنى للحزب الديموقراطي الفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية المقبلة، 2018، باستطاعتهم تطويع المبررات والمصادقة على لائحة اتهام بحق الرئيس، آخذين بعين الاعتبار أن ذلك الإجراء يحتاج إلى الأغلبية البسيطة من الأعضاء.

وهنا تبرز العقبة الأكبر في ذاك الإجراء، إذ أن الشروع في تقديمه للمحاكمة يحتاج إلى موافقة ثلثي الأعضاء، أي 67 صوتاً من أصل 100. عند إضافة عنصر تماسك قاعدة مؤيدي الرئيس ترامب، خارج العاصمة واشنطن وتعقيداتها، تتضح صعوبة السعي لإقصائه بنجاح.

يشار إلى تجربة الأغلبية الجمهورية عام 1998 لتقديم الرئيس كلينتون للمحاكمة، وحصدت غضب واستنكار القواعد الشعبية في الانتخابات التالية نظراً لإخفاق “الأغلبية” في تقديم الحلول العاجلة لقضايا ملحة وانشغالها بملاحقة الرئيس عوضاً عن ذلك.

استناداً إلى تلك التجربة الحية، نستطيع القول إنه من المستبعد نجاح مساعي تقديم لائحة اتهام للرئيس ترامب ضمن الظروف السائدة، والتي قد تستدعي إعادة صياغة للنصوص الراهنة في التعديل الدستوري، والذي يبدو أمراً بعيد المنال.

الاستقالة والانتقال السلمي: وهي الحالة المقاربة “للخيار النيكسوني”، نسبة إلى الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي فضل خيار الاستقالة على المثول أمام الكونغرس كمتهم. بيد أن نيكسون ثبت ارتكابه جُرم إعاقة العدالة خلال إجراءات التحقيق في فضيحة ووترغيت، مما حفز كبار قادة الحزب الجمهوري مواجهته بصراحة ومطالبته بتقديم استقالته وإنقاذ الحزب الجمهوري من هزيمة مدوية في الانتخابات المقبلة.

استقالة نيكسون لم تسعف الحزب الجمهوري أو سمعته وتلقى واحدة من أكبر الهزائم السياسية في تاريخه نتيجة تجذر الغضب الشعبي من تجاوزات رئيس البلاد. خيار “الاستقالة” يشكل الحل الأنسب لنقل السلطة بسلام وسلاسة، لكن بلوغه تحدده الظروف والضوابط وليس الرغبات.

طبيعة الرئيس ترامب بالصمود أمام الرياح والعواصف، مهما كلف الثمن، وإن تطلب الأمر التضحية ببعض معاونيه تقود إلى الاستنتاج باستبعاد إقدامه على الاستقالة الطوعية، وفق المعادلات والتوازنات الراهنة.

أما تصريحات بعض كبار قادة الحزب الجمهوري، ليندسي غراهام، لترجيح خيار الاستقالة والدفع باتجاهها تصطدم بحائط القاعدة الشعبية الداعمة لترامب والتي لن تغفر له وأعوانه نواياهم وتنتظر بمعاقبتهم في الانتخابات المقبلة.

المادة 25 من التعديل الدستوري: استحدثت المادة في أعقاب اغتيال الرئيس جون كنيدي لتمهد سبل انتقال السلطة في ظروف غياب الرئيس أو نائبه عن المشهد في حالات “الوفاة، العزل، الاستقالة، أو العجز عن القيام بالمهام”. وجرى تطبيق نصوصها، أو بعضها، في حال الرئيس الأسبق نيكسون، 1974.

قسم لا بأس به من السياسيين يفضل ذاك الخيار في حال الرئيس ترامب، نظراً للأسس الدستورية التي لا يشق لها غبار، واختصارها للجدل الزائد عن الحد.

البند الرابع من التعديل يمهد، بعض الشيء، للمضي في نقل السلطة إلى نائب الرئيس، إذ ينص على “… يقدم نائب الرئيس بالتعاون مع غالبية من المسؤولين الرئيسيين في السلطة التنفيذية إشعاراً خطياً للرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب يفيد بأنه يتعذر على الرئيس ممارسة صلاحياته ومهامه، يتعين على نائب الرئيس تسلم الصلاحيات على الفور كرئيس بالوكالة.”

بكلمة أخرى، باستطاعة نائب الرئيس مايك بنس “التعاون” مع غالبية وزراء الحكومة والإقرار بأن الرئيس ترامب لم يعد كفؤاً أو مؤهلاً للاستمرار في منصبه؛ وتنقل إليه الصلاحيات تلقائياً. بيد أن الإشكالية الأكبر في هذا “التعاون” تكمن في نص المادة المذكورة بإتاحتها الفرصة “للرئيس الدفاع عن نفسه أمام اتهامه بالعجز.”

كما أن الفرصة الزمنية المطلوبة لذلك والمنصوص عليها قد تعمل لصالح ترامب بدلاً من ضده. إذ ينبغي على الكونغرس الانعقاد خلال 48 ساعة بعد تسلمه الإخطار الخطي لمناقشة الأمر، في حال عدم انعقاده اعتيادياً؛  وهو ملزم بعقد جلسة للتصويت خلال 21 يوماً والتصويت بأغلبية ثلثي أعضاء المجلسين لصالح الإخطار وتطبيق المادة الخاصة بنقل السلطة إلى نائب الرئيس. وفي حال تعذر ذلك، يستمر الرئيس في تسلم مهام منصبه.

تجدر الإشارة إلى أن الفترة الزمنية الطويلة نسبياً، 21 يوماً، الخاصة بقرار الكونغرس ينطوي عليها مخاطر سياسية قد تؤدي بشلل عمل الحكومة وأجهزتها المختلفة، وقد تدفع مؤيدي ترامب القيام باضطرابات مدنية، فضلاً عما توفره من مساعي الناخبين للضغط على ممثليهم في الكونغرس بعدم التصويت لصالح الإجراء.

خيارات خارجة عن الأعراف القانونية: المقصود بها “التخلص من شخص الرئيس اغتيالاً أو استبعاداً بسبب أو التسبب بمرض يقعده”. بداية، هي آخر السبل التي يمكن اللجوء إليها، لكنها أشدها استبعاداً في ظل الانقسامات والاصطفافات السياسية الحادة في المجتمع الأميركي برمته.

المراهنة على ذاك الخيار ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار انتشار مختلف أنواع الأسلحة “المرخصة” بأيدي “جمهور ترامب”، الذين لن يتخلفوا عن استخدام ما لديهم من موارد وإمكانيات ضد رموز الدولة، أشخاصاً وكيانات ومؤسسات. ولعل الأخطر ما تفرضه الظروف المتجددة من ضغوط على “الرئيس بالوكالة” تضعه أمام خيارين أحلاهما مر: إما تقديم الاستقالة أو إخلاء المنصب والفرار.

بالمقابل فإن المؤسسة العسكرية والأمنية، بكامل أجهزتها وتشعباتها، لم يسجل لها، منفردة أو مجتمعة، عداءها لترامب، ومن ثم تقديم دعم ضمني لأي تحرك مضاد. عند النظر إلى حجم الحشد الهائل للرئيس ترامب في الأيام الأخيرة، أمام أجهزة الشرطة والأمن، يتضح عدم أهلية هذا الخيار.

بالمحصلة، لا يعتقد بأن هذا السيناريو قابل للتطبيق في أي وقت منظور على الأقل.

أما التسريبات الصحفية المضادة، رغم ما ينطوي عليها من بعض المصداقية، فلا تشكل أرضية كافية لتقديم ترامب للمحاكمة. عندما تتوفر أدلة مادية قاطعة ومقنعة في آن، بأن ترامب غير مؤهل للمنصب الرئاسي، سيجد المناوئون أنفسهم أمام مأزق يتمثل بضعف تأييد أعضاء الحزب الجمهوري لمساعي الإقصاء، والذين يصغون لعدم حماس النبض الشعبي في دوائرهم الانتخابية.

كما أن موجة الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت فور تسلم ترامب مهام منصبه شهدت تراجعاً ملحوظاً، فضلاً عن عدم تجذر مطالب شعبية محقة بإقصائه خارج المناطق “الليبرالية التقليدية”، المتمثلة بمعظم ولايات الساحل الشرقي وبعض ولايات الساحل الغربي للبلاد.

ترامب، من جانبه، يحرص على استحضار الرفض الشعبي “غير المنظم” لسيطرة ونفوذ الحكومة المركزية، وتسخيره في خدمة أجندته ضد التوجهات “الرسمية التقليدية”. وفق المؤشرات الراهنة، وإن استطاع ترامب المحافظة على تماسك قاعدته الانتخابية، فمن غير المستبعد أن يفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2020.

(151)

الأقسام: الاخبار,صحافة وترجمات,عاجل

Tags: ,,