التحالف الأمريكي السعودي… وتوقيع أوراق الطلاق!

حنان المنصف

بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، و في سنة 2002، ألقى الرئيس أوباما- حين كان عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوى- في شيكاغو خطابه الشهير الذي انتقد فيه سياسات بوش الابن و قد تساءل قائلا :” هل تريد أن تقاتل أيها الرئيس بوش؟ دعنا نقاتل حلفاءنا المزعومين في الشرق الأوسط- السعودية و مصر- للتأكد بأنهما سيتوقفان عن قمع شعبهما و قمع المعارضة، و يتوقفان عن التغاضي عن الفساد و عدم المساواة”.

في حواره المطول مع مجلة “ذا أتلانتيك” الذي نشر في منتصف شهر آذار/مارس من العام الجاري، أكد أوباما أن على مصر و السعودية أن تتوقفا عن التغاضي عن الفساد و اضطهاد شعبهما، كما اتهم دولا خليجية بتغذية و دعم الإرهاب مثنيا في الآن نفسه على الدور الإيراني و اعتبر أن الفوضى في الشرق الأوسط لن تنته إلا بتوصل السعودية و إيران إلى سلام بارد.

يبدو أن باراك أوباما ظل وفيا ل”عقيدته”…

***

مع اندلاع أحداث “الربيع العربي” بدأت الثقة السعودية تهتز في الحليف الأمريكي خاصة فيم يتعلق بالإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك و من مباركة أمريكية لصعود تيارات الإسلام السياسي ببلدان “الربيع العربي”، تباعا لذلك بدأت تظهر مقاربة أمريكية جديدة تجاه المنطقة تتعارض مع المصالح السعودية و تقوم على الانسحاب من مستنقع الشرق الأوسط و التوجه نحو مناطق تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أهمية إستراتيجية حيوية. هذه المقاربة الجديدة تجلت في مسألتين أساسيتين:

– تغاضي الرئيس أوباما عن “خطه الأحمر ” المتعلق باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية سنة 2013، و بالتالي عدم التدخل العسكري في سورية، و بشكل عام تجنب التورط العسكري في المنطقة، و من ثم تغيرت أولويات الإدارة الأمريكية التي وضعت على سلم أولوياتها محاربة التنظيمات الإرهابية في حين أن السعودية مازالت متمسكة برحيل الأسد.

-التقارب الأمريكي- الإيراني و الذي تُرجم عبر الاتفاق النووي الإيراني الذي ترى السعودية أنه يأتي على حساب المصالح الخليجية و يمثل اعترافا بإيران كقوة إقليمية منافسة للسعودية و كرقم مهم في معادلات المنطقة.

 

عززت هذه المتغيرات شكوك السعودية تجاه الحليف الأمريكي و بمدى تمسكه بالتحالف الاستراتيجي الذي استمر لعقود طويلة وفق معادلة الأمن مقابل النفط. فعلى ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية استوعبت دروس تدخلاتها في المنطقة و هو ما أكدته انتقادات أوباما لكل من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي و رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون بسبب التدخل في ليبيا متهما إياهما بالفشل و سوء التقدير.

 

سعت السعودية إلى التعبير عن استيائها من خلال كسب هامش من الحركة بمعزل عن الولايات المتحدة، ففي آذار/ مارس 2015 قادت ما يعرف ب”عاصفة الحزم” في اليمن، و هو ما يعد تغيرا جذريا في الإستراتيجية السعودية التي لطالما اتسمت بالحذر و بتجنب الانخراط المباشر في الحروب، ثم أتبعته بتحالف عسكري إسلامي يهدف إلى محاربة التنظيمات الإرهابية.

و يمكن القول أن المملكة ورطت نفسها و أُستُدرِجت إلى الحرب في اليمن و هو ما يؤكده العجز المالي في ميزانياتها و المقدر بحوالي 190 مليار دولار خلال عامين و اللجوء لاستدانة 10 مليارات دولار و هو ما يحدث لأول مرة منذ سنوات طويلة،  مم يفسر تطور موقف القيادة السعودية من الأزمة اليمنية و الذهاب إلى التفاوض مع الحوثيين في الكويت.

 

تعيش القيادة السعودية حالة من الارتباك و التعثر تتراءى لنا من خلال التوجه إلى “التطبيع العلني” مع إسرائيل -كبديل عن الحليف الأمريكي- الذي مهدت له المناظرة  التي نظمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى و التي جمعت بين الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق و الجنرال يعقوب عميدور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق حيث قدم الأمير ” نظريته” المثيرة للجدل حول تزاوج العقل العربي و المال اليهودي.

 

تفاقمت حالة الارتباك مع تهديدات عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بسحب السندات السعودية في الولايات المتحدة إذا ما قام الكونغرس بتمرير قانون يسمح لأهالي ضحايا تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الأمريكية، و فعلا تم تمرير هذا القانون الذي يعرف بقانون ” العدالة ضد رعاة الإرهاب” كما كشفت وزارة الخزانة الأمريكية أن مقدار سندات الخزانة الأمريكية التي تملكها السعودية لا يزيد عن116.8  مليار دولار و هو ما جاء مخالفا لكل التوقعات و مم يجعل تهديدات الجبير مجرد “استعراض كلامي” كون سحب هذه السندات لا يشكل خطرا على الاقتصاد الأمريكي…هذا بالطبع إن تجرأت المملكة على السحب…

 

الأغلب أنها مسألة وقت فقط و يرفع وسم “سري للغاية” عن الصفحات ال-28  التي حجبت من تحقيق الكونغرس حول هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، و التي راج أنها تورط أمراء سعوديين و تحمل السعودية المسؤولية عن الهجمات…و نحن نعلم براعة أمريكا في تلفيق القصص و الروايات من ذلك أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، فإننا نتساءل -بكل سذاجة- كيف تجاهلت الإدارة الأمريكية تورط نظيرتها السعودية؟ و لم الكشف عن هذه الصفحات في هذا التوقيت بالذات؟… المؤسف أن السعودية التي ساندت الكذب الأمريكي سابقا – خاصة فيم يتعلق بالإطاحة بنظام صدام حسين- هي عرضة اليوم للابتزاز و الافتراء الأمريكي، و لا نستبعد تداعيات ذلك على نظام الحكم في المملكة.

 

إن عودة العلاقات الأمريكية السعودية إلى ما كانت عليه بات أمرا غير ممكن، فبتمرير الكونغرس بالإجماع للقانون السابق الذكر وقعت أمريكا على أوراق الطلاق مع حليفتها التقليدية لتدشن مرحلة جديدة من المساومات و الملاحقات، و تطمينات أوباما باستخدام “الفيتو” لمنع صدور هذا القانون لا يمكن الوثوق بها في حال تمريره من قبل الإدارة الجديدة، خاصة و أن المرشحين لمنصب الرئاسة الأوفر حظا : هيلاري كلينتون و بيرني ساندرز و دونالد ترامب تعتبر مواقفهم متشددة اتجاه الأنظمة الخليجية عموما.

 

***

في مقال له نشر مؤخرا في صحيفة “بوليتيكو” يتساءل دينيس روس، المبعوث الأمريكي السابق إلى منطقة الشرق الأوسط، ” لماذا يتحدث قادة الشرق الأوسط إلى بوتين، و ليس إلى أوباما؟ ” …ربما الإجابة- وبكل بساطة- لأنه بات من الصعب الوثوق في الولايات المتحدة التي تخلت عن حلفاءها…و نتمنى أن تستخلص المملكة السعودية الدروس و العبر و أن تعيد صياغة إستراتيجيتها و أن تغير بدورها سلم أولوياتها و أن تترك عنها “سياسة الاتكال” باستبدال واشنطن بإسرائيل…حان الوقت بأن تتعلم المملكة من أخطائها.

 

كاتبة من تونس

moncefhanen@gmail.com

(219)

الأقسام: آراء,المراسل العالمي

Tags: ,,,,,,,,,