المراسل..صحيفة خيوانية

إبراهيم السراجي

ذات يوم، قبل نحو سبع سنوات، دخل علينا الشهيد عبدالكريم الخيواني، بينما كنت في بداية عملي الصحفي، وفي تلك اللحظة كنت منهمكا في كتابة خبر عن حدث أمني شهدته العاصمة في ذلك الحين، وكعادته كان الشهيد الخيواني يحب أن يبدأ مقيله بتبادل أطراف الحديث معنا، فسألني عما يشغلني فقلت له إنني أكتب خبرا عن تفجير عبوة ناسفة أمام منزل الشيخ الأحمر، وبطريقته الخاصة حين يريد الشهيد الخيواني أن يعلمنا شيئا جديدا، قال لي بسخرية غير مستفزة إن أي سائق أجرة سيمر من المنطقة التي شهدت الحدث ويصوره وينقله للناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون الخبر أشمل وأكثر حيوية من الخبر الذي نكتبه من مكاتبنا.

بعد ذلك انتقل الشهيد الخيواني لتوضيح غايته من قوله السابق، فقال لي: إذا أردت أن تواكب الأحداث وتنافس في ظل تطور أدوات وأشكال الصحافة فلا تنشغل فقط بنقل الخبر لأن الجميع بات لديهم الوسائط التي تمكنهم من نقل الاحداث في لحظتها، فنشر خبر تفجير عبوة ناسفة لا يكفي وإنما عليك أن تبحث عن سبب التفجير والجهة التي تقف وراءه وتكشف اختيار ذلك التوقيت ومن كان المستهدف…الخ.

في ذات اليوم نصحني الشهيد الخيواني  بكتابة تقرير حول خبر دخول المدمرة الفرنسية “شارل ديغول” إلى المياه الخليجية، وقبل أن أسأله عما يمكن أن أقوله حول مثل هكذا خبر، قال لي عليك أن تبحث اولا عن تاريخ هذه المدمرة عندما كانت فرنسا لا تزال دولة استعمارية وتواجد تلك المدمرة في الشرق الأوسط بالتزامن مع تلك الحقبة، ثم البحث عن المعلومات والمعطيات التي توصلنا لنتيجة حول أسباب عودة هذه المدمرة..الخ

من هنا تشكل وعيي الصحفي بل ربما السياسي أيضا، وأستطيع أن اقول إنني في تلك الفترة لم أكن قد حسمت قراري بالاستمرار في العمل الصحفي خصوصا أن مجال تخصصي العلمي بعيد كل البعد عن الصحافة، غير أن الأقدار التي شرفتني بمعرفة الشهيد الخيواني والقرب منه في آخر سنوات عمره قبل اغتياله، حببتني بهذه المهنة رغم معرفتي المسبقة بأنها ليست خيارا صحيحا إذا فكر المرء بمنطق براغماتي، فبقيت في هذه المهنة حبا في الشهيد الخيواني وضرورات المرحلة التي أعقبت ثورة 11 فبراير.

بعد فترة حدثني الشهيد الخيواني عن رغبته في إطلاق مشروع صحفي يستطيع المنافسة ويواكب الإعلام الجديد وفقا لرؤيته التي تحدثت عنها في السطور السابقة، وعلى الرغم من حداثة عهدي بالصحافة أنا وبعض الزملاء  إلا أن الشهيد كان يؤكد ثقته بقدرتنا على مساعدته في إنجاح هذا المشروع، وهو لم يكن يقول لنا أنه يريدنا كمساعدين بل كان يصفنا بالزملاء بتواضع منقطع النظير أعطانا دفعة معنوية بحجم تاريخه.

لكن المتربصون بالخيواني لم يسمحوا له بالمضي في مشروعه وكان تاريخه قد أثقل كاهلهم بالإضافة إلى خشيتهم من وجوده خلال المرحلة التي كانوا يعدونها وهي الحرب على اليمن، فوجهوا رصاصهم إلى صدره قبل أسبوع فقط من إعلان الحرب، ليسقط شهيدا ودون أي شك بأن تلك الرصاصات التي نالت منه كانت أولى رصاصات تلك الحرب.

ذلك المشروع أصبح هاجسي بعد استشهاد الخيواني، وأعلم تماما أنه لا يمكن لأحدنا أن يصل بهذا المشروع لما كان يمكنه أن يصل على يد الشهيد الخيواني، ولكن كتلامذة في مدرسته نطلق اليوم العدد الأول من صحيفة المراسل وقبل ذلك كان موقع المراسل نت، ومن هنا نوجه الشكر لكل الذين ساندوا هذا المشروع وآمنوا به، ولا يتسع المقام لذكرهم كما أنني على ثقة أنهم لن يكونوا بانتظار هذا الشكر الذي يستحقونه.

رئيس التحرير صحيفة المراسل

(82)

الأقسام: آراء

Tags: ,,,