ملف صحيفة المراسل: لأول مرة..كشف أسرار انسحاب الإمارات من اليمن

صحيفة المراسل: ملف خاص

 

أعلنت الإمارات في 30 أكتوبر الماضي سحب قواتها من عدن ضمن عملية وصفتها بأنها إعادة تموضع تحت قيادة السعودية وفقاً لبيان رسمي من القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية. وقد يبدو غريباً هذا التنازل الإماراتي الكامل عن مشروعها جنوب اليمن خصوصاً أن الخروج الإماراتي جاء عقب انتصار ساحق حققته القوات الموالية لها في عدن وأبين في أغسطس الماضي، غير أن ثمة سبب وجيه لهذا الخروج لا علاقة له بالصراع بين قوى التحالف السعودي الإماراتي، وهو المتعلق بالخشية من ضربات الطائرات المسيرة والصواريخ التي تملكها قوات صنعاء وأثبتت خطورتها بضربة أرامكو في 14 سبتمبر الماضي.

إضافة لذلك وبعد إعلان الإمارات الخروج من عدن فقد  كشفت مصادر في صنعاء لـ”صحيفة المراسل” أنه تم توجيه عدة ضربات غير معلنة للإمارات جاءت كرسالة إنذار أخيرة لدفع أبوظبي لعدم التردد بتنفيذ انسحابها الكامل من اليمن وفك ارتباطها بالتحالف مع السعودية في حربهما على اليمن.

وفي الواقع لم يعد أمر تقليص الإمارات لقواتها في اليمن، الذي بدأ قبل عدة أشهر، محل شك ، غير أن هذا إلى حد الآن لا يعني خروجها من الحرب، لكن ما أقدمت عليه أبو ظبي من خطوات مؤخراً بات معترفاً بها من قبل الصحافة الرسمية الإماراتية التي بدا واضحاً أن لديها توجيهات عليا لتناول أمر الانسحاب لتجنيب القيادة الإماراتية إعلان الانسحاب كي لا يبدو هزيمة بالنسبة لها خصوصاً أن مسؤوليها خلال السنوات الماضية كانوا الأكثر عنجهية وغروراً في تصريحاتهم وثقتهم بقدرتهم على تحقيق أهدافهم.

وعلى نحو يومي منذ خروج خبر الانسحاب في يونيو الماضي تنشر الصحافة الرسمية الإماراتية وعلى رأسها صحيفتي البيان والاتحاد في صفحاتها الأولى تحليلات تفسر الانسحاب الإماراتي بأنه اختبار للحوثيين وأنه يأتي ضمن مساعي الإماراتي “لإحلال السلام في اليمن” . كما ان ما يؤكد حدوث الانسحاب الإماراتي من اليمن جزئيا هو تناوله في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول اليمن والتي وصفت الخطوة الإماراتية بالإيجابية فيما دعت الصحافة الأمريكية إدارة ترامب للضغط على النظام السعودي لاتخاذ نفس الخطوة وحظيت هذه الدعوة بدعم من الكونجرس الأمريكي الذي بدوره أقر حظر صفقة أسلحة للسعودية بقيمة 8 مليار دولار.

أما جماعة أنصار الله فأبقت على تجاهلها للخطوة الإماراتية فيما شكك عدد من قياداتها الذين ظهروا في قنوات إخبارية بالخطوة الإماراتية، حيث دعا محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا ما وصفها دول العدوان بإعلان انسحابها الكامل من اليمن، فيما اكتفى عضو المجلس السياسي للجماعة محمد البخيتي بالقول إنهم يتحققون من صحة الخطوة الإماراتية، وبهذا حافظت الجماعة على جاهزية قواتها على الأرض ولم ترد التعاطي مع ما أعلنه المسؤولون الإماراتيون، دون ذكر أسماءهم ومناصبهم، كي لا يؤثر ذلك سلباً داخل صفوف قواتها ويدفعها للتراخي إذا ما اتضح أن الانسحاب الإماراتي مجرد خدعة.

 

داخلياً وخارجياً: لماذا الانسحاب الإماراتي؟

دخلت الإمارات في تحالف الحرب على اليمن معتقدة كباقي دول التحالف أن الحرب ستمتد لأسابيع فقط وبالتالي فإن الإمارات من بين الأسباب التي قادت الأخيرة لخطوة الانسحاب تجمعها مع باقي دول التحالف فيما يتعلق باستطالة الحرب وارتفاع كلفتها المالية والسياسية والإنسانية، غير أن الإمارات تماهت شكلياً مع أهداف تحالف الحرب المعلنة، ففيما رفع التحالف شعار الحرب على إيران في اليمن أظهرت الأحداث الأخيرة أن أبو ظبي بعيدة كل البعد عن مجابهة إيران بل وتدفع نحو خفض التوتر مع طهران لكنها قبلت هذا الشعار لتحقيق أهداف خاصة بها، ومقابل شعار “إعادة الشرعية” قامت الإمارات بتشكيل قوات عسكرية جنوبية مناهضة لهادي وحكومته بل إن تلك القوات تهدف إلى تحقيق الانفصال خلافاً لشعار التحالف المعلن والذي يتردد بين الحين والآخر حول دعمه لوحدة اليمن.

ويمكن تلخيص أهم أسباب الانسحاب الإماراتي في عدة نقاط على النحو التالي:

كانت المفاجأة التي لم تخطر على بال حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد هو أن يمتلك اليمن قدرات عسكرية استطاعت أن تطال أبوظبي ودبي في حين كان التحالف بدأ غاراته معتقداً أنه دمر الفداعات الجوية اليمنية وقدرات اليمن الصاروخية وبالتالي جعل من دوله بعيدة عن الاستهداف ولكن ما حدث كان العكس بعدما كشفت صنعاء عملياً عن قدراتها الصاروخية والجوية ونفذت عملياتها في دبي وأبوظبي وهذا كان بداية التحول داخل الإمارات التي تعتمد اقتصادياً على سمعتها الأمنية ويعتمد اقتصادها على الخدمات المالية والاستثمارية ووجود خطر يهددها يجعل منها بيئة طاردة للاستثمار بل ويعيدها عشرات السنوات إلى الوراء.

عندما دخلت الإمارات في التحالف كانت تدرك أن بإمكانها استخدام شعار محاربة إيران في اليمن لتحقيق أهدافها لكن ومع التوتر الإيراني الأمريكي عقب استهداف سفن النفط في المياه الإماراتية وبينها سفن تابعة لأبوظبي أدركت الأخيرة حجم الخطر الذي يحدق بها جراء تصديق شعار “محاربتها لإيران” فهي لم تكن جادة في ذلك ولم تقطع علاقتها مع طهران كما فعلت السعودية بل وحافظت على التبادل التجاري مع الإيرانيين، وهنا فاجأت الإمارات حليفتها السعودية عندما زار وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد العاصمة الروسية وطلب من موسكو التوسط لخفض التوتر مع إيران وعبر عن ذلك التحرك بتصريحه الصادم للرياض عندما قال إن بلاده لا تتهم أي دولة بالوقوف وراء الهجوم على سفن النفط.

ليس تطور قدرات اليمن على ضرب العمق الإمارات لوحده ما دفع الأخيرة للتفكير بالخروج من الحرب بل إن انسداد أفق الحرب ذاتها ونجاح لجان أنصار الله الشعبية في فرض معادلة ميدانية خولتها للحفاظ على معظم المناطق التي سيطرت عليها خلال ثورة 2014 بشكل لم يتوقعه أحد ولم يخطر على بال الإماراتيين أن تصمد جماعة في وجه تحالف من عشر دول بمشاركة إضافية من واشنطن ولندن وباريس.

وإذا كان حاكم أبو ظبي دخل في الحرب ظناً منه بإمكانية تحقيق نصر سريع فإن حكام باقي إمارات الاتحاد لم يكونوا راضين عن الانخراط في حرب اليمن سواء كانت قصيرة أو طويلة لأنهم كانوا يدركون ما غاب عن ابن زايد حول التاريخ والجغرافيا ومصير الغزاة الذين حاولوا اركاع اليمن، وبالتالي ومع امتداد الحرب ومطاولتها لعمق الإمارات تنامت المعارضة الداخلية لحكام الإمارات للحرب، ووفقاً لعدة تقارير صحفية غربية كان حاكم دبي الأكثر معارضة وممارسة للضغط على ابن زايد للخروج من هذه الحرب التي بدأت تهدد مستقبل إمارة دبي القائم على الأمن والخدمات الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية التي لا يمكن أن تدوم بعد أن وصلت المسيرات اليمنية إلى مطار دبي الأشهر على مستوى العالم.

 

حاكم دبي: إما الخروج من الحرب أو الخروج من الاتحاد!

حصلت صحيفة “المراسل” على معلومات خطيرة من مصادر دبلوماسية كشفت حدوث خلافات كبيرة بين حاكمي أهم إمارتين محمد بن راشد ومحمد بن زايد على خلفية مطالبة الأول للثاني باتخاذ قرار سريع للخروج من حرب اليمن.

ووفقاً لتلك المصادر حدث اجتماع بين العائلتين الحاكمتين لأبوظبي ودبي استعرض خلاله محمد بن راشد التأثيرات الاقتصادية السلبية على دبي جراء استمرار الحرب على اليمن وبلوغ الصواريخ اليمنية والمسيرات للإمارة، مطالباً بضرورة إعلان الانسحاب من هذه الحرب.

وأشارت المصادر إلى أن الكلام احتد بين ابن زايد وابن راشد وأن الأخير في نهاية الاجتماع قال بعبارات واضحة إنه وما لم يتم الانسحاب من اليمن خلال مدة محددة فإنه سيضطر لإعلان انسحاب دبي من الاتحاد الذي يجمعها مع أبوظبي وباقي الإمارات.

وتضيف المصادر أن موقف حاكم دبي يتفق معه حكام باقي الإماراتي وخصوصاً إمارتي الشارقة وعجمان وأن الضغوط التي مارسوها على حاكم أبوظبي دفعت الأخير لاتخاذ خطوة تقليص القوات في اليمن غير أن هذه الخطوة لم يلاقي القبول الكامل من الحكام الآخرين الذين يضغطون للخروج الكامل من الحرب برمتها.

 

 

خيارات أبوظبي: اللعب بعيداً عن اليمن

استخدمت الإمارات قوتها المالية وقربها من الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحكم العلاقة بين واشنطن وعواصم الخليج غير أن محمد بن زايد أراد أن يستخدم هذه العلاقة لتحويل بلاده إلى دولة رئيسية ضمن المحور الأمريكي ومنافسة السعودية على هذه المكانة.

هذه التفكير ذهب بحاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد للهرولة ومشاركة أمريكا في حروبها بل واعتماده على العسكريين الأمريكيين الذين خرجوا من الخدمة ليكونوا مركز الجيش الإماراتي لكن الإمارات تظل دولة صغيرة وكان لابد أن يأتي اليوم الذي تدرك فيه ان تضخمها سيؤدي بها إلى الانفجار.

انطلاقاً من ذلك وجدت الإمارات نفسها غارقة في عدة ملفات في سوريا وليبيا والسودان واليمن وتسببت بتفكك مجلس التعاون الخليجي بجرها للسعودية والبحرين لمقاطعة قطر فكان لابد من إعادة التفكير والتموضع خصوصاً بعد المتغيرات الهجومية اليمنية وسقوط المشروع الأمريكي في سوريا وارتفاع مستوى الخطر في ظل التوتر الأمريكي الإيراني.

بدأت الإمارات انعطافتها بإدراك أن النظام السوري لن يسقط بل بدأ باستعادة قوته ولذلك قامت بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وبعد ذلك كان عليها أن تحجم نفسها وتختار أي من الملفات التي يمكن أن تبقى فيها دون أن تحدث مفاجآت تسبب آثار مباشرة عليها ولذلك قررت مواصلة تحركاتها في ليبيا السودان كون الدولتين البعيدتين غير قادرتين على مباغتة الإمارات إذا ما حدثت هناك تحولات غير محسوبة، بالمقابل وبعد وصول مسيرات اليمن إلى مطارات أبو ظبي ودبي وفي ظل ضغوط حكام الإمارات الأخرى انصاع ابن زايد للانسحاب التدريجي من اليمن بالتزامن مع تحركاته الدبلوماسية لخفض التوتر مع إيران وتجنيب الإمارات من ويلات حرب إذا ما حدثت ستعيد الإمارات لعصر ما قبل نهضتها التي تشهدها اليوم.

 

 

الرياض في موقف حرج: ابن سلمان مصدوم من حليفة

في الوقت الذي أعلنت الصحف الرسمية الإماراتية قرار سحب القوات من اليمن كان أحد الصحفيين يطرح سؤالاً على الناطق باسم التحالف السعودي تركي المالكي حول الخطوة الإماراتي فأجاب الأخير أنه لم يقرأ هذه الأخبار، وكانت إجابته أول إشارة على أن الإمارات اتخذت قرارها دون استشارة حليفتها السعودية قبل أن تتوالى التسريبات التي تؤكد صدمة السعوديين بخطوة الإمارات المفاجئة.

في هذا السياق نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن دبلوماسيين سعوديين لم تسمهم، أن بلادهم فوجئت بالقرار الإماراتي وأصيبت بخيبة أمل، مشيرة إلى أن ابن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية أرسل أمراء إلى أبو ظبي لإقناع الأخيرة بالتراجع عن قرارها لكن كلفة الحرب العالية جداً بالنسبة إلى أبو ظبي حالت دون الاستكانة إلى رغبة الرياض.كما نقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي مطّلع على الملف قوله إن مسؤولين كباراً في الديوان الملكي السعودي تدخّلوا في محاولة لثني الإمارات عن قرارها.

 

كما أوردت الصحيفة تصريحاً لمسؤول إماراتي وصفته بالرفيع قال إن الإماراتيين «سئموا» هذه الحرب، لكن السعوديين ما زالوا «يؤمنون بالنصر العسكري». وأضافت الصحيفة أن ذلك الاتجاه يعززه حديث مايك هندرمارش، وهو جنرال أسترالي متقاعد يقود الحرس الرئاسي الإماراتي، أمام زائرين غربيين، حيث قال إن اليمن أصبح بمثابة مستنقع تلعب فيه «أنصار الله» دور «Viet Cong اليمن»، في إشارة إلى الحركة المتمردة المسلحة في فييتنام.

ووفق الصحيفة، فإن المسؤولين الإماراتيين يقولون منذ أسابيع إنهم بدأوا انسحاباً جزئياً وتدريجياً من اليمن، لكن دبلوماسيين عرباً وغربيين يؤكدون أن تقليصاً مهماً لعديد القوات الإماراتية في اليمن قد بدأ فعلياً، وما يدفعهم إلى ذلك، هو رغبتهم في الانسحاب من حرب أصبحت كلفتها عالية جداً، حتى إن عنى ذلك إغضاب حليفتهم السعودية. في هذا السياق، يرى الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة، مايكل ستيفنز، أن الانسحاب يضع السعوديين أمام حقيقة تقول بأن «هذه الحرب فاشلة»، كما «يُظهر لنا أن شريكي (تحالف العدوان) لا يملكان تصوراً واحداً لمعنى نجاح هذه الحرب».

 

 

معهد واشنطن: انسحاب الإمارات قد يحيي الخلافات القديمة مع السعودية

 

نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، المقرب من البيت الأبيض، تحليلاً يرصد تداعيات الانسحاب الإماراتي من اليمن على السعودية والأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط.

التحليل الذي أعدته المتخصصة في الشؤون الخليجية واليمنية بالمعهد إلينا ديلوجر نشر تحت عنوان ” تخفيض التواجد العسكري للإمارات قد يعزل السعودية في اليمن”.

واعتبر التحليل أنه ” من شبه المؤكد أن قرار الإمارات يتسبب في توترات مع الرياض، التي يتعيّن عليها الآن إعادة التفكير في نهجها الخاص المعتمَد في الحرب. فسابقاً، كبَتَ الإماراتيون شعورهم بالإرهاق من الحرب وواظبوا على الحفاظ على جبهة موحّدة مع السعوديين”.

وأضاف أنه “كانت تلك الذهنية تتماشى مع النزعات الثقافية النموذجية حول إبداء الولاء، لكن يبدو أنها تغيّرت لسببٍ أو لآخر، مهددةً بكشف الانشقاقات وإحداث المزيد من التوترات خلال فترة من الحساسية المتنامية في الخليج”.

وأشار التحليل متحدثاً عن السعودية والإمارات أنه ” إذا بدأ وجههما العلني الموحَّد في التلاشي، قد تتفاقم الاختلافات القديمة بين الحكومتين. لذلك يتعيّن على الولايات المتحدة العمل مع حلفائها الخليجيين بنشاطٍ أكبر لضمان عدم تسبب هذه الاختلافات بمشاكل إضافية”.

وخلص التحليل إلى أنه ” إذا لم يسعَ السعوديون إلى إيجاد حل سياسي بصورة أكثر استباقية، سيوشكون على البقاء وحدهم لخوض حربٍ لا يمكنهم الفوز بها”.

(262)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,تقارير المراسل,عاجل

Tags: ,,,,,,,,,,,,,