ترجمة| كتاب السيطرة على الإعلام: العلاقات العامة وإدارة الرأي العام في النظم الديمقراطية – (الحلقة الثانية)

صحيفة المراسل| كتاب:

الإعلام.. تلك الآلة السحرية التي يمكنها توجيه الرأي العام إلى شيء وإبعاده عن آخر، وتحويلة إلى النقيض وتعبئته ونصوير ما ليس له وجود على أنه واقع ليس منه مفر، عن سيطرة الإعلام على الجماهير وعن السيطرة على الإعلام من قبل مجموعة محدودة ومعينة. يكتب الناشط السياسي والكاتب الأمريكي “نعوم تشومسكي”  كتاب ” السيطرة على الإعلام” بكلمات قليلة ومركزة وفصول ليست بالحجم الكبير، يكشف لنا هذا الكاتب فلسفة وسياسة التحكم في أجهزة ومؤسسات الإعلام، وذلك مع نماذج وأمثلة إلى بدايات القرن العشرين وتصل إلى يومنا هذا بل تتنبأ بالغد المقبل أيضاً.. ليس هذا فحسب وإنما تشمل الولايات المتحدة والدول التي تجاورها في القارة الجنوبية.. وأيضاً الدول الأوربية المختلفة، فمع هذا الكتاب يمكننا مشاهدة التأثير العميق للإعلام، وقدرة “البروباجندا” على خلق ثقافة الرأى العام توجه حتى ضد ما يريده.

ونظرا لأهمية ما يطرحه هذا الكتاب، وما يحويه من حقائق وتحليلات وأفكار تهم الباحثين والجمهور على حد سواء، تخصص صحيفة “المراسل” مساحة على صفحاتها لإعادة نشره على حلقات، ليستفيد منه الجميع..  وفيما يلي الحلقة الثانية:

 

العلاقات العامة

تعد الولايات المتحدة رائدة صناعة العلاقات العامة؛ ذلك أنها التزمت مبدأ السيطرة على العقل العام – على حد تعبير قادتها – الذين تعلموا الكثير من النجاحات التي حققتها لجنة كريل وكذا النجاح في خلق “الذعر الأحمر” [1] والعواقب التي خلفها. وقد توسعت صناعة العلاقات العامة بشكل كبير خلال ذلك الوقت، حتى أنها نجحت لبعض الوقت في إخضاع الرأي العام لحكم رجال الأعمال خلال العشرينيات، وقد بلغ الأمر حدا من التطرف إلى درجة دفعت بالكونجرس لتشكيل لجنة للتحقيق في بداية الثلاثينيات، ومن هنا تأتي معظم معلوماتنا حول القضية. فالعلاقات العامة تعد بمثابة صناعة ضخمة، وهم ينفقون ما يقارب البليون دولار سنوياً، ودائما هم ملتزمون بمبدأ السيطرة على العقل العام.

ففي الثلاثينيات بدأت تظهر مشاكل كبيرة كما حدث أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد كانت هناك موجة كساد وعملية تنظيم للعمالة، وفي حقيقة الأمر فقد فازت الحركة العمالية بأول نصر تشريعي لها في العام 1935، وهو حق التنظيم المعروف باسم “قانون واجنر” وقد أثار هذا الأمر مشكلتين حادتين: الأولى هي أن الديموقراطية لا تؤدي وظيفتها كما يجب، فالقطيع الضال يحقق فعلاً نصراً تشريعياً مع أنه ليس من المفترض أن يحدث ذلك، أما المشكلة الأخرى فتكمن في أنه أصبح بإمكان الناس التنظيم في حين أنه يجب أن يظل الناس منقسمين ومنفصلين ومفتتين، وليس من المفترض أن يكونوا منظمين؛ لأنه حينئذ ربما يتحولون إلى شيء آخر غير كونهم مشاهدين للحدث ولا مشاركين في صنعه.

وربما يكون بإمكانهم أن يكونوا مشاركين إذا نجح عدد قليل من الناس ذوي الموارد المحدودة في توحيد صفوفهم للدخول في الحلبة السياسية، وهو أمر يثير الفزع، وقد كان رد فعل جماعة رجال الأعمال كبيراً ، للتأكد من أن ذلك التشريع سيكون الأخير من نوعه للحركة العمالية، وأنه سيكون بداية النهاية لهذا الانحراف الديموقراطي للتنظيم الشعبوي. وقد كان فبالفعل كان ذلك آخر نصر تشريعي للحركة العمالية، ورغم تزايد عدد أعضاء الاتحادات العمالية خلال الحرب العالمية الثانية – ثم بدأ العدد في التناقص بعد الحرب – فإنه منذ ذلك الوقت بدأت القدرة على العمل من خلال الاتحادات العمالية في التناقض بشكل ثابت. ولم يكن الأمر من قبيل المصادفة، ذلك أننا نتحدث عن جماعة رجال الأعمال الذين يبذلون الأموال والاهتمام والفكر، في سبيل معرفة الكيفية التي يستطيعون من خلالها التعاطي مع هذه التشكيلات من خلال صناعة العلاقات العامة ومنظمات أخرى مثل المنظمة القومية للصناع والدائرة المستديرة لرجال الأعمال، فقد بدأوا العمل في الحال لإيجاد وسيلة ما لمواجهة هذا الانحراف الديموقراطي.

وكانت المحكمة الأولى في العام التالي 1937 حينما وقع إضراب عمال الحديد في غرب بنسلفانيا بجونز تاون، وحاول رجال الأعمال تطبيق طريقة جديدة لتدمير الحركة العمالية، وقد نجحت إلى حد كبير ليس من خلال تكسير الأرجل، حيث لم تعد تلك وسيلة مجدية، وإنما من خلال وسائل دعاية احتيالية وفعالة، وكانت الفكرة تتلخص في كيفية إيجاد وسيلة ما لتحويل عامة الجمهور ضد القائمين بالإضراب، وتقديم المضربين على أنهم مخربون ضد الجمهور والمصالح العامة، والماصلح العامة هي بيطبيعة الحال مصالحنا “نحن” رجال الأعمال، …. والعمال وربات البيوت، وهذا كل ما نعنيه بـ”نحن” نريد أن نكون معا ويكون بيننا تناغم وأن نعمل معا وتجمعنا هويتنا كما وأنهم يهددون هذا التناغم فقد نقضوا هويتنا الأمريكية، يجب علينا أن نوقفهم لنعيش معا، فالمسئولون التنفيذيون في الشركة وعمال النظافة لديهم ذات المصالح، ونحن بإمكاننا العمل معا، وأن نعمل للحفاظ على هويتنا الأمريكية في تناغم نحب بعضنا البعض. هكذا كانت الرسالة، وقد بُذلت جهود خارقة لتقديمها، فهذا على كل حال هو مجتمع رجال الأعمال الذي يسيطر على وسائل الإعلام، ولديه موارد هائلة، وقد نجحت بفعالية شديدة ثم أطلق عليها لاحقاً صيغة “وادي موهوك” وتم تطبيقها مراراً وتكراراً للقضاء على أعمال الإضراب، وكان يطلق عليها الطرق العلمية للقضاء على الإضراب، وكانت طرق ذات فعالية في تعبئة الرأي العام لصالح مبادئ تافهة وخاوية من المعنى مثل الهوية الأمريكية، من بإمكانه أن يقف ضد هذا؟ أو ضد التناغم؟ من بإمكانه الوقوف ضد ذلك؟ أو كما حدث في حرب الخليج الثانية “أيدوا قواتنا” من بامكانه أن يكون ضد ذلك؟ في حقيقة الأمر ماذا يعني؟ إذا سالك شخص ما عما إذا كنت تؤيد الناس في ولاية أيوا؟ هل تجيب بنعم أؤيدهم أو لا أؤيدهم؟ هو حتى ليس بسؤال؛ لأنه لا يعني شيئاً وهذا بالأساس هدف شعارات حملات العلاقات العامة مثل “أيدوا قواتنا” وهو أنه لا يجب أن يعني أي شيء؛ لأنه بذات معنى ما إذا كنت تؤيد الناس في أيوا. بطبيعة الحال كان هناك موضوع ما هو هل تؤيد سياستنا؟ ولكنك لم ترد أن يفكر الناس بهذا الأمر بالذات، وهذا هو الهدف الأساسي من الدعاية الجيدة، تريد عمل شعار ما لن يكون بإمكان أحد الوقوف ضده، وسيصطف خلفه الجميع.

فلا أحد يعرف ماذا يعني؛ لأنه في واقع الأمر لا يعني شيئاً على الأطلاق، وقيمته الأساسية تكمن في كونه يشتت الأنتباه عن سؤال ذي معنى آلا وهو هل تؤيد سياستنا؟ وهو السؤوال الذي ليس مسموحاً لك بالحديث عنه؛ ولذا تجد أناساً يتجادلون بشأن تأييد القوات، بالطبع أنا لا أعارض تأييد القوات إذا تمكنت من جعل النقاشات تبلغ هذه المرحلة من الجدل… فقد فزت إذن، وهذا الأمر أشبه بمبادئ مثل الهوية الأمريكية أو التناغم، أو أننا معا، فهي شعارات جوفاء ويكون لسان حال رجال الأعمال فلننضم إليهم إذن، ولنتأكد من أن هؤلاء الأشخاص السيئين يهدفون لتخريب هذا التناغم بحديثهم عن صراع وحقوق الطبقات. هذا الأسلوب فعال للغاية، وهو مستمر حتى اللحظة ويتم التحضير له بعناية، فالعاملون في مجال العلاقات العامة ليسوا هناك للترفيه. هم يقومون بعمل جاد، ذلك أنهم يحاولون تلقين القيم الصحيحة – وفق رؤيتهم هم-، بل في واقع الأمر لديهم تصور عما يجب أن يكون عليه الديموقراطية، حيث يجب أن تكون نظاماً يسمح فيه للطبقة المتخصصة بالتدرب للعمل في خدمة السادة – أي أولئك الذي يملكون المجتمع – أما بقية المجتمع فيجب حرمانه من أي صورة من صور التنظيم؛ لأن التنظيم يقير المشاكل، حيث يجب أن يجلسوا بمفردهم أمام شاشات التليفزيون وأن يلقنوا رسالة مفادها أن القيمة الأساسية في الحياة هي أن يتوافر لديك أكبر كمية من السلع، أو أن تعيش مثل الطبقة الغنية المتوسطة التي تشاهدها، وأن تتبنى قيما ً لطيفة مثل التناغم والهوية الأمريكية، هذا كل ما هنالك في الحياة قد تسول لك نفسك بأنه ربما هناك أشياء أخرى في الحياة، ولكنك تقول حينئذ إنه ربما أصابك الجنون للتفكير بذلك؛ لأن هذا هو كل شيء يحدث هناك. وبما أنه غير مسموح بالتنظيم، وهو أمر غاية في الأهمية؛ إذ ليس باستطاعتك معرفة ما إذا كنت بالفعل مجنوناً أم أنك تفترض ذلك؛ لأن ذلك الافتراض يبدو طبيعياً. إذن هذا هو الانموذج، وتبذل جهود هائلة في سبيل تحقيق هذا الانموذج.

من الواضح أن ثمة تصوراً ما وراء هذا، وتصور الديموقراطية هو الذي أشرت إليه فالقطيع الضال يعد مشكلة وعلينا منعه من الزئير ووقع الأقدام، عليهم أن ينشغلوا بمشاهدة أفلام العنف والجنس، أو المسلسلات القصيرة، أو مباريات الكرة … وبين الفينة والأخرى تستدعيهم ليرددوا شعارات لا معنى لها مثل “ساندوا قواتنا”، وعليك أن تجعلهم خائفين طوال الوقت؛ لأنه إذا لم تتم إخافتهم من كل أنواع الشياطين التي ستقضي عليهم من الداخل والخارج، فربما يبدؤون بالتفكير، وهو أمر جد خطير؛ لأنهم ليسوا مؤهلين للتفكير؛ ولذا من المهم تشتيتهم وتهميشهم. هذا هو تصور الديموقراطية. وفي حقيقة الأمر إذا عدنا لمجتمع رجال الأعمال فإن النصر التشريعي الأخير للحركة العمالية كان في عام 1935 والمعروف باسم “قانون واجنر”. بعد وقوع الحرب تدهورت حالة الاحادات العمالية وتدهورت معها ثقافة غنية للطبقة العمالية التي ارتبطت بتلك الاتحادات. كل ذلك تحطم، وتحولنا إلى مجتمع يديره رجال الأعمال بشكل مذهل، وهو مجتمع صناعي تديره دولة رأسمالية، ولا يتمتع حتى بالعقد الاجتماعي الطبيعي الذي تجده في مجتمعات مماثلة. فبالإضافة لمجتمع جنوب أفريقيا، أعتقد أنه المجتمع الصناعي الوحيد الذي يتمتع بنظام تأمين صحي، ليس هناك أي التزام حتى لمعايير دنيا من العيش للأفراد الذين ليس بإمكانهم مجاراة تلك القواعد أو أن يحوزوا أشياء بأنفسهم وبشكل فردي، فالنقابة غير موجودة فعليا، كما أن الأشكال الأخرى من البنا ءالشعبوي أيضا غير متاحة بالمرة، ولا يوجد أحزاب أو منظمات سياسية، والطريق طويل لتحقيق الأنموذج على الأقل من الناحية البنائية، ووسائل الإعلام تحتكرها الشركات، فهم لديهم رؤية واحدة، وكلا الطرفين لا يعه إلا أن يتبع جماعة رجال الأعمال، ومعظم السكان لا يهتم حتى بالتصويت؛ لأنه يبدوا بلا معنى فهم مهمشون ويتم تشتيتهم. على الأقل هذا هو الهدف الآن، وأحد الاشخاص المرموقين في صناعة العلاقات العامة – وهو إدوارد بير نايز- كان بالفعل عضوا في لجنة كريل، لقد كان جزءاً منها وتعلم الدرس ثم قام بتطوير ما أسماه بـ”إدارة الإجماع” والتي يصفها بأنها جوهر الديموقراطية. والناس الذين لديهم القدرة على إدارة الإجماع هم الذين لديهم الموارد والقوة لفعل ذلك، وهم مجتمع رجال الأعمال، وهولاء من يجب أن تعمل لديهم.

 

إدارة الرأي العام

من المهم بمكان حفز الرأي العام لتأييد مغامرات السياسة الخارجية، وعادة ما يكون الناس مسالمين مثلما كانوا أثناء الحرب العالمية الأولى، ذلك أن عامة الجمهور لا يجدون سببا للتورط في مغامرات خارجية أو عمليات قتل وتعذيب ولذا لابد من تحفيزهم، ولفعل ذلك لابد وأن تثير مخاوفهم، وقد حقق بيرنايز إنجازات في هذا المجال، فقد كان مسئولا عن إدارة حملة العلاقات العامة لشركة يونايتد فروت في عام 1954 حينما حاولت الولايات المتحدة التدخل للإطاحة بالحكومة الليبرالية الديموقراطية لجواتيمالا، وأقامت بدلا منها مجتمعا ًمن فرق الموت القاتلة، والتي ما زالت قائمة حتى اليوم من خلال التدفق المستمر لأموال المساعدات الأمريكية لمنع أي انحراف ديموقراطي، ومن المهم بمكان محاولة تسويق البرامج المحلية التي يعارضها عامة الجمهور، لأنه ليس هناك سبب لجعل الجمهور يدعم برامج محلية ليست في صالحه، وهذا الأمر أيضاً يتطلب دعاية، وقد رأينا أمثلة على ذلك خلال العشر سنوات الماضية، فبرامج ريجان كانت غير شعبية على الإطلاق، والناخبون الذين صوتوا في الانتخابات التي حقق فيها ريجان نصراً وإذا ما تناولنا برامج بعينها مثل التسلح وخفض النفقات الاجتماعية، كان الجمهور يعارض – تقريبا- كل هذه البرامج، ولكن يجب أن يظل الناس مهمشين ومشتتين وليس لديهم طريقة للتنظيم ولا بإمكانهم التعبير عن مشاعرهم، أو حتى أن يعلموا أن الآخرين لديهم ذات المشاعر. والناس الذين يفضلون النفقات الاجتماعية عن النفقات العسكرية، الذين قدموا إجابات في استطلاعات الرأي كما فعل الناس بشكل كبير، افترضوا أنهم الوحيدون الذين لديهم تلك الافكار المجنونة، فهم لم يسمعوها من أي مكان آخر. فليس من المفترض أن يفكر أحد هكذا، وبالتالي إذا فكرت هكذا وأجبت في استطلاعات الرأي، فأنت تفترض إذن أنك ربما تكون غريباً، وبما أنه لا توجد وسيلة ما للالتقاء مع أناس آخرين يشاركون أو يؤكدون وجهة النظر تلك ويساعدونك على شرحها، سوف تشعر بالاستهجان، وبالتالي تظل على الهامش ولا تهتم بما يحدث، تهتم بشيء آخر مثل مباريات الدوري.

إلى حد ما إذن تحقق هذ الانموذج، فهناك مؤسسات كان من المستحيل تدميرها مثل الكنائس التي ما زالت موجودة، وقسم كبير من النشاط المعارض في الولايات المتحدة نابع من الكنائس؛ لسبب بسيط هو أنها ما زالت موجودة، فحينما تذهب دولة أوروبية لتقديم محاضرة سياسية من المحتمل أن تعقد في أحد الاتحادات، أما هنا في الولايات المتحدة فلن يحدث ذلك؛ لأن الاتحادات أو النقابات نادراً ما تتواجد، وإذا تواجدت فهي ليست منظمات سياسية، ولكن الكنائس موجودة ولذا عادة ما تعقد المحاضرات والندوات في الكنائس، وأنشطة النضال في أمريكا الوسطى تمت في الكنائس، وذلك لأن الكنائس كانت موجودة. والقطيع الضال لا يتم ترويضه بشكل سليم؛ ولذا فهذه معركة مستمرة، وفي الثلاثينيات ثاروا مرة أخرى وتم إخمادهم، وفي الستينيات كانت هناك موجة أخرى من المعارضة وأطلقت عليها الطبقة المتخصصة “أزمة الديموقراطية”. فالديموقراطية كان ينظر لها على أنها على وشك الدخول في أزمة الستينيات، والأزمة كانت عبارة عن أن أقساماً كبيرة من السكان أصبحت أكثر تنظيماً ونشاطاً، وكانت تسعى للمشاركة في العملية السياسية. وهنا نعود مرة أخرى للحديث عن فهمين للديموقراطية: وفق التفسير القاموسي هذا (تمهيد) للديموقراطية، وفق التصور السائد هذه (مشكلة أو أزمة) لابد من تخطيها، حيث لابد من دفع الجمهور للتبلد والطاعة والسلبية، وهي الحالة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها الجمهور، ولذلك يجب عمل شيء ما للتغلب على هذه الأزمة، وقد بذلت بالفعل جهود لتحقيق ذلك غير أن الأمر لم ينجح، وما زالت أزمة الديموقراطية حية وقائمة، ولكن لحسن الحظ ليست مؤثرة في تغيير السياسيات، بيد أنها مؤثرة في تغيير الآراء على نقيض ما يعتقده الكثيرون. لقد بذلت جهود كبيرة بعد الستينيات لمحاولة التغلب على هذا الداء، وإحدى صفات هذا الداء أطلق عليها اسم فني وهو “أعراض فيتنام” وهو مصطلح بدأ في الظهور في السبعينيات، وقد عرفه تورمان بودهورتز المفكر الموالي لريجان بأنه المخاوف المرضية ضد استخدام القوة العسكرية، وقد كانت هناك بالفعل مخاوف مرضية ضد استخدام العنف من قبل أعداد كبيرة من الجمهور، ولم يفهم الناس لماذا نعذب الناس ونقتلهم ونهاجمهم بالقنابل، فمن الخطير بمكان أن يكون الناس محكومين بهذه المخاوف المرضية، كما فهمها جويلز؛ لأنه آنذاك ستكون هناك حدود على المغامرات على صعيد السياسة الخارجية، ومن الضروري – كما أشارت جريدة الواشنطن بوست بشكل لا يخلو من الفخر خلال هستيريا حرب الخليج – تلقين الناس احترام “القيم العسكرية”، وهذا أمر مهم إذا أردت مجتمعا ًقائما على العنف، يوظف القوة العسكرية حول العالم لتحقيق أهداف النخبة المحلية، فمن الضروري أن يكون هناك تقدير ما للقيم العسكرية، وألا يكون هناك وجود لتلك المخاوف المرضية حول توظيف العنف، هذا هو عرض فيتنام، ومن الضرورة بمكان التغلب عليه.

(1) مصطلح يُطلق على حملة التخويف من الشيوعية.

 

ترجمة| كتاب السيطرة على الإعلام : حقيقة الإعلام في النظام الديمقراطي (الحلقة الأولى)

(219)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,صحافة وترجمات,عاجل

Tags: ,,