من كتاب “رحلة خلف القضبان”: زنازين الأمن السياسي (الحلقة التاسعة)

المراسل | كتاب

في العام 2016، انطلق الطالب “أمير الدين جحاف” من صنعاء قاصدا الوصول إلى جمهورية مصر العربية لإكمال دراسة الطب، لكن الرحلة لم تكتمل، فعلى حدود مدينة مأرب قامت قوات حكومة هادي باعتقاله تعسفا، وزجت به في المعتقلات لأكثر من عامين، بدون أي وجه حق، ولم يكن الوحيد الذي تعرض لهذه الجريمة، كما لم يكن الاعتقال التعسفي هو الجريمة الوحيدة التي تعرضوا لها.

عقب خروجه في صفقة تبادل، كتب جحاف كتاب “رحلة خلف القضبان” موثقا فيه شهادته عن ما رآه وعايشه وعانى منه داخل سجون “مأرب” طيلة تلك الفترة، ومارواه في هذا الكتاب لم يكن بما حواه من فضائح وفضائع مجرد انطباعات أو حتى سردا لتجربة شخصية منفصلة، بل مثل وثيقة تأريخية تدين سلطة كاملة كان نظام حكمها “الوحشية” ودستورها “السادية” واستمدت “شرعيتها” من كل ما يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.

ونظرا لأهميته كشهادة هي الأوفى تفاصيلا عن ذلك المسرح الدموي الذي لم تستطع أضواء الإعلام حتى الآن أن تبدد العتمة التي تغلفه، تعيد صحيفة “المراسل” نشر هذا الكتاب ضمن صفحاتها على عدة حلقات.. وفيما يلي الحلقة التاسعة:

 

الأمن السياسي

بعد أيام قاموا بتفريغ أماكن داخل السجن ونقل المساجين إلى الغرف بعد أن أصبح العدد قليلاً. وفي الليل المتأخر قاموا بإطفاء الكهرباء، عند إحضار بعض المساجين وكانوا أسرى أتوا بهم من سجن آخر، كنت أحس أنه سيتم نقلنا لسجن آخر وبالفعل تم مناداتنا وأخرجونا صفاً واحداً بعد الربط على أعيننا وضربنا للتحرك بسرعة، هكذا كما يفعل راعي غليظ القلب مع مواشيه، إلى اسفل العمارة حتى وصلنا إلى شاحنة تفوح منها روائح ماشية قاموا برمينا فيها والتهديد بعدم رفع الرأس وتقييد أيدينا بكلابش بلاستيكية قوية.

وعند وصولنا امرونا بالنزول و كان البعض يسقط من الشاحنة على وجهه والبعض على ركبته كون اعيننا مغطاة لا  نرى شيئاً وأيدينا مربوطة للخلف. طارق الرضي احد المعتقلين، من أبناء محافظة حجة مديرية بني العوام تضرر وجهه بالسقوط عليه والبعض يده ورجله، بعد وصولنا قاموا بأخذنا كصف باتجاه الداخل ونحن مقيدون من الخلف حتى دخلنا السجن واستلمنا جنود آخرون. كان شكل المبنى مخيفاً، الجدار متقرش طلاؤه والابواب الحديدية غليظة، وكتابات على الجدران لسجناء من تنظيم القاعدة يظهر من كتابة التواريخ المثبتة عليها عودتها إلى ما قبل   2005 م و2004 م و2003 م.

قاموا بصفنا وفك قيودنا وادخالنا الزنازين الانفرادية مساحتها متر ونصف ×مترين، وتم حشر حوالي من ستة إلى خمسة أشخاص في كل زنزانة، لم نكن نعرف كيف نمد أرجلنا وكانت الكهرباء مطفأة، كانت النافذة في الزنزانة مرتفعة إلى السقف وفيها حديد عمودي لمنع الهروب، تذكرت وقتها وصف الأسير ( الراعي عكباري) فعرفت أننا في زنازين الامن السياسي.

فجأة سمعنا برقاً ورعداً وبدأ المطر يهطل.. إحساس رهيب.. زخات مطر لم نعد نتعرض لها منذ فترة طويله.

كان بباب الزنزانة التابعة لنا نافذة صغيرة يمكنك من خلالها مشاهدة الصالة، اقترب رجل إلينا وبدأ يحدثنا: لا تقلقوا نحن أخوتكم في السجن وأنتم الان بسجن الأمن السياسي.

أنا مسجون هنا منذ عام وتسعة أشهر أسمي المحامي عبد الله عبدالكريم المحطوري من أبناء محافظة حجة مديرية المحابشة أسكن مدينة مارب لأكثر من عشرين سنة. كان يبدو في الأربعينيات من عمره كان ممن وجدناهم قبلنا  في السجن ومنهم:

*محمد الوشلي من أبناء محافظة ذمار يعمل كجندي في لواء صافر قبض عليه وهو ذاهب لمقر عمله.

*رمزي الجنيد من أبناء محافظة تعز جندي بالشرطة العسكرية بمارب  تم القبض عليه  بسبب لقبه.

* محمد العزي من صعدة مغترب بالسعودية قبض عليه وهو عائد لبلاده.

*نصار الخولاني من محافظة صنعاء،جندي بمارب.

*حسن السداسي أسير من الجوف، ابن عمه محمد ناجي مريط الذي توفي في السجن السابق، ولم يكن يعرف بوفاته وحين أخبرته تألم كثيراً.

*بالنسبة للمحامي عبدالله المحطوري، كان من أكثر الشخصيات جذباً للإنتباه لثقافته الواسعة جمعتني به علاقة طيبة فكان بمثابة مرجع لي  بالسجن الجديد وكأخ كبير، كان يعمل في مدينة مارب منذ سنين طويلة في هيئة الزراعة ومحامياً في المحكمة بمارب، كان يملك منزلاً بمدينة مارب بمنطقة اسمها الكامب، وكان متزوجاً وليس له أولاد، وعندما تمت سيطرة الشرعية على مارب اقتحموا منزله بعدة أطقم وتم نهب محتوياته وأثاثه وتسكين حاشيتهم بالمنزل، وكذلك نهبت سيارته أيضاً بتهمة أنه زعيم خلية حوثية واقتادوه إلى سجن في آل شبوان بوادي عبيدة في مارب، وكان هو السجن الأول قبل سجن الصالح والأمن السياسي وكانت تمارس فيه أبشع الجرائم حسب وصفهم لنا. جرى أيضاً اعتقال أحد زملائه وأصدقائه  عبدالكريم العنسي كان يعمل معه في محكمة مارب، بتهمة أنه مشترك معه، وتم تعذيبهما بطريقة وحشية، وقد ضرب المحطوري على جبهته بالمطارق حتى تورمت جبهته وحجبت عنه الرؤية، وحتى عندما كنا بالسجن، ظل متأثراً يعاني من صعوبة في الرؤية ،تم استخدام الصاعق الكهربائي معه وتعليقه لأيام وربطه ونتف اظافره ثم صعق مكان الاظافر بالكهرباء واستخدام النار معه في التعذيب وقاموا بإشعال بوتاجاز كهربائي وتسخينه وكويه به في مؤخرته وظهره، وبعد ستة شهور أتى إليه أبو فيصل(مسؤول السجن سابقاً) وقال له نحن نعتذر لما حصل لك من تعذيب ولكن لا نستطيع إخراجك فأنت محطوري وهناك من أقاربك في صنعاء ويجب أن يخرجوا مقابلك أسيراً لكي تخرج، كانوا في فترة التحقيق يقومون بفتح حقيبته الخاصة وقراءة قصائد كتبها  أيام الثانوية، وابتزازه بصورته هو وزوجته -أسلوب قبيح ورخيص- والتعدي على خصوصياته في منزله. عندما أخبرنا أنه قد مضى عليه سنة وتسعة شهور وكذلك رمزي الجنيد وغيره ممن قضوا فترات طويلة أُصِبنا باليأس.

وفي أول يوم مضى علينا بالأمن السياسي انتظرنا وقت بزوغ الفجر لكي نراه من النافذة بعد 11 شهر بالنسبة إليّ شخصياً ولأول مرة رأينا الضوء الحقيقي من الشمس وأصوات العصافير التي تصل إلينا من شجرة نراها من نافذة زنزانتنا، انتظرنا الفطار وكان الفطار في أوانٍ حديدية بعد أن كنا نأكل في أكياس حرارية، طيلة الفترة السابقة، كان الأكل مطبوخاً أفضل نوعاً ما من السجن السابق في بداية الأمر، ثم أصبح أسوأ فأسوأ وكانت الأواني قد تبرع بشرائها أحد الاسرى كما أخبرنا البعض من ماله الخاص بعد أن زاره أحد المقربين له واعطاه المال.

وكان أبو عياش برفقة أبو ثريا و قائدهم أبو الحسن جنود بالسجن وبعد فترة تم تغيير القائد وجيء بشخص جديد يدعى أبو محمد، كانت المعاناة قد خفت نسبياً عن المساجين مقارنة بالسجون السابقة، على أن الضرب وإن لم يعد بشكل مستمر إلا أنه ظل موجوداً.

كنت في الزنزانة الصغيرة و مع بداية شهر أغسطس 2017م واقتراب عيد الأضحى، ازداد الحر أكثر فأكثر، كنا ستة اشخاص بالزنزانة وهم:

*توفيق أحمد معصار رياش من المحويت، كان مسافراً إلى شبوة  للعمل كصيدلي  وهو خريج كلية الصيدلة وتم القبض عليه بتهمة أنه كان يعمل كصيدلي في مديريته مع أنصار الله.

*واثنان من آل الذيب من مديرية يريم محافظة اب كانا بائعي قات، وقد تم أخذهما من السوق، وكان أحدهما مكسورا ضلعه من التعذيب في السجن السابق.

*وهشام المداني مغترب من 2011 م في السعودية  كان عائداً لزيارة زوجته وأولاده ولكن لأسباب عنصرية عرقية سجن.

*وعرفات شعيب من مديرية ثلا محافظة عمران صغير في العمر، ذهب لمارب بحثاً عن رزقه ويعمل كحمال للغاز تم القبض عليه وهو يمشي ليلاً في أحد الشوارع، والمبرر عدم امتلاكه بطاقة شخصية تعريفية.

كنا جميعاً في  مساحة صغيرة (متر ونصف × مترين) مغلق بابها كنا نتصبب عرقاً ورفعنا البطانيات التي تحتنا وكانت أرضية البلاط تمتلئ ماء من شدة العرق، وجدنا كرتون بالغرفة وكنا  نحرك به الهواء وقطعناه قِطعاً، وكنا حين نملك كرتون وكأننا نملك مكيفاً، كان الهواء من حولنا ساخناً لا نستطيع التنفس، فمارب جوها صحراوي، ذات يوم نام متعب الذيب ووضع الكرتون على صدره لدقائق، استيقظ والكرتون قد انتهى، تبلل بالكامل وكأنه رماه في حوض ماء، حزن حزناً شديداً لفقدان كرتونه، وكنا لا نقدر على حمل الملابس على أجسادنا من شدة الحر، أما النوم فكنا ننام بالتناوب لشدة الازدحام، كان عند فتح الباب للخروج إلى الحمام يدخل نسيم بارد من الصالة  ليخفف علينا الحر، فكان من في الصالة أيضاً من السجناء يعانون من الحر الشديد، كنا نحس عند فتح الباب ودخول التيار الهوائي أننا نتنفس قليلاً في تلك اللحظة. كان السجن عبارة عن جزأين أو سجنين يفصلهما جدار كبير فكان في الجهة المقابلة مجموعة من الأسرى، تم نقلهم بعد فترة وبقي مجموعة من المعتقلين في تلك الجهة كان يبلغ عددنا خمسة وستين شخصاً تقريباً وكان في سجننا ثمان زنزانات انفرادية بكل واحدة من خمسة إلى ستة وأكثر، أما البقية فكانوا في الصالة سأتحدث عن بعض من عرفتهم بالتفصيل عن قضاياهم.

*كان هناك فرض أبو طالب حيث ذهب فرض للبحث عن لقمة عيشه يعيل بها أسرته في صنعاء بعد توقف المرتبات كان مسافراً إلى المهرة للعمل كمدرس لمادة الاجتماعيات، حيث نصحه أحد زملائه أنه بإمكانه ان يتقاضى مبلغاً محترماً لقاء دروس خصوصية، وفور وصوله على متن حافلة، في (نقطه الفلج) تعرض للاختطاف والاخفاء القسري وقد خرج بعد فترة خلال عملية تبادل. والآن هو مصاب بحالة نفسية بسبب ما تعرض له من تعذيب وضغوطات نفسية حادة، من قبل أولئك المتوحشين.

*كان معه بالغرفة مجنون مختل عقلياً يدعى علي أبو ست رجل أسمر من الجوف من مديرية الزاهر، تم القبض عليه وإيداعه بالسجن وتعرض للضرب والتعذيب، وكونه مختلاً عقلياً كان يعاني من معه لعدم نظافته حيث تنبعث منه ريحة نتنة.

*كان معهم ايضاً رجل يبلغ من العمر حوالي الأربعين اسمه هاشم الشميري من تعز كان مسجونا في السعودية لأكثر من خمس عشرة سنة بحكم صدر عليه، وعند ترحيله من السعودية تم القبض عليه، والمبرر أنه ليس لديه أي بطاقة تعريف وايداعه في السجن معنا، وقد وضعت (الفلكة) في قدميه وتعرض للضرب بالكابل الحديدي.

*كان معهم أيضاً في تلك الزنزانة ضيف الله الوهبي من أبناء محافظة البيضاء، كان يلبس لبس أفغاني، ذا لحية كبيرة، لا يجيد الكتابة والقراءة، ولكنه يجيد الخطابة.

*ومعهم أيضا صالح أبو نسران  من مديرية أرحب، ذهب لزيارة أحد اصدقائه، في مارب، وتم القبض عليه هناك.

*ياسر المجهدي شاب في العشرينيات من عمره من أبناء مديرية حزم العدين محافظة إب، يسكن بمارب منذ سنين، لديه أصدقاء من منطقة الأشراف بمارب، تجمعه بهم علاقة طيبة، يعمل في محل ملابس، تم أخذه إلى السجن. وقد أتت أمه إلى سجن الأمن السياسي لزيارته مرات عديدة ولكنها منعت من رؤيته، وعندما تواصل بها عبر الهاتف أخبرته أن والده، الذي يعاني من مرض بالقلب، توفي بعد سجنه بخمسة أشهر قلقاً عليه وأنهم أخذوا منها مبالغ مالية لكي يسمحوا لها بزيارته. ولم تتمكن من زيارته إلا بعد أشهر تم خلالها ابتزازها مالياً وتعذيبها نفسياً.

*فؤاد أبو راس من أبناء محافظة إب كان جندياً في لواء العمالقة غرر به أحد أصدقائه مشجعاً إياه بالنزول وحين نزل تم سجنه.

*الحاج ناصر من أبناء محافظة صعدة من منطقة متاخمة لمحافظة الجوف، في السبعينيات من عمره، يعاني من مرض السكر، تم سجنه في نقطة بالجوف بعد أن كان ذاهباً للحصول على قمح لأسرته، وكانت حجتهم أن ابنه يعمل مع أنصار الله، انتشرت الصنافير بوجهه وجسمه و كان يصاب برعشة شديدة. فقد عانى كثيراً من مشكلة صحية: السكر، وباء الصنافير، تقدم العمر ما جعله يتكئ على الجدار حين يمشي.. لا أعلم أي قلوب يمتلكون تجعلهم يسجنون رجلاً كبيراً كالحاج ناصر. قال له من قبضوا عليه، أنه سيمكث سنة في السجن وفعلاً مكث سنة وخرج بعد معاناة شديدة.

*أبو بكر العرشاني شاب في العشرينيات من عمره، بعد أن غرر به أحد أصدقائه ذهب إلى مارب غرض الحصول على عمل هناك، وتم سجنه بتهمة أن والده خطيب جامع الشعب (الصالح سابقاً).

*محمد الجمرة من أبناء منطقة بني حشيش صنعاء، يعمل بائع قات، ذهب بحثاً عن رزق أسرته، عمل لفترة أسبوع في سوق قات بمارب، بعد فترة تشاجر مع أحد الزبائن وكان الزبون له علاقة ببعض أصحاب الأمر بمارب، فاستقوى بهم عليه وتم سجنه لفترة طويلة.

*طارق الرضي من محافظة حجة مديرية بني العوام، مغترب منذ سنين في السعودية يعيل أسرة كبيرة، عاد إلى اليمن لزيارة أهله، وعند رجوعه للسعودية تم القبض عليه بتهمة أن عمه عضو مجلس النواب.

*محمد البياضي وابن عمه قاسم البياضي تاجران من صنعاء منطقة همدان، لديهما ناقلات نفط تقوم بجلب الديزل والبترول إلى صنعاء، تم القبض عليهما مع ناقلتهما، وكان السبب أن عمهما مع انصار الله، وبقيت ناقلة الديزل التابعة لهما محتجزة لأكثر من سنة إلى أن تم الافراج عنهما. والعديد من أصحاب الشاحنات والبضائع كانوا مسجونين، وكانت شاحناتهم محتجزة لسنين في منطقة المطار بمارب. وهناك مجموعة من التجار كانوا يقبضون عليهم وهم مسافرين، البعض إلى كوريا والبعض إلى الصين بتهم باطلة منهم تجار من آل السواري تم القبض عليهم وغيرهم العديد.

*ابراهيم سلبة من أبناء محافظة حجة مديرية بني العوام، جندي في جزيرة سقطرى لا يمتلك غير راتبه ولديه أطفال بالإضافة أن زوجته مصابة بمرض الصرع، أخبروه بأن هناك لجنة لصرف المرتبات في مارب تابعة لمعسكره، فقرر أن ينزل لاستلام المرتب نزل في المرة الأولى ولم يتعرض لشيء، وفي المرة الثانية تم القبض عليه.

*يونس عاطف من أبناء محافظة عمران منطقة ثلا، سائق باص ذهب بحثاً عن رزقه وكان أحد جيرانه وليد عباد يعمل سائق شاحنة، قد سجن قبل فترة، وكان يعمل ويسأل عن جاره، ومكان سجنه؟ فأخبروه أنه موجود هنا في سجن المحكمة، ووعدوه أنهم سيفرجون عنه، طالبين منه أن يأتي إليهم، وحين أتى قاموا بإدخاله سجن المحكمة، وكان المسؤول عن سجنه أحمد حنشل (أبو أسامة)، مكث يونس في السجن فترة، وقد ولدت له زوجته طفلة ولم يعلم عن ولادتها شيئاً، في فترة سجن الأمن السياسي جاء أحمد حنشل (أبو أسامة)   فأخبر يونس أن أسمه ليس موجود في كشوفات السجناء وأنه مسجون طيلة هذه الفترة مضيعه للوقت، هكذا وبكل صلافة و وقاحة يخبره حنشل بأنه يعلم أن لا مسوغ قانوني  لسجنه وإنما (مضيعة للوقت) نوع من العبث بالناس.

*بائع البطاط مطهر الهتار من يريم محافظة إب، ذهب إلى مارب لشراء البطاط بسعر أقل، ليتم زراعته بمنطقتهم في موسم البطاط، تم القبض عليه بتهمه أن اخاه الذي أصغر منه في السن ينتمي لأنصار الله وتم سجنه معنا.

*فواز المراني من أبناء مديرية بني مطر سائق شاحنة، تم احتجازه وسجنه لفترة.

*حمود عباد، في الثلاثينيات من عمره، من أبناء منطقة ثلا محافظة عمران يعمل سباكاً وكهربائياً، ذهب إلى مارب للعمل في إحدى المباني الحديثة وله فترة يعمل بمارب وعند خروجه لصلاة العصر في الجامع تم القبض عليه وكان يعاني، نفسياً كثيراً في السجن.

*محمد السراجي من أبناء محافظة صنعاء منطقة سنحان، يسكن بمنطقة التحرير، يعمل كجندي تابع لقوات النجدة في المهرة، تم القبض عليه وهو عائد إلى صنعاء في اجازة لزيارة أهله، أصيب بالأمراض وعانى كثيراً من التعذيب، فهو أحد الأشخاص الذين تعرضوا للضرب والضغط على أعينهم، حتى فقدوا الرؤية لفترة.

*عبدالفتاح الدجرة من محافظة المحويت شاب يعمل بائعاً للآيسكريم، تم سجنه في الغرفة المعزولة بالدور الأول بسجن الصالح السابق ونقل معنا إلى الأمن السياسي   ومكث معنا فترة طويلة، لا يملك سوى الايسكريم وجهاز ونان لمناداة الزبائن.

*كمال الحيسة، من أبناء محافظة ذمار يسكن بصنعاء، مصاب بحالة نفسية، وساءت حالته أكثر مع السجن كان جندياً وزميلاً لإبراهيم سلبة في جزيرة سقطرى، نزل من أجل مرتبه وتم سجنه وتعذيبه، وكان يعاني من صعوبة في الفهم والاستيعاب، وبسبب هذا، تعرض للضرب والتعذيب وبقي مقيداً في رجليه ولم يتم نزع ذلك القيد إلا بعد فترة.

*منير المشرعي من أبناء محافظة الحديدة يعمل مع عمه شقيق والده بمطعم في مارب كمحاسب، ولديهم مطعم في الحديدة يسمى مطعم الحديقة اثناء زيارة رئيس اللجنة الثورية آنذاك للحديدة التقط صوراً معه، تم القبض عليه لهذا السبب وقاموا بتعذيبه تعذيباً شديداً وكسرت أسنانه الأمامية.

*عبدالله العبسي من أبناء مديرية خبت النويرة محافظة المحويت يسكن بصنعاء متزوج وله طفلان، في عام 2006 م، سافر لإيران لأغراض تجارية ولديه بجوازه تأشيرة لإيران سجن في صنعاء آنذاك لسنة بتهمة (ايران ) وبعدها تم العفو فشمله ضمن من أطلق سراحهم، وبعدها دخل بسبب قضية جنائية السجن المركزي سجن هناك 5 سنين، عند خروجه من السجن المركزي بصنعاء بعد تعرفه على أحد الأصدقاء من آل عوشان بمارب دعاه للعمل بمحطة بترول لديهم في مارب، لم يكن يحمل بطاقه شخصية بل كان لديه جوازه الذي ظل محتفظا به، وعند وصوله إلى مارب تم القبض عليه بتهمة (تاشيرة إيران عام 2006 م).

وكان عندما يأتي أحد المسؤولين يقوم بإخبارهم: لقد عفي عني بقرار لرئيس الجمهورية في 2006 م-2007م، والان لماذا أنا في السجن يجيبونه دائماً: أنت زرت ايران ولا يعفى عنك. بالرغم أنه من مواليد السعودية الطائف وليس له أي علاقة بأي طرف إلا انه لم يسلم من السجن.

*علي الشرفي من محافظة حجة مديرية الشاهل ساكن بصنعاء، يعمل في منفذ الوديعة كمخلص جمركي، والمعيل الوحيد لأسرته كون والده كبيرا في السن، تم القبض عليه أثناء عبوره الطريق وهو مسافر باتجاه عمله بسبب لقبه.

*خالد معياد تاجر عقيق يسافر للخليج والعراق في مواسم معينة لبيع العقيق اليماني سجن لأكثر من سنة بتهمة زيارة العراق وبيع العقيق هناك.

*محمد الصراري شاب صغير في العمر تقريباً يبلغ من العمر 17 سنة من تعز من مديرية ماوية، يملك والده وأعمامه محل ملابس بمديرية القاعدة في إب، دخل السعودية قبل فترة بطرق تهريب ليعمل كراعي غنم، عمل لفترة سنة، وعاد بعدها إلى بلاده، وبعد الحرب ساء وضعهم المادي فاتخذ قرار العودة إلى السعودية للعمل، كان عابراً من طريق مارب إلى الوديعة، ولم يكن يحمل بطاقة، تم سجنه وضربه وتهديده، في البداية قاموا بتخويفه وإيهامه بأنهم يتبعون انصار الله وطلبوا منه قول: (الصرخة) فخاف ونفذ مطلبهم. كانوا يبتزونه، وذات مرة حاول الهروب فخلعوا ذراعه وظل لقبه الصراري حتى أستوعب، وعلم أنه ليس لدى أنصار الله فأفصح عن لقبه الحقيقي: (محمد الجمَّالي) وعانى كثيراً حتى أفرج عنه بعد أكثر من سنتين سجن وتعذيب.

*علي  الخولاني من محافظة صنعاء منطقة خولان، كان لوالدته أقارب يعملون كجنود بمارب، وكان هو قد شارك بالجبهات مع انصار الله لفترة بصرواح وترك أنصار الله، فطلبت منه أمه الذهاب إلى مارب وأكدت أنها سوف تنسق له الأمر مع أقاربها، وبعد  إلحاح من أمه أتى إلى مارب، وعند وصوله، التقى أحد أقارب أمه، فأخذه معه في السيارة حتى وصل إلى نقطة أمنية وأمره بالنزول.

قال لمن في النقطة: هذا حوثي، وقد تاب، خذوا اجراءاتكم معه.

مكث بالنقطة ساعات حتى أتى مجموعة ملثمين واخذوه حسب كلامه إلى مزرعة وهناك أثخنوه ضرباً مبرحاً حتى تورم وجهه وشفتاه. وجهزوه للذبح فقاموا بربطه وحد السكين ثم وضعها على رقبته وبدأوا الذبح مستمتعين بإرعابه وإرهابه تاركين علامة الذبح على رقبته. وقد تنقل من سجن المحكمة إلى سجن الصالح ثم سجن الأمن السياسي معنا. عشنا تلك الفترة مع هؤلاء وغيرهم ممن ذكرتهم سابقاً ممن تم نقلهم معنا من سجن معهد الصالح، حتى أتى العيد وكان ثاني عيد أقضيه في السجن والألم يعصر قلبي جراء هذه المعاناة.

بعد العيد بأيام أتى أحدهم يشبه صوته صوت ذلك المحقق ذي اللكنة العدنية الذي حقق معي في المرة السابقة. قام بمناداتنا كلاً باسمه، ومن يناديه عليه الاقتراب منه. وحالما نادى عليَّ واقتربت منه وقبل أن أنطق حرفاً،

قال، مباشرة، أنت أمير الدين ابن عبد الملك أعرفك جيداً.

ورجعنا حينها إلى غرفنا، بعد أيام جلبوا متعلقاتنا من السجن السابق لكي نوقع على وجودها، وقد فتشت متعلقاتي ولم أجد التلفون والشاحن، بينما وجدت النقود.

 

(151)

الأقسام: صحافة وترجمات