“شبكة سي إن إن” الأمريكية : معدلات الوفيات بسبب كورونا في عدن تتجاوز عدد وفيات سنوات الحرب

بقلم: سارة السيرجاني وسام كيلي

يبدأ غسان صالح في حفر القبور عند الفجر للاستعداد لاستقبال جثث الموتى,  وفي هذه الأثناء يظهر رجلان يرتديان بزات بيضاء فوق شاحنة صغيرة, كانت تقترب من المكان, حيث قاموا بإدخال جثة على عجل في حفرة وغطيانها بالتراب.

يأتي عمال الصحة ويذهبون في صمت شبه تام, فالخوف من العدوى يعني أنه لا يوجد مشيعون لمن يشتبه في وفاتهم بكوفيد-19.

تستمر دورة الحفر والجنازات المفاجئة تحت أشعة الشمس الحارقة والرطوبة الخانقة في مدينة عدن، مقر سلطة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في اليمن التي مزقتها الحرب.

توسعت مقبرة الرضوان بسرعة خلال الأشهر القليلة الماضية، واليوم تزحف المقابر الجديدة نحو المباني السكنية المجاورة لها.

يقول صالح: “يمكنك رؤية آلة الحفر الخاصة بي, لقد حفرت حتى الآن 20 قبرا”.

ووفقاَ للسلطات الطبية المحلية, فأن معدلات الوفيات في عدن ارتفعت هذا العام، على الرغم من الهدوء نسبي الذي شهدته المدينة بعد الحرب التي دمرت المكان في السنوات الماضية.

وفي النصف الأول من شهر مايو، سجلت المدينة 950 حالة وفاة – أي ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الوفيات في شهر مارس بالكامل والتي كانت 251 حالة وفاة، وفقاً لتقرير وزارة الصحة.

تمثل هذه الوفيات البالغ عددها 950 حالة في أسبوعين, ما يقرب من نصف عدد الضحايا التي سجلتها المدينة خلال العام 2015, عندما كانت الحرب الأهلية في البلاد مستعرة.

في ذلك الوقت، دمر عدن القتال العنيف وامتلأت المدينة بأصوات انفجارات الصواريخ وبيوتها بالرصاص, والآن أكبر القتلة في المدينة صامتون.

بالإضافة إلى فيروس كورونا، هناك أيضاً تفشي فيروس ينتقل عن طريق البعوض والمعروف باسم فيروس “الشيكونغونيا”، وأكثر من 100.000 حالة مؤكدة  من وباء الكوليرا في جميع أنحاء البلد.

تم إغلاق العديد من مراكز سوء التغذية والمستشفيات بسبب نقص التمويل ومخاوف الأطباء بشأن سلامتهم الشخصية من فيروس كورونا, كما  دمرت الفيضانات المفاجئة هذا الربيع شبكة الكهرباء في المدينة.

قالت الطبيبة إشراق الصوبي المسؤولة الصحية في فرقة الاستجابة للوباء, لشبكة سي ان ان “اليمن واجه العديد من الحروب, حيث لا يمكنه التعامل مع ثلاثة أوبئة وانهيار اقتصادي والآن فيروس كورونا”.

بلغ عدد الوفيات الرسمية المعلن عنها لكوفيد -19, في جنوب اليمن 127 فقط، ويقول العاملون في مجال الصحة إنهم لا يعرفون العدد الفعلي بسبب ضعف القدرة على الفحص والتشخيص, لكن يُنظر إلى الزيادة الهائلة في الوفيات في عدن على أنها تحذير من الأسوأ في المستقبل، حيث أصبح القطاع الصحي غارقاً ويموت المزيد من الناس بسبب أمراض يمكن علاجها.

بحثاً عن سرير المستشفى:

عانى حميد محمد البالغ من العمر 38 سنة, من رحلة مؤلمة بدأت بحمى خفيفة في المنزل, لم تتمكن عائلته من العثور على مستشفى لنقله عندما بدأت الحمى في الارتفاع بسرعة في أوائل مايو,  وعندما تم إدخاله إلى المستشفى الوحيد في عدن والمخصص لعلاج فيروس كورونا في ذلك الوقت, كان قد دخل في غيبوبة, ويتذكر شقيق زوجته أنور مطرف كيف “أعادوه إلى الحياة, حيث تم تشخيص إصابته بالتهاب السحايا، وهو مرض آخر شائع في اليمن, وبمجرد ظهور علامات التحسن, نصحه الأطباء بمغادرة المستشفى لتجنب الإصابة بـفيروس كورونا.

وبعد حوالي أسبوع، تدهورت صحته مرة أخرى، حيث ذهبت الأسرة إلى مستشفيات مختلفة في محاولة لإدخاله، ولكن دون جدوى, وفي النهاية وجدوا له سريراً في قسم الطوارئ ليتشاركه مع ستة أشخاص آخرين, إلا أن السائل ملأ رئتيه وكانت كليتاه تنهار.

كان لدى الأسرة الأموال اللازمة للعلاج الطبي، لكن مستشفيات عدن كانت إما مغلقة أو ممتلئة, لذا فشلت عملية البحث عن مستشفى يمكن أن يقوم بإجراء الجراحة وغسيل الكلى في الوقت المناسب لإنقاذه, ولكن محمد توفي في أواخر شهر مايو، مخلفاً وراءه أطفاله الثلاثة وزوجته الحامل, حيث كان المعيل الوحيد للأسرة, وقال أنور, من هو المسؤول عن كل هذا؟ ليس لدينا حكومة أو دولة أو أي شخص لمساعدتنا في هذا البلد, لمن يجب أن نشكو؟ لقد سئمنا من هذه الحياة, كل صباح نستيقظ لسماع نعي 10-15 شخصا في اليوم الواحد.

اختفاء المساعدات وانهيار القطاع الصحي:

أصبحت العمليات القتالية في عدن أقل في الأشهر الأخيرة لكن حرب اليمن لم تنتهي.

لقد جردت خمس سنوات من الصراع البلد وسكان من كل شيء, واليوم يعتمد أكثر من نصف سكانها على المساعدة من أجل البقاء.

لكن الأمم المتحدة تواجه الآن نقصاً كارثياً محتملاً في الأموال – حوالي مليار دولار – لهذا العام, حيث تحذر من انهيار قطاع الصحة واحتمال استمرار ارتفاع حصيلة القتلى في اليمن بشكل كبير, وربما يتجاوز العدد الإجمالي للقتلى الذين حصدتهم الحرب خلال الخمس السنوات الماضية, ناهيك عن تصنيف البلد كونه “أسوأ أزمة إنسانية” في العالم.

وقالت ليزا جراندي، رئيسة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، لشبكة سي ان ان: “ينقصنا مليار دولار لتحقيق هدفنا الأدنى في الوقت الذي يتفشى فيه وباء كورونا، وما يعنيه هذا هو أننا سنرى قريباً ما يقارب نصف المستشفيات التي ندعمها حالياً في البلد مغلقة, وهذا ما سيحدث في الأسابيع القليلة القادمة, فقبل أسبوع من تأكيد أول حالة مصابة بفيروس كورونا في اليمن، نفد المال واضطررنا إلى إيقاف الإعانات لـ 10 ألف عامل صحي ممن يعملون في الخطوط الأمامية في جميع أنحاء البلد,  وفي وقت تفشي الجائحة، كان الأمر مدمرا.

يوجد فقط 60 سرير في مستشفى متخصصة لعلاج كوفيد -١٩ في عدن التي يبلغ عدد سكانها حوالي 800 ألف شخص, حيث تقع هذه  الاسرة في مستشفيين تديرها منظمة أطباء بلا حدود, وبحسب المنظمة، يوجد في المدينة 18 جهاز تنفس صناعي، وكلها قيد الاستخدام بصورة مستمرة.

يقول الأطباء وعمال الإغاثة أن المرضى يأتون في الغالب للبحث عن العلاج في المستشفى في المراحل المتأخرة من المرض، عندما يكون الوقت متأخراً جداً لإنقاذهم, وفي معظم الحالات، لا توجد طريقة لمعالجتهم.

يقول الدكتور فاروق عبد الله ناجي رئيس قسم العزل بمستشفى الجمهوري لشبكة سي ان ان “لا نستطيع استقبال معظم الحالات لعدم وجود أجهزة تنفس صناعي “.

ومن جانبها, قالت كارولين سيغوين، مسؤولة الاتصالات في أطباء بلا حدود في عدن:” كان قطاع الصحة ضعيفاً بالفعل قبل تفشي المرض وهو الآن يزداد سوءاً, فالقطاع الصحي ينهار.”

وخارج المدينة، يحتدم القتال بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة، مما يضاعف من آثار الحرب المستمرة منذ خمس سنوات بين الحوثيين في الشمال والتحالف العنيد المدعوم من السعودية والإمارات في الجنوب, حيث ُقتل أكثر من 112 ألف شخص في الغارات الجوية, وذلك وفقاً لمشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح.

كما نزح مئات الآلاف من الأشخاص إلى المخيمات كلاجئين من الحرب, ليواجهوا هناك مخاطر عدة كالأمراض المتوطنة وسوء التغذية والازدحام وكلها ظروف مثالية لانتشار مرض مثل فيروس كورونا.

جاء مختار أحمد، ينتمي إلى مدينة الحديدة الساحلية في الشمال إلى معسكر في ضواحي عدن قبل ثلاث سنوات, وقال لشبكة سي ان ان واصفاً البيئة التي تحيط بتلك الأماكن: “الكوليرا والحروب شيء، وفيروس كورونا شيء آخر, فمع الحرب, انتقلنا من مكان إلى آخر حتى قررنا الاستقرار هنا … ولكن مع تفشي الوباء، بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه، سوف يجدك.

(9)

الأقسام: صحافة وترجمات