السعودية والقرار الخطير..

عيسى محمد المساوى

قرار السعودية منع الحجّاج القادمين من خارج المملكة واقتصار موسم الحجّ على آلاف ممنْ هم في الداخل، قرار خطير جداً بالنظر الى دوافعه الحقيقية وارتداداته العكسية التي قد تُدخل النظام السعودي في مواجهة مع العالم الإسلامي.
صنعاء كانت السباقة في التعبير عن موقفها عبر بيانين الأول للمكتب السياسي لأنصار الله، والثاني للمجالس الإسلامية في اليمن، وكلاهما عبر عن السخط والرفض الشديدين للقرار السعودي، غير أن اللافت للانتباه في بيان المجالس الاسلامية أنه دعا إلى تدويل المشاعر المقدسة وحثّ جميع الشعوب والمنظمات الإسلامية للعمل على رفع يد الأمريكيين والصهاينة عن المسجد الحرام.
تصعيد خطير بادرت صنعاء في كتابة عنوانه المثير للاهتمام أملاً في أن تحذو حذوها باقي الدول لاستنهاض الشعوب الإسلامية من أجل الانتصار لعقيدتها ومقدساتها التي باتت تحت أيدي الأمريكان والصهاينة، الأمر الذي يوحي بمواجهة مستقبلية لو حصلت بالفعل فستكون المسمار الأخير في نعش آل سعود.
إنها قضية كبرى بكل ما للكلمة من معنى، ومن المهم جداً التوقف عند أهم مضامين هذا القرار وخلفياته في محاولة لاستيعاب التفاعلات واستشراف المآلات:
أولاً: القرار يناقض نفسه بنفسه إذ يبرر منع الحجّ بالخوف على حياة الناس بسبب فيروس كورونا، ثم هو يناقض حُجّته ويسمح للآلاف داخل المملكة بأداء فريضة الحجّ، وكأن هذه الآلاف لا مشكلة في أن يقضوا نحبهم بهذا الوباء!!، أما من حيث التوقيت فقد جاء القرار بالتوقيت الخطأ بعد أن بدأت موجة الوباء بالانحسار وشرعت معظم بلدان العالم وفي مقدمتها السعودية بالتخفيف من قيود الحجر والسماح بالعودة التدريجية للعمل وفتح الشركات واستئناف الرحلات الجوية.
وفي هذا السياق يستطيع المتابع للصحافة الخليجية أن يجد على صفحاتها الأولى عناوين تتحدث عن بشائر قرب الانتصار على كورونا، الأمر الذي يضعف إلى حدٍ كبيرٍ الحجة التي استند اليها القرار السعودي.
ثانياً: القرار يمسّ فريضة مقدسة لشعوب العالم الاسلامي، ومع ذلك انفردت السعودية باتخاذ القرار دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الدول الإسلامية، وهو ما يعكس الإشكالية الأبرز التي قد تفجر الموقف والمتمثلة بالذهنية الاستبدادية الاستحواذية التي تحكم النظام السعودي منذ النشأة، تؤازرها الثقافة الوهابية التي دجّنت المجتمع وعبّدته على طاعة ولي الأمر “وإن جلد ظهرك وسلب مالك”، فكان من الطبيعي أن ينجم عن تفاعل هذه التشوهات تشوّه مستطير هو النظام السعودي الذي يعتبر الأرض والإنسان حق للملك يتصرف بهما كيف يشاء، ويكفي برأيه أن تكون المقدسات الإسلامية داخل جغرافيا الدولة السعودية لتخضع بالمطلق لسلطة الملك لا ينازعه بشأنها أحد، وبالتالي تُعتبر أي معارضة لهذا القرار تدخل في الشؤون الداخلية للمملكة !!
في ضوء ما سبق تبدو الدوافع الحقيقية لمثل هذا القرار سياسية بحتة، فالنظام السعودي الخاضع بالمطلق لقوى الاستكبار العالمي لديه الاستعداد الكامل لعمل أي شيء لكسب ودّها، فكيف إذا كان وقف الحجّ هدفاً استراتيجياً للصهيونية العالمية الأب الشرعي للكيانين السعودي والإسرائيلي؟؟
هنا يصبح من المؤكد والقطعي أن النظام السعودي مستعد للذهاب إلى أبعد مدى في تلبية طموح وتطلعات الصهيونية العالمية، فمنْ أخذ على عاتقه مهمة تنفيذ “صفقة القرن” من أجل تصفية القضية الفلسطينية وبدا أكثر اخلاصاً من الكيان الإسرائيلي نفسه، لن يتورع عن وقف الحج بعد أن أفرغ هذا المؤتمر الإسلامي العظيم من مضامينه الحقيقية، وإذا ما نجح في هذا القرار فسيأتي اليوم الذي يُمنع فيه الحجّ نهائياً.
اليوم نحن أمام واحدة من أخطر جولات الصراع مع قوى الاستكبار العالمي التي وضعت اليد وكشّرت عن نابها وامتلكت الجرأة لاستهداف الأمة الاسلامية في أقدس مقدساتها، وما لم تتحالف القوى الحرة في العالم الإسلامي لقطع تلك اليد الخبيثة واستعادة المقدسات بأي ثمن، فإن قوى الاستكبار العالمي ستستبيح غداً كل الحرمات.

(22)

الأقسام: آراء