خطاب الأسرلة في الزمن الإسرائيلي

محمد ناجي أحمد

الآن وقد لملم الصديق الدكتور صادق القاضي موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي ، بعد أن كان يعبر عنه مجزءا –يمكننا أن نحدد نقدنا لمنطلقاته التي لم تكن جديدة ، فطالما سبقه مثقفون في العقود الماضية ليس آخرها جماعة كوبنهاجن، ولن يكون آخرهم تيار الإسلام السياسي الذي يتم ترويضه قَطريا لتأدية دوره في تطبيع الشعوب وجعلها قابلة للاستعمار الإسرائيلي.

القضية الفلسطينية بالنسبة للدكتور صادق القاضي هي قضية فلسطينية وكفى، أي أنها دون عمق عربي ، مع أن دواعي ودوافع نشوء الكيان الصهيوني مبني على زرعه في الخاصرة العربية ليعمل وفقا للغايات الامبريالية في المنطقة. ونحن هنا لا نتحدث عن قوى استعمارية وهمية ، بل استعمار جاثم ومستمر بنهب الثروات العربية ، موظفا مخاوف العرب من صنيعتهم إسرائيل ، ومن إيران ،بل استطاع مؤخرا بواسطة ماكينة الإعلام وتيار الإخوان المسلمين الممول من تركيا وقطر والسعودية أن يجعل من إيران خطرا وحيدا بل ووجوديا!

لم يكن استعمار الكيان الإسرائيلي لفلسطين إلاَّ لتكون منصة إطلاق ومعسكرا تم تجميعه من شتات العالم باختلاف لغاتهم وعرقياتهم وثقافاتهم ، ومن فلسطين المحتلة تم ويتم شن الحروب على العرب طيلة العقود الماضية!

وبالتالي فهي قضية فلسطينية عربية في أسسها ومنطلقاتها وغاياتها ومآسيها.

أما وصفه للقضية الفلسطينية بأنها قضية حقوقية فهذا لعمري يندرج ضمن أهداف الأسرلة، أي تحويل الناس إلى إسرائيليين دون جنسية إسرائيلية ، فإسرائيل وفق نصوص إعلانها دولة يهودية ليست للأغيار!

تحويل القضية الفلسطينية  من قضية تحرر وطني وعربي إلى قضية مطلبية حقوقية هو الدور المناط بالمثقف المؤسرل…

حين يقول القوميون بشكل خاص واليساريون بعمومهم إن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية فلأنها في جوهرها تمس ومست الأمن القومي العربي، من خلال العديد من الحروب التي شنتها إسرائيل ضد لبنان وسوريا ومصر والأردن والعراق والسودان والبحر الأحمر الخ، بل ونفذت اغتيالات عديدة داخل الدول العربية!

لقد استطاعت إسرائيل أن تنفذ استراتيجية تطييف المنطقة العربية وإسقاط الدولة القُطْريِّة ، وتفتيتها في هويات ما قبل وطنية ، كل ذلك حين تراجع العرب عن التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأولى والمركزية، وذهبوا فرادى ليسلموا للكيان الصهيوني العنصري ويفاوضوه ويعترفوا به، فكان بعد كل اتفاقية ينفذ مذابح جماعية وفقا واستمرارا لنهجه في المذابح التي نفذها طيلة الثلاثينيات والأربعينيات ووصولا إلى مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م، ومذبحة جنين عام 2002م وليس انتهاء بالقتل اليومي لأطفال وشباب وشابات فلسطين!

حين يرى الدكتور صادق أن الصراع العربي الإسرائيلي في جوهره صراع حدود فإن مثل هذا القول يشرعن لكل المذابح والحروب العدوانية التي شنها هذا الكيان العنصري الاستيطاني منذ زرعته بريطانيا .

على الدكتور صادق القاضي أن يحدد لنا وفق فهمه لصراع الحدود ما هي حدود الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني، أين تبدأ وأين تنتهي؟

ليس لإسرائيل حدود ، فخارطتها وحدودها كما قال بن غوريون :أينما تصل جيوش إسرائيل ، اينما يضعون أقدامهم! وهم اليوم يضعون أقدامهم في مصر والأردن والسودان ودويلات محطات البنزين وثروات الخليج، وعلى امتداد البحر الأحمر!

الجولان وفق رؤية صادق القاضي أرض متنازع عليها!

وفلسطين ليست القضية وإنما 5%من فلسطين ، أي قضية المستوطنات في الضفة الغربية ، والقدس الشرقية! والحل لديه “تسوية معقولة “بخصوص قضايا الحدود واللاجئين والاستيطان!

تسوية مقبولة ومعقولة إسرائيليا  بخصوص من طرد من بيته وأرضه ووطنه ، والذي يحدد ” المقبول” هو الأقوى، ولهذا ردد نتينياهو مصطلح السلام والقوة!

بهذا الخطاب التطبيعي يرى صادق القاضي أن الصراع سيفقد مبرراته الموضوعية.. ربما إلى الأبد! بحسب منطق ومنطوق صاحبي صادق القاضي!

“اللاءات الثلاث” لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف، التي يصفها صادق بأنها تعبير عن” الزمن المتشرنق” وضعت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، الذي خرج مهزوما عسكريا في حرب 5يونيو 1967لكنه لم ينكسر سياسيا ، فيما السادات الذي خرج منتصرا من حرب اكتوبر 1970انهزم سياسيا وسلم وألقى بنفسه إلى “حجر “هنري كسينجر بحسب ما ذكره الأخير في مذكراته. هنا يصبح مديح صادق القاصي لجمال عبد الناصر هجاء في جوهره ورمادا يذر على العيون والأفهام! فاللاءات الثلاث لم يطرحها الانتهازيون وإنما جمال عبد الناصر في قمة الخرطوم ، وبالتالي فليس هناك “رؤية انتهازية” تمسكت باللاءات ! الانتهازيون ذهبوا لعقد اتفاقيات تسليم لإسرائيل منذ كامب ديفيد 1978 إلى وادي عربة 1994 إلى تطبيع مشيخات الخليج تجاريا في تسعينيات القرن العشرين ووصولا إلى المجاهرة بالتطبيع السياسي في سبتمبر 2020م مع الإمارات والبحرين وضمنيا قطر وعمان والسودان والمغرب  إلى آخر القادمين على طريق ” التسويات المقبولة” إسرائيليا!

الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني لفلسطين قضية وطنية فلسطينية كما هي قضية عربية تمس أمن كل الدول العربية والشعب العربي من خليجه إلى محيطه، فحدود إسرائيل وحروبها مفتوحة ودون أعباء وتكاليف عسكرية!

” مشكلة الأرض والسكان” “استمرار محاولة محو الآخر” لا أدري من يخاطب صادق القاضي بهذه العبارات التي تساوي بين القاتل والمقتول والضحية والمستعمر!

من يمحو الآخر؟ ومن يمتلك ماكينة القتل الجهنمية المحو والقتل اليومي ؟ إلاَّ إذا كان يصف أطفال فلسطين بأنهم يحاولون محو إسرائيل!

لا أدري من أين أتى الدكتور صادق القاضي بما نسبه لجمال عبد الناصر بأنه قال:”ما لإسرائيل إلاَّ البحر”!

الذي أعرفه أن ماكينة الإعلام الغربي والإسرائيلي هي من روجت لهذه العبارة!

المطلوب دولة مواطنين ومواطنة ووطن ديمقراطي في فلسطين كل فلسطين، لا دولة يهودية تقصي الآخر بعنصرية وتأسرلهم باعتبارهم أغيار!

(7)

الأقسام: آراء