بعد 2000 يوم من العدوان: اليمن على عتبة النصر

عيسى محمد المساوى

على الجهة الجنوبية من الجزيرة العربية، وفي الـ 26 من شهر مارس 2015م، شنّ تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية وأمريكا حرباً شاملة كانت الأشرس في تاريخ المنطقة، حولت الجغرافيا اليمنية إلى حقل تجارب لاختبار أصناف شتى من الأسلحة الفتاكة بما في ذلك الأسلحة المحرمة دولياً.

كانت القنابل الفراغية التي ألقيت على الأحياء السكنية في عطان ونقم بالعاصمة صنعاء هي الأسوأ على الاطلاق، ولا شبيه لقوتها التدميرية سوى انفجار مرفأ بيروت، مع فارق مهم، هو أن العالم كله تداعى لنجدة بيروت ومداواة جراحه، في حين بقي اليمن وحيداً يلملم جراحه النازفة من كل مكان، ويتعلم كيف يتكئ عليها وينهض من جديد، ليواصل معركته المقدسة في مواجهة عدوان التحالف وتكالب العالم، حتى أصبح اليمن أقوى عوداً وأشد صلابة من أي وقت مضى، وهذا ما يحزّ في نفوس أعدائه.

لقد خلفت سنوات الحرب الظالمة على اليمن أكثر من 43 ألفاً من الشهداء والجرحى بحسب مركز عين الإنسانية، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، إلى جانب خسائر فادحة تكبدتها القطاعات الإقتصادية والخدمية، تقول بعض التقديرات أنها تفوق الترليون دولاراً، ومن لم يقضِ نحبه بالحرب، أجهزت عليه الكارثة الإنسانية المصنفة بحسب مسؤولين أمميين أنها الأسوأ في تاريخ الأمم المتحدة، التي شاركت هي الأخرى في العدوان على الشعب اليمني؛ عبر أنشطتها التجسسية، وبواخر الأغذية الفاسدة، ونهب أكثر من 60% من مبالغ الدعم المخصصة لاغاثة ملايين اليمنيين، الذين يقتلهم الجوع والأوبئة والحصار الخانق المفروض من قبل قيادة التحالف، بطريقة اجرامية تجاوزت كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية، وبالمخالفة الجسيمة لقرارات الأمم المتحدة، التي بلعت لسانها واستمرت في ممارسة أنشطتها التخريبية وتوفير الغطاء لجرائم التحالف.

رغم شراسة هذا العدوان الشامل، وضخامة فواتيره الباهظة جداً، إلاّ أنه فشل على مدى 2000 يوم في تركيع الشعب اليمني العظيم، الذي أذهل العالم بصموده وملاحمه البطولية خلال مسارات التنكيل بجحافل الغزاة والمرتزقة، كما فشل أيضاً في كسر إرادة صنعاء التي تظهر اليوم بوصفها العاصمة التي لا تُقهر، والدولة التي خرجت من بين ركام الحرب والحصار قوة عسكرية وازنة على مستوى المنطقة، تُصنّع السلاح؛ من الرصاصة، إلى الطائرات المسيرة، والصواريخ البالستية التي تجاوزت مدياتها جغرافيا الخليج، وباتت تهدد المنشآت الحيوية في كيان العدو الإسرائيلي.

بعد مرور 2000 يوم من العدوان، وصل النظام السعودي إلى مستوى خطير من الانكسار والخذلان، لم تعد تتحرج معه وزارة الخارجية السعودية من استغاثة المجتمع الدولي، ومناشدته ايقاف الهجمات اليمنية على المملكة، غير أن هذا الاستعطاف المذل، فشل هو الآخر في حماية المملكة، كما هو حال منظومات الدفاع الأمريكية المتطورة، إذ لم تمر 24 ساعة على المناشدة، حتى تعرضت الرياض إلى استهداف بطائرات مسيرة وصاروخ بالستي نوع “ذو الفقار”، تقول المعلومات غير المتداولة أن صنعاء صنعته بمواصفات تناسب العدو الإسرائيلي، واطلقت عليه هذا الإسم بالذات، إمعاناً في إرعاب الكيانات المصطنعة التي يتملكها خوف قديم من إسم “ذو الفقار”.

مرت 2000 يوم على تمريغ أنوف المعتدين في وحل اليمن، وها هي صنعاء تقف اليوم على أبواب مدينة مأرب، أعتى قلاع تحالف العدوان على الاطلاق، وكلها ثقة بتحرير هذه المدينة الحيوية جداً، كما حررت قبلها مناطق نهم والفرضة وصولاً إلى تطهير محافظة الجوف ومعظم مديريات محافظة مأرب، وهنا يجدر بنا التوقف قليلاً لسماع الصراخ الذي يدوي في أرجاء المنطقة وأروقة الأمم المتحدة على مدينة مأرب، من قبل ممثلي بريطانيا خصوصاً آخر بكائيات جريفيث على مأرب، في احاطته لمجلس الأمن بتاريخ 15 سبتمبر 2020م، لنعرف حقيقة المأزق العصيب الذي يعيشه تحالف العدوان.

اليوم وبعد مرور 2000 يوم من العدوان يظهر سيد الجزيرة العربية، السيد عبدالملك الحوثي بكل ثقة ويقين “بنصر الله”، مؤكداً من موقعه الروحي والقيادي على قضيتين رئيسيتين:

القضية الأولى: الموقف المبدئي لليمن تجاه مظلوميات شعوب أمتنا الإسلامية، بما في ذلك حتى المسلمين المضطهدين في الهند، باعتبار ذلك واجب أخلاقي والتزام ديني لا رجعة عنه.

القضية الثانية: أن تهافت أنظمة الخليج على التطبيع مع العدو الإسرائيلي، يجلّي الصورة لمن لم يستوعب بعد أن العدوان على اليمن، عدوان أمريكي إسرائيلي، تنفذه الأنظمة الخليجية العميلة لقوى الاستكبار العالمي، التي ترتكب أبشع الجرائم بحق الأمة الإسلامية ومقدساتها، وهو ما يفرض على أبناء الأمة الإسلامية الاضطلاع بمسؤوليتهم الدينية، في مواجهة تلك الأنظمة الخيانية المسؤولة أيضاً عن أسوء عمليات الاضطهاد والتنكيل بحق شعوبها.

هاتان القضيتان ربط بينهما سيد الجزيرة العربية بثابت لا يتغير، هو أن اليمن بكل مقوماته التي جعلت منه قوة إقليمية وازنة، حاضرٌ لنصرة المجتمعات المضطهدة، إن هي تحركت للانتصار لمظلوميتها، ومواجهة أعداء الأمة الإسلامية، أمريكا وإسرائيل وعملائها بالمنطقة، في رسالة بالغة الدلالة أظنها تخص قادة الحركات التحررية في الجزيرة العربية أكثر من غيرهم، فيا تُرى هل وصلت الرسالة؟؟

هكذا يبدو اليمن بعد مرور 2000 يوم من العدوان عليه، أكبر من أعدائه ومن جغرافيته، يشاطر شعوب جزيرته العربية معاناتهم، ويعيش هموم أمته العربية والإسلامية، في تعبير صادق عن رسوخ الإنتماء، وصدق التوجه للدفاع عن المضطهدين من أبناء أمته، بينما على الجهة المقابلة يظهر أعداء اليمن في المنظومة الخليجية على النقيض من ذلك تماماً؛ مهزومين، عاجزين عن الدفاع حتى عن أنفسهم، منسلخين عن هويتهم العربية والإسلامية، ومستعدين لارتكاب أبشع الجرائم بحق شعوب أمتهم دفاعاً عن أمريكا وإسرائيل!!

مشاهد لا تنتهي لمفارقات مذهلة صنعتها سنوات العدوان البربري على اليمن الذي ظلّ على الدوام بطل هذه الملحمة الأسطورية الخالدة، التي ستكون نهايتها المظفرة من وجهة نظري، وقوداً لملاحم قادمة ستدك عروش المستكبرين، “فاعتبروا يا أولي الأبصار”

(22)

الأقسام: آراء