مؤلِّفُ كتاب ” الاغتيالُ الاقتصادي للأُمَـم” الأَكْثَر مبيعاً في العالم جون بركنز: اندلاع الثورة الاسلامية بإيران وسقوط الشاه  (الحلقة الرابعة عشرة)

المراسل|كتب:

يعد الكتاب الذي بين أيدينا ،كتاب ” الاغتيال الاقتصادي للأمم، اعترافات قرصان اقتصاد “، من الكتب الصادمة، الذي تنشره “صحيفة المراسل” في حلقات متسلسلة لأهميته، حيث يكشف لنا ” جون بركنز ” كاتب الكتاب من خلال سرده لمذكراته كقرصان اقتصاد دولي، حقيقة وظيفته التي تعد من أخطر واندر الوظائف في العالم، وكيف يقومون بتوريط الدول النامية بالديون العالية المستندة إلى تقديرات اقتصادية من قبل هؤلاء القراصنة مبالغ فيها، وذلك بغرض نهب وتدمير اقتصاد هذه الدول، بهدف الحاقها بالسياسة الأمريكية وجعلها تابعة لها وغير قادرة على الإفلات منها.

يعرف ” بريكنز ” في مقدمة كتابة قراصنة الاقتصاد Economic Hit Men أو اختصاراً بـ EHM الذي هو واحد منهم بأنهم خبراء محترفون ذو أجور مرتفعة، مهمتهم سلب ملايين الدولارات بالغش والخداع من دول عديدة في جميع انحاء العالم، يحولون الأموال من البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية (USAID) وغيرها من هيئات المساعدة الدولية، ليصبوه في خزائن الشركات الكبرى وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية. مستخدمين في ذلك وسائل اصطناع التقارير المالية، وتزوير الانتخابات، والرشوة، والابتزاز، والجنس، والقتل. يلعبون لعبة قديمة قدم عهد الإمبراطوريات، لكنها تأخذ أبعاداً جديده ومخيفة في هذا الزمن ،، زمن العولمة.

قسم ” جون بركنز ” كتاب إلى أربعة أجزاء تحتوى على خمسة وثلاثون فصلاً إضافة إلى مقدمة الكتاب وتصدير وخاتمته.

ذات مساء في عام 1978، بينما كنت جالسا بمفردي في البار الفخم في بهو فندق انتركونتننتال في طهران، شعرت بنقرة على كتفي. التفت لأرى رجلا إيرانيا ممتلئ الجسم في بدلة رسمية.

“جون بيركنز! ألا تتذكرني؟”

لقد زاد وزن لاعب كرة القدم السابق كثيرا، لكن الصوت لا تخطئه الأذن. إنه فرهاد صديقي القديم من أيام الدراسة في جامعة ميدلبيري، ولم أره منذ أكثر من عقد من الزمان. تعانقنا وجلسنا معا. سرعان ما اتضح أنه يعرف كل شيء عني وعن عملي. كما اتضح أنه لا يعتزم أن يخبرني الكثير عن عمله.

قال وهو يطلب زجاجات البيرة للمرة الثانية: “دعنا ندخل في صلب الموضوع. أنا مسافر إلى روما غدا. والدي يعيشان هناك، ولدي تذكرة لك على متن الطائرة نفسها، فالأمور تتداعى هنا. يجب أن ترحل” أعطاني تذكرة الطائرة. لم يتبادر لذهني أي شك فيما قال ولو للحظة واحدة.

في روما، تناولنا العشاء مع والدي فرهاد. عبر والده، ذلك الجنرال الإيراني المتقاعد الذي تصدى لرصاصة أحد القتلة لينقذ حياة الشاه ذات مرة، عبر عن تحرره من الوهم بشأن رئيسه السابق. قال إنه خلال السنوات القليلة الماضية أظهر الشاه ألوانه الحقيقية وغطرسته وجشعه. ألقى الجنرال باللوم على سياسة الولايات المتحدة وخاصة مساندتها ودعمها لإسرائيل، وللقواد الفاسدين، والحكومات الطاغية المستبدة، ولامها على مشاعر الكراهية التي تخيم على الشرق الأوسط، وتنبأ أن الشاه سيطاح به خلال شهور.

قال: “هل تعلم أنكم أنتم من زرعتم بذرة هذا الانقلاب في بداية الخمسينيات، عندما أسقطتم مصدق. وقتها كنتم تعتقدون أنها طريقة ذكية للعودة وأنا كذلك كنت أعتقد هذا. لكنها الآن تعود لتطاردني وتطاردنا”.

كنت مبهوتا بالألفاظ التي يستخدمها للدلالة على تلك الأمور. لقد سمعت شيئا مماثلا من “يمين” والدكتور، لكن خروج هذا الكلام من هذا الرجل يكشف عن معطيات جديدة. في هذا الوقت، كان الجميع يعرفون بوجود حركة إسلامية أصولية تدور في الخفاء، لكننا أقنعنا أنفسنا أن الشاه محبوب للغاية بين معظم أفراد شعبه، وبناء على ذلك لا توجد قوة تقهره سياسيا، إلا أن الجنرال كان عنيدا.

قال بوقار: “سجل كلماتي، إن سقوط الشاه لن يكون سوى البداية. إنها عينه مما يتجه إليه العالم الإسلامي. فغضبنا يتقد تحت الرمال منذ وقت طويل، وسرعان ما سينفجر مدوّيا”.

بعد العشاء، سمعت الكثير عن آية الله الخميني. أوضح كل من فرهاد ووالده بشكل لا يدعو للشك أنهما لا يشجعان حركة شيعية متطرفة، لكنهما متأثران بهجومه ضد الشاه. قالا لي إن رجل الدين هذا (آية الله كما يلقبونه) ولد في عائلة مخلصة للمدرسة الشيعية في قرية قرب طهران عام 1902.

حدد الخميني هدفه واضحا وهو ألا يتورط في صراعات مصدق والشاه في بداية خمسينيات القرن العشرين، لكنه عارض الشاه بشدة في الستينيات، وانتقده بصلابة وعناد لدرجة أنه نفي إلى تركيا ثم إلى مدينة النجف الشيعية المقدسة في العراق، حيث أصبح زعيما معروفا للمعارضة. راح يبعث بالرسائل والمقالات وشرائط الكاسيت يحث الإيرانيين على النهوض والإطاحة بالشاه، وأن يقيموا دولة دينية.

بعد يومين على ذلك العشاء مع فرهاد ووالديه، جاءت الأخبار من إيران عن القصف بالقنابل والشغب الذي صاحبته أعمال عنف. بدأ آية الله والملالي بالهجوم، وسرعان ما أمسكوا بزمام الأمور بين أيديهم. بعد ذلك تسارعت الأحداث، انفجر الغضب الذي وصفه والد فرهاد بأنه ثورة شعبية إسلامية عنيفة. فر الشاه إلى مصر في يناير 1979، ثم مرض وشخص مرضه بإصابته بالسرطان فتوجه إلى مستشفى نيويورك.

طالب أتباع آية الله الخميني بإعادته. في نوفمبر 1979، هاجم مسلحون إسلاميون سفارة الولايات المتحدة في طهران وقبضوا على اثنين وخمسين رهينة لمدة 444 يوما. وحين فشل الرئيس كارتر في التفاوض بشأن إطلاق الرهائن _ أسند الأمر لحملة إنقاذ عسكرية، انطلقت في أبريل عام 1980. وكانت كارثة، إذ تحول الأمر إلى مطرقة تدق المسمار الأخير في نعش رئاسة كارتر.

زادت الضغوط الهائلة من المجموعات المالية والسياسية، فأرغموا الشاه المصاب بالسرطان على مغادرة الولايات المتحدة. منذ اليوم الذي فر فيه من طهران وهو يعاني وقتا عصيبا في البحث عن ملجأ يلوذ به، فكل الأصدقاء القدامى تخلوا عنه وتجنبوه. مع ذلك فإن الجنرال توريخوس عرض بعطف إيواء الشاه ومنحه حق اللجوء السياسي لبنما، على الرغم من كرهه الشخصي لسياسة الشاه.

وصل الشاه إلى بنما وحصل على ملجئه في المنتجع نفسه الذي عقدت في منذ فترة قريبة مفاوضات اتفاقيات قناة بنما الجديدة.

طالب الملالي بعودة الشاه مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في سفارة الولايات المتحدة.

في واشنطن اتهم معارضو معاهدة القناة توريخوس بالفساد والتواطؤ مع الشاه، وتعويض حياة المواطنين الأمريكيين للخطر. طالبوا هم أيضا بتسليم الشاه لآية الله الخميني. مما يدعو للسخرية، أنه حتى أسابيع قليلة ماضية، كان الكثيرون من هؤلاء الأشخاص يقدمون الدعم والإخلاص للشاه.

أما ملك الملوك سابقا فقد رحل في نهاية المطاف إلى مصر، حيث مات مريضا بالسرطان.

تحققت نبوءة الدكتور. فقدت شركة Main ملايين الدولارات في إيران، وحدث الأمر نفسه مع الشركات المنافسة لنا. وفقد كارتر إمكانية ترشحه في الانتخابات التالية. ودخل كل من ريجان وبوش إلى البيت الأبيض على بساط من الوعود بتحرير الرهائن، والإمساك بالملالي وإعادة الديموقراطية لإيران، ومتابعة موقف بنما بشكل مباشر.

بالنسبة لي، كانت الدروس التي وعيتها مما يحدث لا تقبل الجدل. فقد بينت إيران بما لا يترك مجالا للشك أن الولايات المتحدة بلد تتعمد إنكار حقيقة دورنا في العالم. بدأ أمرا مبهما وغير مفهوم أن يمدونا بمعلومات خاطئة عن الشاه وتيار الكره الذي يموج نحوه. حتى بعض من رجالنا في شركة Main التي تمتلك مكاتب ودوائر لشئون الموظفين في الدولة لم يعرفوا الحقيقة. شعرت أنه من المؤكد أن أجهزة مثل وكالة الأمن القومي NAS ورجال المخابرات المركزية CIA يدركون بوضوح شديد ما يدركه توريخوس، يدركون حتى ما جاء في حوارنا في لقائي معه عام 1972، لكن رجال المخابرات دفعونا عن عمد لأن نغمض عيوننا جميعا.

(35)

الأقسام: صحافة وترجمات