الانسحاب لا يعني سوى الهزيمة

 

المراسل: سنان عبيد

 

في العلم العسكري إما أن تحرز تقدماً أو تتراجع وقضية الانسحاب التكتيكي أو إعادة التموضع، ليس لها إلا معنى واحد أن قواتك تتراجع على الأرض وأن خصمك يكسب فما بالك إذا كان الانسحاب من مدينة بأهمية الحديدة وساحلها. ..

عندما تقدمت القوات الموالية للتحالف من مدينة الخوخة الساحلية صوب مدينة الحديدة اختارت الشريط الساحلي بعمق ضيق وتركت المدن الرئيسية على طول الساحل التهامي كالجراحي، زبيد، الحسينية، بيت الفقيه تفاديا للتكلفة الباهظة أو الهزيمة المتوقعة ولذلك كان من السهل ان تتقدم تلك القوات على طول الشريط الساحلي مستفيدةً من الغطاء الجوي والبحري وخلو الساحل من المدن او التضاريس الصعبة فالأرض مكشوفة ولا يمكن التحصن فيها، وكانت الخطة المعدة التقدم الى المدينة وتطويقها وإسقاطها، والذي سيسهل استكمال السيطرة على المدن الداخلية كون الرأس (مدينة الحديدة) قد تم السيطرة عليه على إفتراض، ولذلك تقدمت هذه القوات إلى ضواحي المدينة وعند وصولها مُنيت بأول هزيمة في  مطار الحديدة عندما حاولت اقتحامه ولعلنا نتذكر تلك الأنباء المتضاربة عن سقوط المطار والذي أتضح بالصوت والصورة أنه لم يحصل البتة ما أضطر تلك القوات للتراجع قليلا عن المطار والتوجه شرقا بهدف السيطرة على الكيلو 16 والمضي قدماً للقيام بمحاولة التفافية لتطويق المدينة وأغلاق جميع المنافذ لمنع أي تعزيزات لقوات صنعاء ومحاصرة قواتها داخل المدينة، والاستسلام لهذه القوات في نهاية المطاف أو الانسحاب، وبالقرب من المطار كان هناك نموذج صغير رسم مآلات ما يمكن أن يحدث داخل مدينة الحديدة هذا النموذج كان في الدريهمي الاستراتيجية القريبة من المطار فرغم صغرها فشلت قوات التحالف في اقتحامها، واكتفت بمحاصرتها ولحصارها قصة عجيبة من الصمود والذي استمر لسنوات، وبعد حصار تلك البلدة الصغيرة واصلت هذه القوات التقدم في المناطق المفتوحة وعند وصولها إلى منطقة الكيلو 16 بدأت هذه القوات بالتغلغل ببعض الأحياء والتي جُوبهت بمقاومة عنيفة عندها شعر العالم أن هذه المدينة التي يقع فيها أهم موانئ البلاد، والذي عبره يتم إدخال المساعدات الإنسانية، والمواد الغذائية، إضافة للكتلة السكانية الكبيرة داخل المدينة والتي تضم ما يزيد عن 500 ألف نسمة، وحدوث إقتتال لا يُعلم متى نهايته سيشكل كارثة إنسانية وموجات نزوح كبيرة من داخلها، وكذا سقوط آلاف القتلى والجرحى، ناهيك عن التسبب بكارثة إنسانية للسكان خاصة في مناطق شمال اليمن باعتبارها المنفذ الرئيسي الوحيد للعالم وحصول صدام فيها يعني حصار لأكثر من 20 مليون من السكان في الجبال وهذ أمر غير مقبول، هذه الاسباب وغيرها حالت دون حدوث إقتتال داخل المدينة وجنب الله أبناء الحديدة شر ما كان يُبيت لهم، فكان اتفاق ستوكهولم الذي رفض التحالف تنفيذه منذُ اليوم الأول فهو يرى أن الكفة تميل لصالحه، فقواته أصبحت داخل مدينة، فيما القوات المتقدمة من مأرب تسيطر على منطقة نهم القريبة جداً من العاصمة صنعاء، لذلك كان التحالف يرى أن لا سبيل لتنفيذ هذا الاتفاق، وأن فكرة الانسحاب أمر مرفوض ولو امتار.

لكن ما حدث من سقوط كامل لجبهة نهم قلب موازين القوى على الأرض رأساً على عقب، فتقدم القوات الى ابواب مدينة مأرب ومن ثلاثة اتجاهات، أربك خطط التحالف وأثر على باقي الجبهات باعتبار مأرب بالنسبة لهم هي الجبهة الأهم والتي حظيت بدعم كبير جداً من أول يوم من العدوان مقارنة بباقي الجبهات، باعتبار هذه المحافظة خزان كبير من النفط والمصدر الرئيسي للطاقة ولكن على الرغم من تلك الإمكانات التي حظيت بها جبهة مأرب، إلا أن تقدم قوات صنعاء بتلك القوة أثار استغراب الكثير، فالتعزيزات لتلك الجبهة، لم تعد تجدي نفعاً في تغيير مسار المعركة على الأرض ، إذ ان قوات صنعاء تواصل تقدمها، ما أضطرهم للقيام بإعادة ترتيب حساباتهم والتي هي في أضيق زاوية وفقاً للمعطيات الجديدة للمعركة على الأرض ، فكان التفكير بالانسحاب من مناطق واسعة من محيط مدينة الحديدة وجنوبها وبصورة أبعد بكثير مما طُلب منهم في أتفاق ستوكهولم، ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب منها أنهم رأوا أن معركة الحديدة أصبحت مجمدة إلى حد كبير رغم الخروقات اليومية، وقواتهم التي يقع على عاتقها تأمين شريط ساحلي يمتد من مدينة الخوخة وحتى مدينة الحديدة بطول يزيد على 110 كيلو متر دون عمق يكلفهم الكثير من القوات والعتاد لتأمين طريق الأمداد الوحيد من الخوخة وحتى مدينة الحديدة وأن مسألة قطع هذا الشريط الساحلي من قبل قوات صنعاء أو حتى استنزافه ليس صعباً، وأن صنعاء التي تعطي أولوية لمعركة مأرب كونها المعركة التي ستنهي الحرب وتحدد طبيعة الحوار على الطاولة لصالح الطرف المسيطر ، وعند تحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي في مأرب ستكون الحديدة والساحل الغربي بشكل عام وجهة صنعاء القادمة، واستباقاً لمآلات معركة مأرب وحتى لا تسقط هذه المناطق بالقوة كان التفكير بالانسحاب،  والانتقال إلى الخطة ب والتي تتمثل بالاكتفاء.

بتعزيز جبهة الخوخة المخاء القريبة من باب المندب الاستراتيجي ومحاولة توسيع دائرة السيطرة هناك ، كذلك نقل الفائض من تلك القوات إلى مأرب للحيلولة دون وقوعها في قبضة صنعاء باعتبارها المعركة الأهم والورقة الأقوى، كذلك محاولات منع قوات صنعاء من التوسع بشكل أكبر في محافظة شبوة خاصة بعد السقوط المتسارع لمديريات بيحان وعين وعسيلان  نتيجة لتغير المزاج الشعبي هناك لصالح صنعاء مع كون شبوة محافظة غنية بالنفط والغاز وتحتل موقع استراتيجي يتوسط محافظات الجنوب.

 

 

 

(7)

الأقسام: المراسل العام