جولة التصعيد مستمرة: الاستيلاء على سفينة عسكرية إماراتية وضربات صاروخية تحول “احتفالات” التحالف إلى مآتم

 

 

صنعاء تدشن معادلات جديدة في البحر والإمارات تغرق في شبوة

المراسل | خاص

حملت الأيام القليلة الماضية مفاجآت وتغييرات كبيرة ومتسارعة في ميدان المواجهة بين التحالف السعودي الإماراتي وصنعاء، حيث وسعت الأخيرة نطاق عملياتها العسكرية الرادعة بشكل صادم وغير مسبوق إلى الجبهة البحرية وقامت بالاستيلاء على سفينة عسكرية إماراتية انتهكت المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، في صفعة قوية تلقتها كل من السعودية والإمارات على حد سواء، غير أن الأخيرة تلقت المزيد في محافظة شبوة حيث تحول تصعيدها الميداني هناك إلى مقتلة كبرى لأتباعها.

السفينة التي قامت قوات صنعاء البحرية بالاستيلاء عليها، هي سفينة شحن عسكرية تدعى “روابي”، كان التحالف يستخدمها لنقل الأسلحة والعتاد العسكري والجنود بين مينائي جيزان وسقطرى، عبر المياه الإقليمية اليمنية.

وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها قوات صنعاء بالاستيلاء على سفينة عسكرية واقتيادها إلى الشاطئ، الأمر الذي مثل ضربة مزلزلة للتحالف السعودي الإماراتي، الذي لجأ بدوره إلى هستيريا إعلامية مرتبكة ومتخبطة حاول من خلالها التغطية على الصفعة وأيضا التضليل على الطبيعة العسكرية للسفينة، عن طريق الادعاء بأنها كانت تحمل “معدات طبية” و”مساعدات للمتضررين من الأعاصير في جزيرة سقطرى”.

هذه الادعاءات نُسفت بشكل فاضح وبالصوت والصورة عندما قامت صنعاء، مرتين، بعرض مشاهد حية للسفينة، المرة الأولى كانت يوم الإعلان عن الاستيلاء عليها، حيث عرض “الإعلام الحربي” لقوات صنعاء مشاهد وثقت العتاد العسكري الذي كان على متن السفينة ذلك اليوم، والذي تضمن مدرعات متطورة وقوارب عسكرية، وأسلحة متنوعة، والمرة الثانية كانت هذا الأسبوع، حيث قامت قوات صنعاء ببث مشاهد وصور ووثائق تتبعت النشاط العسكري للسفينة خلال الفترة الماضية.

أظهرت المعلومات والصور والمشاهد الحية التي نشرتها قوات صنعاء أن السفينة قامت بحوالي أربع عمليات نقل لمعدات عسكرية وجنود بين سقطرى وجيزان، كما عرضت قائمة بطاقم السفينة وصورة لبعضهم على متن بعض المدرعات التي تضمنتها الشحنات العسكرية.

أمام هذه الفضيحة التي ضاعفت حجم الضربة، لم يجد التحالف سوى التهديد بقصف موانئ الحديدة بذريعة أنها تستخدم لأعمال القرصنة البحرية وتجميع وتصنيع الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي تستهدف المنشآت السعودية، وذلك بالتوازي مع احتجاز المزيد من سفن الوقود.

هذا الهروب لم يكن أفضل حالا من محاولات التضليل على طبيعة السفينة لأنه وضع التحالف في مواجهة محرجة مع الأمم المتحدة التي تشرف على تفتيش كل السفن القادمة إلى الحديدة، والتي يقوم ممثلوها أيضا بزيارات دورية مستمرة للموانئ منذ التوقيع على اتفاق ستوكهولم، بحسب ما نبه نائب وزير خارجية صنعاء حسين العزي الذي رد بأن التحالف يتهم صنعاء بانتهاكات هو من يرتكبها بما في ذلك القرصنة على السفن، وطالب الأمم المتحدة بالخروج عن صمتها إزاء “تضليلات التحالف وتعسفه”.

وبالرغم من أن الإدارة الأمريكية والحلفاء الغربيين للسعودية والإمارات أصدروا عدة بيانات إدانة لضبط السفينة الإماراتية وحاولوا رفع شعار “حماية الملاحة البحرية” الذي يفتح الباب لتضامن دولي تسعى الرياض من سنوات للحصول عليه، إلا أن صنعاء لم تتأثر بمحاولة “الترهيب” هذه، وردت بلهجة شديدة وبمنطق قوي على تلك الإدانات، مؤكدة على لسان كبير مفاوضيها محمد عبد السلام أن “اليمن معني بالدفاع عن مياهه الإقليمية ككل البلدان” وأن “عملية ضبط السفينة العسكرية الإماراتية غير خاضعة لأية مزايدة إعلامية أو سياسية، فالمعركة معركة سيادة وكرامة وستستمر حتى النهاية”.

هذا الرد جاء توازيا مع سلسلة إنذارات عسكرية ملفتة وجهها ناطق قوات صنعاء العميد يحيى سريع للسعودية والإمارات بشكل خاص ومباشر، جاء فيها أن “عمليات القوات البحرية قد تذهب إلى أماكن أبعد” إذا استمر التصعيد، وأن “الخيارات المناسبة للرد في طريقها لتصبح واقعا”.

هكذا بدا أن عملية ضبط السفينة الإماراتية يمثل تدشينا لعام قتالي جديد ومرحلة عسكرية متقدمة من الرد والردع، لن يكون أداء التحالف السعودي الإماراتي فيها أفضل من أداءه خلال المراحل السابقة.

هذا ما يؤكده أيضا التحولات المتسارعة التي شهدها الميدان في محافظة شبوة التي كانت الإمارات قد حشدت أتباعها فيها تحت شعار استعادة مديريات “عين وعسيلان وبيحان” التي سيطرت عليها قوات صنعاء في سبتمبر الفائت بدون قتال وباتفاقات مع القبائل.

خلال الأيام الماضية تمكنت قوات ما تسمى “العمالقة” التابعة للإمارات من تحقيق اختراقات محدودة في المديريات الثلاث التي كان تواجد قوات صنعاء فيها خفيفا ومحدودا في الأصل، لأن عملية تأمينها أوكلت إلى أبناء المناطق أنفسهم وفق تفاهمات محلية بعد تحريرها في سبتمبر.

هذه الاختراقات المحدودة رافقها ضجيج واسع من قبل إعلام التحالف وأتباعه حاول تقديمها كانتصارات كبرى وفاتحة لتحول جذري في مسار المواجهة العسكرية مع قوات صنعاء، لكن النتائج على الواقع كانت أكثر تواضعا مما هي عليه في الفضاء الإعلامي، بل كانت كارثية على قوات ما تسمى “العمالقة” التي وقعت في مصائد وكمائن قاتلة أثناء تقدمها، حيث قامت قوات صنعاء بإطلاق عدة صواريخ بالستية على مناطق تجمعات قيادات وعناصر أتباع الإمارات ما أدى إلى وقوع المئات من القتلى والجرحى.

قائمة الخسائر البشرية تضمنت قيادات من الصف الأول (قادة ألوية) في صفوف قوات ما يسمى “العمالقة”، وأفادت مصادر محلية بأن عدد كبير من القيادات البارزة نقلوا إلى المستشفيات بإصابات خطيرة، الأمر الذي سبب حالة هلع وذعر كبيرة في أوساط الأفراد.

وبدا أن خطة قوات صنعاء تقتضي تحويل مناطق تقدم قوات أتباع الإمارات إلى محارق واسعة لعناصرهم وقياداتهم عن طريق الضربات الصاروخية الاستخباراتية الناجحة، قبل استرجاع المناطق، وهي خطة حققت حتى الآن نجاحا كبيرا جعل “الانتصار” الذي يتغنى به إعلام التحالف باهتا للغاية لكثرة الخسائر البشرية التي تكبدتها قوات “العمالقة”.

وفي ظل استمرار المواجهات يتوقع العديد من المراقبين أن تنتهي “الهدنة” الضمنية غير المعلنة بين صنعاء وأبو ظبي، والتي أسفرت خلال الفترة الماضية عن توقف الضربات الصاروخية والجوية على الإمارات، خصوصا بعد تحذيرات ناطق قوات صنعاء الأخيرة، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تطورا كبيرا يبدو بوضوح أن الإمارات لازالت تحاول تجنبه، إذ لا زالت توكل مهمة “تبني” العمليات العسكرية في شبوة إلى السعودية وناطقها تركي المالكي.

وعلى أي حال، فإن التصعيد الإماراتي في شبوة مثل إلى جانب تصعيد الغارات الجوية السعودية على صنعاء والمحافظات، إعلانا واضحا عن فشل كل أبواب المراوغات السياسية التي رعتها الولايات المتحدة طيلة ما يقارب عام تحت شعار “وقف الحرب”، وبالتالي فإن كل المؤشرات تدل على أن جولة التصعيد ستتصاعد، ولن تكون احتمالات استهداف الإمارات مستبعدة هذه المرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(9)

الأقسام: الاخبار,المراسل العام,اهم الاخبار