للمقاوم الراحل أنيس النقاش
الثورة الإسلامية كـ”رافعة لتعزيز المقاومة”.. التجنيد الخفي لصدام وعرفات وآثاره على المنطقة العربية
المراسل: عرض
في هذه الحلقة نقوم بتقييم بعض الأداء للمنظمات الفلسطينية ونتحدث عن الزلزال الكبير الذي حصل في المنطقة، في إيران مع انتصار الثورة الإسلامية.
جزء من الأسباب التي أضعفت العمل الفلسطيني كان عدم تمركز القيادة الفلسطينية بقيادة واحدة، وعدم السيطرة على مجموع المنظمات بشكل متماسك لأن بعض الأنظمة العربية كان لديها منظماتها الخاصة بالعمل الفلسطيني، العراق والبعث العراقي كان لديه جبهة تحرير عربية، سوريا كان لديها منظمة الصاعقة التابعة لحزب البعث العربي ومنظمة فلسطين العربية الجبهة الشعبية التي كانت في البداية منظمة واحدة، تفتت إلى عدة منظمات منظمة الجبهة الشعبية الديمقراطية التي أخذت منحى ماركسي متطرف وكان خرج منها قبل ذلك الجبهة الشعبية القيادة العامة، ثم بعد ذلك تولت بدلاً عنها جبهة التحرير العربية وكل هذا كان استقطابه متعدد، وبالتالي القرار الفلسطيني رغم أنه كان لديه مجلس وطني ولديه قيادة مشتركة في اللجنة التنفيذية ولكن على الأرض شاهدنا هذا التفتت وهذا التبعثر من خلال الحرب الأهلية في لبنان لأنه عندما كان يتخذ قرار لوقف إطلاق النار كان البعض يخالف هذا القرار عملياً على الأرض وعندما كان البعض يريد إن يمارس ممارسة معينة، كان الطرف الاخر يمكن إن يمارس لغرض في نفس يعقوب، للدولة الفلانية أو الدولة الفلانية، فإذاً لم يكن هناك القرار السياسي والعسكري متماسك.
ولم يكن الضبط والربط بأحسن حالاته وهذا ما أربك العمل الفلسطيني، والإرباك الثاني الذي تحدثنا عنه هو الإصرار بالعقيدة العسكرية على تحريك وتثوير الوضع الفلسطيني في الداخل من أجل قتال القوات الإسرائيلية، قوات العدو الصهيوني، لأن هذه العقيدة هي الوحيدة التي يمكن في حال ضربت قوات الدفاع الصهيونية التي تدافع عن هذا الكيان، عندها يمكن الحديث عن التحرير، أما طالما إن هذه القوى متماسكة وقوية، فأي مناورة سياسية لا يمكن إن تحصل على حقوق الشعب الفلسطيني بشكل سليم، في ظل هذه الأوضاع مع تواجد قوات كبيرة في لبنان ونفوذ منظمة التحرير ونفوذها السياسي عبر العالم وحتى دخولها إلى الأمم المتحدة وخطاب أبو عمار في الأمم المتحدة كان هذا كله يشكل إزعاجاً لإسرائيل، ولكن ظهور وانتصار الثورة الإسلامية وشعاراتها هذا ما يجب إن نضيء عليه، وما علاقته بالتأثير على القضية الفلسطينية وعلى ا لقرارات التي حصلت بعد ذلك في المنطقة.
هناك حدثين أثرا على قرار العدو الصهيوني بالدخول إلى لبنان واجتياح لبنان حتى بيروت، أنا اعتقد إن اول عملية جرت في مارون الرأس أذهلت العدو الصهيوني وأثبتت إن القوات الفلسطينية قادرة على القضاء على كل القوات التي انشأتها إسرائيل على الحدود وهو الحزام الذي وضعته بتسليح بعض المليشيات على الحدود وبعض القرى وبالتالي اسقاط مارون الرأس خلال ساعات دون أية خسائر والحصول على غنائم إسرائيلية وعلى عدد كبير من الأسرى، مع الموقع الاستراتيجي لمارون الراس.
وحساب إسرائيل إن هذه القوات لو انتشرت على الحدود بهذه ا لكثافة وبهذه القوى وبهذه النوعية معنى ذلك على أنها ستكون قادرة على خوض حرب شرسة ضد تواجد القوات الإسرائيلية على الحدود، المسألة الثانية هي انتصار الثورة الإسلامية في ايران، لأنهم اكتشفوا إن كل مجهودهم لإخراج مصر من الصراع جاء فجأة بإيران تحمل شعارات ملتزمة مائة في المائة بفلسطين تلتزم شعارات دعم المقاومة الفلسطينية ومستعدة للدعم المسلح الفلسطيني إلى آخر حد، واعتبرت القضية الفلسطينية مسألة عقائدية دينية ومسألة أساسية في أدبيات الثورة الإسلامية في إيران، بحيث أنه لم يعد لنا إمكانية لفك هذا الموضوع، وطلاق ما بين أهداف الثورة الإسلامية بعيدًا عن فلسطين، لأن هذه الأهداف كانت أهدافاً واحدة والسبب في ذلك هو أنه قبل انتصار الثورة من ضمن الشعارات والتحريض على الشاه، كان غضب الشعب الإيراني على علاقة الشاه مع الكيان الصهيوني ومن ذل الشاه في علاقته مع الولايات المتحدة، ولم تكن الشعارات الإقتصادية أو الدينية هي الطاغية، كان الهدف الأساسي لماذا ترهن إيران الإسلامية للولايات المتحدة!؟.
لماذا هذه العلاقة مع الصهيوني وقد لمست إسرائيل هذا النفس الثوري لدعم فلسطين، لأنها فورًا بعد انتصار الثورة اضطرت إن تقفل سفارتها وهرب الدبلوماسيون الإسرائيليون من طهران، وفورًا اتخذت قيادة الثورة الإسلامية الجديدة في إيران قرارًا بتحويل هذه السفارة إلى سفارة فلسطين، بمعنى أنه حصل قطيعة مباشرة مع الكيان الصهيوني وهم كانوا يستفيدون جدًا جدًا من نظام الشاه الذي كان يمولهم بكل أساليب الطاقة من مواد نفطية وغيرها ولا يأخذ مقابلها إلا بضائع من فاكهة وبضائع من منتجات المستوطنات ولا يكلفهم دفع أثمان هذه البضائع إلى جانب التنسيق الأمني والعملي ما بين نظام الشاه وما بين دولة الكيان الصهيوني ومن جملة هذه الأمثلة أنه مول مع “سي أي ايه” هذه الحرب الأهلية في لبنان ضد المقاومة الفلسطينية، كما إن السعودية تبين أنها مولت بقرار من C I A قوى اليمين اللبناني لتسليحه واعطائها إمكانات من أجل تفجير الحرب الاهلية، فإذاً الرجعية العربية ونظام الشاه كان لهم دور بإضعاف الدولة الفلسطينية وتفجير الوضع في لبنان من خلال تمويلها لهذه الحرب بقرار أمريكي وتمويل أمريكي، والشعب الإيراني كان يعرف ذلك ويعرف هذا الدور السيء لنظامه ولذلك فهمت إسرائيل مباشرة على إن تغيير النظام والدولة وانتصار الثورة في إيران ضربة إستراتيجية لوجودها ولأمنها، وعلى إن تواجد القوات الفلسطينية ومعركة مارون الرأس الرمزية التي ادهشت بإمكاناتها وانتصاراتها على العدو الصهيوني. على إن الضوء الأحمر قد بدأ عند العدو ولذلك اجتاح جنوب لبنان عام 1982م للوصول إلى نهر الليطاني ظناً منها إن إبعاد هذه القوات التي أثبتت براعةً كبيرةً جدًا وانتصار سريع وأصبحت تهدد المستعمرات الصهيونية مع تواجد صواريخها يجب إبعادها بمسافة 40_45 كيلو مترًا بحيث تكون بعيدة عن الحدود وأن صواريخها لا يمكن إن تصل إلى المستعمرات في فلسطين المحتلة، وفي نفس الوقت أرادت إن تدخل مباشرة إلى الساحة اللبنانية لأنها كانت تستشعر إن تأثير الثورة الإسلامية على لبنان سيغير موازين القوى، رغم إن العلاقة لم تكن جيدة جداً في السنوات الأخيرة قبل الاجتياح عام 1982م ما بين قوات الثورة الفلسطينية وأهالي جنوب لبنان.
وأنا اعتقد ليس تحليلا ولكن بالمعلومات على إن جزءً كبيرًا من هذه التوترات التي كانت تجري بين القوى هو إختراق لطرفين، إختراق كان على مستوى بعض العناصر والفئات لأن المنظمات الفلسطينية المتعددة وقياداتها المتعددة ومشاربها ومن يدعمها متعدد، من أنظمة عربية، ودول، وحتى نفوذ الموساد الإسرائيلي داخلها ومن جهة أخرى إختراق لبعض البيئة اللبنانية من خلال تواجدها بمنظمات مختلفة ولكن بعض العناصر كانت بدافع من أجهزة الإستخبارات محلية ودولية تسعى إلى هذا التوتير، تماماً كما حصل في الأردن قبل الاشتباك الكبير ما بين القوات الفلسطينية عندما بدأ الجيش الأردني بتصفيتها.
كان في السنة الأخيرة قبل هذا الاصطدام هناك مجموعة من العمليات السيئة اللاأخلاقية التي تتحدى الجيش الأردني، كان هناك تحدي ليس فقط بالشعارات والمواقف السياسية بل بالإيذاء الجسدي والاعتداء وتبين إن هذه كلها كانت جزء من مخطط تقوم به أجهزة الإستخبارات وبتوجيه من أجهزة الإستخبارات الغربية وهي موثقة بالوثائق والدراسات عنوانها كيفية تدمير قوى ثورية مسلحة أو عمل جبهة ثورية سياسية مناهضة لأي نظام أو لأي دولة من خلال الإساءة اليها بالقيام بأعمال قذرة من أجل إبعاد البيئة الحاضنة عنها وإيجاد تناقض كبير بين القوى الحاضنة وبين هذه القوى، وبالتالي القوى الحاضنة كانت هي الجيش الأردني الذي خاض معركة الكرامة مع الفدائية وتحول إلى جيش يصطدم مع الفدائيين، كذلك في لبنان عمل على إن يتوتر الوضع ما بين أهالي جنوب لبنان والفصائل الفلسطينية رغم إن كثير من القوات الفلسطينية كانت تعي ذلك وكانت تتدخل لفصل الاشتباكات حتى في منظمة واحدة مثل منظمة فتح كان هناك وجهتي نظر وكان هناك قوات تفصل وقوات على علاقة جيدة مع أهالي جنوب لبنان ولكن للأسف من جهة أخرى كان هناك توتير، تبين بعد ذلك إن كل الهجوم الإسرائيلي والاجتياح الإسرائيلي الكبير على لبنان والذي وصل إلى بيروت خلط كافة الأوراق. واعتقدت يومها إسرائيل على أنها مجرد إن تدخل إلى بيروت وتفرض استسلام على قوات منظمة التحرير وتدفعها إلى الخروج من لبنان فإن مسألة التواجد الفلسطيني في لبنان تكون قد انتهت وأن مشروع مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين يكون قد انتهى، ويمكن إن تجبر لبنان على توقيع اتفاقية سلام بالإذعان يؤدي إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ويكون ثالث دولة بعد الأردن ومصر تدخل تطبيعاً مع الكيان الصهيوني.
الذي حصل هو مفاجأة كبرى وزلزال جديد إن ايران دفعت بإمكاناتها وبحرسها الثوري إلى منطقة البقاع عبر سوريا لدعم المقاومة اللبنانية الناشئة، صحيح إن جزء كبير 90% من المقاومة الفلسطينية كان قد خرج من لبنان أما عن طريق البحر أو عن طريق البر إلى بلدان عربية متعددة ولكن ظهر في لبنان مقاومة لبنانية وبعض مقاومة الفلسطينية من أجل مقاومة هذا الإحتلال الإسرائيلي وبالتالي حصلت مسألتين لم تستطع إسرائيل إن تفرض إذعان على لبنان رغم أنها أتت ببشير الجمَّيِل لكي تنصبه رئيسا للجمهورية في لبنان لعل وعسى عن طريقه يتم اتفاق بسلام، لكن اغتيل وقتل بشير الجميل، فجاء أخوه أمين الجميل كرئيس جمهورية واستمر بهذا السعي عن طريق مفاوضات للوصول إلى إتفاق ثم إتفاق 17 أيار ولكن هذا الإتفاق ضُرب بانتفاضة شعبية وبرفض شعبي عارم، وبالتالي خسرت إسرائيل أول ورقة كانت تسعى إليها وهي توقيع إتفاقية سلام مع لبنان، وكان هذا بفضل الدعم السوري لهذه الإنتفاضة ولهذه المعارضة لأن أي توقيع إتفاقية سلام منفرد بين لبنان وإسرائيل كان يعني مزيد من الحصار لسوريا، التي لم تكن قد حصلت بعد على حقوقها والتي كانت تستعد إلى جولة مسلحة ثانية مع العدو الصهيوني رغم صعوبة كل ذلك بسبب إن الجبهة السورية لوحدها والإمكانات السورية لوحدها لا تسمح لها بأن تخوض معركة تنتصر فيها على القوات الإسرائيلية ولكن الذي حصل هو الصعود لمقاومة جديدة لبنانية دُعمت من سوريا ودُعمت من أيران وبالتالي تدحرجت المسألة، فلم تخسر إسرائيل إتفاقية 17 أيار ولم توقع لبنان سلام، وأسقط بيد أمين الجميل الذي كان يعتقد أنه يسيطر على الوضع بدعم من قوات أجنبية كانت قد دفعت بها القوات البريطانية والإيطالية والفرنسية إلى لبنان تحت عنوان قوات أطلسية لدعم الحكومة المتحالفة مع الولايات المتحدة والتي تسعى إلى إتفاق مع إسرائيل.
ولكن كان هناك عمليات ضخمة جداً استشهادية أدت إلى تدمير مراكز المارينز في لبنان وإلى قتل أكثر من 250 جندي بينهم إلى جانب ضرب القوات الفرنسية وخسارتها 75جنديا وإلى تدمير جزء كبير من السفارة الأمريكية وكل هذه العمليات مع استمرار عملية المقاومة على الأرض ضد تواجد القوات الإسرائيلية أدى إلى إن إسرائيل والحلف الأطلسي فقدوا السيطرة على لبنان واضطروا إن يهربوا من لبنان وسحبوا قواتهم من لبنان وانسحبت القوات الأمريكية وانسحبت القوات الفرنسية والإيطالية وبالتالي بقيت المقاومة تقاتل العدو الصهيوني وضُرب مركز المخابرات الإسرائيلي في مدينة صُور وكانت خسائره كبيرةً جدًا تتجاوز 80 قتيل من ضباط مخابرات ومن ضباط عسكريين وجنود وبالتالي طورت المقاومة اللبنانية قدرات فائقة للتحدي ورفعت مستوى التحدي إلى رفع شعار تحرير لبنان كل لبنان من الإحتلال الإسرائيلي، واستمرت هذه المقاومة عبر سنوات منذ العام 1982 تصلب عودها وأصبح لديها إمكانات أكبر، فيما تكتيكاتها تحسنت، وضرباتها للعدو أصبحت أكثر إيلاماً وبالتالي تغير الموقف بشكل كبير، بمعنى إن كل ما قامت به مصر من انسحاب من “كامب ديفيد” أصبح لا مكان له في الإعراب بسبب مجيء إيران البديل كدولة إقليمية كبيرة تدعم الحق الفلسطيني وتشارك في عملية تحرير فلسطين.
صلابة الموقف السوري الذي لم يستسلم رغم كل الضغوطات ورغم اجتياح لبنان ووصول القوات الإسرائيلية إلى بيروت، دعم المقاومة، ودعم كل أساليب المقاومة، ومدها بالسلاح من أجل إن تستمر حتى وصلنا إلى عام 2000 وتحرير جنوب لبنان وبقية مزارع شبعا وكفر شوبا التي لم يخرج منها العدو الصهيوني، هنا أصبح لدينا معادلة جديدة، فأول مرة قوى عربية مسلحة شعبية تفرض على العدو الصهيوني الإنسحاب وانسحب هذا العدو مذلولاً مدحورًا دون أي اتفاق ودون أي مفاوضة ليؤكد جسامة الخطاء الذي فعلته مصر باتفاقية كامب ديفيد، والتي لم يفعلها لبنان ولم يتنازل ولم يفاوض وكان الإنسحاب مذلاً لإسرائيل ولعملائها الذين خرجوا معها وأصبح جنوب لبنان محرراً ولم تتراجع المقاومة بأن قالت لقد حررت الجنوب وعليّ إن أعود إلى بيتي، وإلى أعمالي، لقد أنتهى الموضوع.
لقد كانت تعرف خطر العدو الصهيوني وتعرف أنه طالما العدو الصهيوني موجود في فلسطين، فهو يهدد أمن واستقرار لبنان وأنه يستعد لجولة أخرى لكي يجبر لبنان على توقيع إتفاقية سلام وإذلال مع هذا العدو لو تسنى له هذا الأمر ولذلك استمرت في الإعداد لما بعد حرب التحرير الذي انتصرنا بها في عام 2000 لكي نصل إلى حرب 2006م وفي هذه الاثناء العدو وحلفائه في المنطقة وجدوا إن إيران خطر كبير بشعاراتها وبمعاداتها للصهيوني وبمعاداتها للولايات المتحدة، وقد كان أخذ الرهائن في السفارة الأمريكية إذلال للولايات المتحدة، كذلك قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، وتثوير المنطقة ودعم حركات التحرير كحركات المقاومة في فلسطين وفي لبنان التي تشكل خطر كبير على كل المشاريع الغربية ومشاريع بعض الدول العربية الرجعية التي مولت الحرب الأهلية في لبنان والتي دفعت أنور السادات للاستسلام لصالح الكيان الصهيوني ولصالح أمريكا والتي كانت تسير باستراتيجية أمريكية.
وأمام ذلك فقد حرضوا صدام حسين الحاكم وقتها في العراق على إن يشن حرباً على إيران لأرباك إيران وكان هذا بدعم من الولايات المتحدة ومن فرنسا ومن السعودية، من الدول التي مولت هذه الحرب، وأساساً بتحريض إسرائيلي لضرب القوتين قوة الجيش العراقي التي كانت تَرهَبها إسرائيل لأن هذا الجيش العربي كان قوياً مسلحا لديه إمكانات والعراق دولة نفطية لم تكن تحتاج مساعدات من الدول النفطية الأخرى كما كانت مصر وسوريا من أجل تسليح أنفسهم، بل كان يُغدق عليه بالسلاح بشكل كبير، وبالتالي كان يجب ضربه بإدخاله بحربٍ مع ايران، في نفس الوقت كانت أهداف الحرب العراقية الإيرانية هي أهداف غربية إسرائيلية أي أنها لم تكن أهدافا عربية للدفاع عن العرب لأن الإيرانيين لم يكونوا قد اعتدوا على العرب، ولم يكونوا قد شنوا حرباً على العرب، بل جاءوا لدعم الكفاح العربي ودعم المقاومة الفلسطينية ودعم المقاومة اللبنانية، وكانوا يمثلوا قطب الرحى ومركز الصدام مع النفوذ الأمريكي الصهيوني في المنطقة بعد إن كانت إيران مركزاً للنفوذ الصهيوني الإمبريالي الأمريكي في المنطقة، وكان هذا يعني تحول لإيران 180 درجة وسمي بالزلزال الكبير ولم يكن زلزالا بتغيير وجه النظام أو شكل النظام، بل انخراط عملي من قبل إيران بعملية النضال ضد النفوذ الأمريكي والصهيوني في المنطقة ولذلك كان التحريض على إيران من الأهداف الأكبر للأمريكان والصهاينة بادخالها في حرب طويلة وإنهاكها إلى جانب إنهاك العراق وضربهم فيما بينهم وكذلك من أجل إضعاف القضية الفلسطينية.
والأمور أصبحت معروفة بعد ذلك بتسلسل الأحداث ط، ولم يستطيعوا إن يسقطوا إيران بهذه الحرب، أنهك العراق وضعفت إيران نسبياً ولكنها لم تتخلى عن واجباتها، لأنه رغم انغماسها في الحرب ورغم أنها كانت تدافع بكل إمكاناتها عن أراضيها ضد هذا الإعتداء من قبل النظام العراقي إلا أنها كانت تستمر بدعم المقاومة في لبنان ودعم المقاومة في فلسطين، إلى إن وصلوا إلى وقف إطلاق النار وانسحبت القوات العراقية، وتم فصل القوات العراقية والإيرانية وتوقفت هذه الحرب، عندها لم يكتف الغرب بهذه النتيجة ولم يكن مرتاحاً بتاتا لهذه النتيجة، لأن ايران كانت مستمرة بدعم المقاومة مستمرة بسياستها وكان يجب إن يضعف العراق لكي لا يأخذ مكانه مرة أخرى، بأن يكون دولة عربية قوية وخاصة إن هناك عشرات من المقالات والتحليلات ومراكز الدراسات الصهيونية والغربية تتحدث عن خطورة العراق الجديد، وماهو العراق الجديد العراق الذي خاض ثمان سنوت حرب كسب فيها من التسليح الغربي والشرقي وكسب فيها تجربة حرب طويلة الأمد تحت النيران الحقيقية يعني صلبت قدراته العسكرية وفي نفس الوقت كسب خبرات عربية وغربية لأن الغرب كانوا يدعمونه بالمعلومات وقد إكتسب القدرة على المناورة والحرب الطويلة الأمد فكان الجيش العراقي هو هدف أساسي لإسرائيل وهذا كله موثق بمجموع هذه المقالات والمواقف الإعلامية على إن الجيش العراقي أصبح خطرًا وعلى إن إيران أيضا خطر كبير يجب إن نتعامل معهم من أجل إضعافهم، لذلك كانت التوجيهات للدول الخليجية بأن تخفض سعر النفط وتطلب من العراق رد ديونه التي مولته بها أثناء الحرب لأنه كان مديوناً للدول النفطية ب90 مليار دولار.
وكان انخفاض سعر النفط لا يسمح له برد هذه الديون، هنا كان في الخط إضعاف إيران لأنها أيضا دولة نفطية، وإضعاف العراق كدولة نفطية بحيث لا يخوض الجيش العراقي بإمكاناته حرباً مجددًا كي لا يقف على رجليه ويهدد جيرانه ويهدد الكيان الصهيوني إذا قرر إن يعود لدعم القضية الفلسطينية فكان القرار إضعافه إقتصادياً كما إضعاف ايران إقتصادياً وهذا ما أدى إلى دخول العراق الكويت لأنه لم يكن باستطاعته إن يدفع الديون التي عليه وكانت الكويت تسحب من حقل نفطي مشترك مع العراق نفط وفي نفس الوقت أخذت قرارًا هي والسعودية على إن تخفض سعر النفط وهذا القرار لم يكن سعودياً ولا كويتياً بل كان قرارًا أمريكياً تحت عنوان إن هذا القرار بتخفيض أسعار النفط يمكن إن يضعف إيران ويضعف العراق الذي لم يستطع إن يحقق أهدافه في الحرب وكان هذا قرار صهيوني أمريكي خليجي بإمتياز دفع بصدام نحو الخطأ الكبير، الخطأ الإستراتيجي الثاني بعد الخطأ الأول الذي أدخل صدام في الحرب ضد إيران بإدخاله إلى الكويت ونعرف ما الذي حصل بعد ذلك بأن جاءت قوات دولية وقوات عربية وضربت القوات العربية المجاورة في الكويت فأضعفت العراق مرة أخرى مجددًا بحروب جانبية كلها خدمة للكيان الصهيوني وخدمة للنفوذ الأمريكي في المنطقة وهنا دخلنا إلى مرحلة جديدة من التوتر مرحلة صراع وضعضعة العراق، مرحلة صراع العرب بأن شارك عرب مع أجانب مع غربيين لضرب قوة عربية فضرب الأمن القومي العربي وأختفى الأمن القومي العربي ولم يعد له معنىً ودولة عربية كبيرة مثل العراق بدأ ينخرها الوهن وبدأت تضعف أكثر فأكثر تمهيدًا لهجوم جديد عليها سنتحدث عنها في المراحل القادمة.
(15)