تمديد الهدنة: ملف “المرتبات” على الطاولة

التحالف والأمم المتحدة أمام اختبارات جديدة والتعنت قد يغلق باب التهدئة تماما

وفد حكومة “العليمي” يتمسك باستمرار إغلاق الطرق في تعز

 

المراسل: ضرار الطيب

 

دخلت الهدنة بين صنعاء والتحالف مرحلة جديدة، بعد موافقة الأولى على “التمديد” لشهرين إضافيين، في خطوة لم تكن مرجحة نظرا إلى النتائج غير المشجعة لتهدئة الشهرين الماضيين، غير أن صنعاء تراها فرصة لوضع التحالف أمام استحقاقات الملف الإنساني التي يتهرب منها منذ أعوام، وعلى رأسها ملف مرتبات الموظفين الذي يبدو أنه يمثل معيارا رئيسياً لنجاح “التمديد” من عدمه.

 

وساطات لا إلتزام وراء التمديد

الموافقة على التمديد جاءت “بعد نقاشات طويلة مع الأمم المتحدة وجهات أخرى ورسالة أممية إلى الرئيس المشاط” بحسب كبير مفاوضي صنعاء محمد عبد السلام، وهو الأمر الذي أوضحته وكالة سبأ الرسمية في صنعاء بشكل أكبر عندما أكدت أن المشاط تلقى اتصالات من عدة دول شقيقة وصديقة لمنح دول التحالف والأمم المتحدة فرصة أخرى.

بالتالي، فإن الموافقة على التمديد لم تبن على نتائج المرحلة السابقة من الهدنة، بقدر ما انطلقت من تجاوب صنعاء مع الوساطات، وحرصها على عدم تفويت أي فرصة ممكنة لإحراز تقدم -مهما كان بسيطا- في معالجة الملف الإنساني.

المبعوث الأممي أكد أن التمديد جاء على أساس الاتفاق الأصلي الموقع مطلع أبريل الماضي، لكنه أكد أيضا في رسالته للمشاط، على أن تتم مناقشة المرتبات والخدمات الأساسية واستكمال تنفيذ البنود التي لم تنفذ خلال الشهرين الماضيين، والعمل على اتفاق شامل بين الأطراف.

لم يكن حرص التحالف والأمم المتحدة على التمديد مفاجئا، لأن هدفهما الرئيسي من الهدنة -كما تؤكد كل الوقائع- هو كسب الوقت وتجنيب دول التحالف الضربات العسكرية الصاروخية والجوية لأطول وقت ممكن، لكن المعطيات السابقة تؤكد أنهما لم يحصلا على التمديد إلا “باستجداء” صنعاء، وليس بمكاسب الاتفاق، وهو ما يعني أن عليهما الآن البدء بالتعاطي الجاد مع التعهدات، لأن الوسطاء لن ينجحوا كل مرة في إقناع صنعاء بالتمديد.

مع ذلك، لا يبدو أن لدى التحالف أو الأمم المتحدة أية نوايا لتنفيذ الالتزامات والتعهدات، إذ ترجح كل المؤشرات على الواقع أنهما يحاولان تكرار نفس تجربة الشهرين الماضيين: المماطلة ثم تنفيذ جزء بسيط جدا لخداع الرأي العام وخلق “فرصة وهمية” للسلام.

في هذا السياق، وبرغم أن المبعوث الأممي قد تعهد في رسالته لرئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء بالعمل على استكمال تنفيذ البنود المتعثرة، لا يزال مصير الرحلات التجارية التي تم منع تسييرها من وإلى مطار صنعاء خلال أول شهر ونصف من الهدنة مجهولا، كما لا زال التحالف يحتجز سفن الوقود ويمنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، في الوقت الذي تصاعدت فيه الخروقات العسكرية من جانبه بشكل ملحوظ تزامنا مع إعلان التمديد وصولا إلى شن غارات جوية سقط جرائها شهيدين.

 

يتهربون من فتح الطرقات

وفيما يخص ملف فتح الطرق، بالرغم من انطلاق جولة ثانية من المشاورات في العاصمة الأردنية عمان، لم يتغير موقف وفد أتباع التحالف، إذ أعلن أمس رفضه لأي محاولة من جانب صنعاء لفتح طرق في محافظة تعز بشكل أحادي، معتبرا ذلك مخالفة “لجوهر الاتفاق”!

وكانت صنعاء قد أعلنت على لسان المشاط أنها ستقدم مبادرة أحادية في هذا السياق إذا لم يتغير موقف التحالف وأتباعه في عمان، وقد علمت “المراسل” أن السلطات الموالية لصنعاء بدأت هذا الأسبوع بفتح ممر مهم من جانب واحد.

موقف وفد التحالف عبر بوضوح عن رغبة في استخدام قضية الطرقات وفي محافظة تعز بالذات كورقة مساومة وابتزاز، وهو ما كان قد بدا جليا من خلال رفضه لعرض صنعاء السابق الذي تضمن فتح ثلاث طرق مهمة في المحافظة، وتركيزه على طريق واحدة في منطقة تماس (جولة القصر) لأغراض عسكرية بينة.

وبرغم الضخ الدعائي الكبير الذي يحاول تبرير موقف وفد التحالف، إلا أن حجم التعنت في هذا الموقف لم يعد قابلا للتبرير، حيث تصاعدت أصوات كثيرة تطالب أتباع التحالف بتغليب مصلحة المواطنين والموافقة على بدء فتح الممرات التي عرضتها صنعاء، خصوصا وأنها ممرات آمنة وتختصر الكثير من الوقت، كما أنها تخلص المسافرين من عناء دفع الإتاوات لعناصر أتباع التحالف في الطرق الطويلة الحالية.

هكذا، فإن بنود الاتفاق الأصلي لا زالت تواجه العراقيل نفسها التي يسببها تعنت التحالف ورغبته في استخدام هذه البنود كأوراق ضغط ومساومة.

 

 المرتبات وتوحيد الإيرادات.. آمال ضئيلة

أما التعهدات الإضافية التي ظهرت على السطح مع إعلان التمديد والتي تتضمن دفع مرتبات الموظفين ومعالجة الأزمة الاقتصادية، فيبدو أنها تواجه عراقيل أكبر، أولا: لأن التحالف لا يعترف بها في إطار اتفاق الهدنة وهو ما يعني أنه لا يريد حتى أن يقترب منها، وثانيا: لأن التعنت المستمر إزاء فتح عدة طرق ومنع تسيير عدد محدود جدا من الرحلات الجوية، يجعل فرصة الموافقة على أمور مثل إعادة

 

هذا ما تؤكده مجريات الواقع أيضا، ففي الوقت الذي تتحدث فيه صنعاء عن التزامها بإيداع إيرادات ميناء الحديدة في حساب خاص بالمرتبات شريطة أن يلتزم التحالف وأتباعه بتغطية العجز من عائدات النفط والغاز، يتحدث التحالف وأتباعه عن ضرورة إلزام حكومة صنعاء بدفع المرتبات “في مناطق سيطرتها” من إيرادات ميناء الحديدة فقط، وأن تبقى عائدات النفط والغاز حيث هي (في البنك الأهلي السعودي وفي جيوب قيادات أتباع التحالف).

المسافة الهائلة بين ما تقترحه صنعاء وما يتحدث عنه التحالف في هذا الملف، وتجارب السنوات السابقة، ونتائج المرحلة السابقة من الهدنة، ومعطيات الوضع الراهن، كلها ترجح بوضوح أن ملف المرتبات والوضع الاقتصادي قد يبقى معلقا لفترة أطول، وربما تندلع جولة أخرى من التصعيد العسكرية قبل أن يتم حله، لكن حضور هذا الملف كملف رئيس على الطاولة الآن يمثل ضغطا غير مريح للتحالف، ويبرهن حرص صنعاء الكبير على الذهاب نحو حلول واسعة وشاملة وعلى تبنيها مطالب مشروعة، وهو ما يعني أن رفض التحالف لمعالجة هذا الملف قد يغلق الطريق تماما أمام  “التهدئة” التي باتت الوسيلة الوحيدة لتجنب ضربات صنعاء الصاروخية والجوية.

 

 معادلة كسر الحصار القادم

في النهاية قد يرى التحالف والأمم المتحدة أن موافقة صنعاء على “التمديد” مكسبا لهما في خطة كسب الوقت، لكن ما تطرحه صنعاء على الطاولة يمثل في الواقع اختبارا مهما، ستكون خسائر السقوط فيه أكبر بكثير من أي “مكاسب” تسعى دول التحالف والأمم المتحدة لحصدها الآن، لأن رفض معالجة الملف الإنساني، سيعني بوضوح الإصرار على استمرار الحرب والحصار، وفي هذه الحالة فإن معادلات مرعبة قد تعود إلى الواجهة، أبسطها معادلة “كسر الحصار”.

(18)

الأقسام: الاخبار,المراسل السياسي