قمم، قمم، قمم! جلالة الكبش على سموّ نعجةٍ.. على حمارٍ بالقِدم! – بقلم/ مصطفى عامر

على مرأى من الكاميرات يُقتل الطفل محمد الدّرة، يموت في حضن أبيه، جنديٌّ صهيوني قذر يُكسّر ضلوع شابٍ فلسطيني أعزل، صرخاتها تصمّ أذنيك.. فلسطينيّةٌ أخرى تُسحل في الشوارع، تُقتل بلا ذنبٍ ثالثة، ومؤخرًا يقتنص أراذلها شيرين أبو عاقلة، مثلًا.. فيما تضجّ ذاكراتك بآلاف الصّور المشابهة.

على نحوٍ موسميٍّ رتيبٍ يكتب الشعراء قصائد، ينهمكون في جلد الذات، تغني جوليا: وين الملايين؟ ويصرخ الشاعر مظفر النوّاب:

قمم، قمم، قمم!

معزى على غنم،

جلالة الكبش على سموّ نعجةٍ.. على حمارٍ بالقِدم!

وتبدأ الجلسة: لا، ولن، ولم

وتنتهي فدا خِصاكُم سيّدي، والدّفع كم!

تغتالك المشاهد في البدء، تفور من بعدها مليّا، تثور كما يفعل الرجال.. تبكي كما تفعل النّساء، تغني “وطني حبيبي”، يُشجيك الحلم العربي، ترفعك القنوات إلى عليين.. يزمجر حاكمك الخاص في قمّةٍ جديدة “غير عادية”.. تفشل القمّة مجدّدًا، وكالعادة!

يتبادل الزعماء الاتهامات،

فيما تقنعك القنوات المحليّة بأنّ حاكمك الخاص ذهب إلى القمّة بطلًا، لولا أنّهم خذلوه فيها.

يتكرّر المشهد بحذافيره، على أن حماسك يتدنّى، يرتفع الإحباط لديك.. تفكّر: ليس في الإمكان أبدع مما كان! فيما تنشط القنوات أضعافًا في بثّ المشاهد ذات النمط الوحيد المكرور:

فلسطينيٌّ أعزل بلا قوة،

يذلّه كيان القاذورات بلا ذنب!

صمتت جوليا، لا أحدٌ بعدها يتساءل معها: وين الملايين! وفي كلّ مكانٍ ثمّة حديثٍ عن الكيان الذي لا يُقهر!

يتسلل عبر أذنيك “رأيٌ آخر”، و “اتجاهٌ معاكس”، تعتاد على سماع “صوت الاعتدال” الذي يُخبرك دائمًا بأنّك محض فردٍ في مجتمعٍ كاملٍ من “المخصيين”!

تزداد مشاهد الإذلال اليوميّ ضراوة،

على أنك لم تعد- كما كنت- تواجهها بنخوة العربي الحرّ!

بقدر ما تراقبها بخنوع “المخصيّ” العربيّ المدجّن!

يزمجر البيت الأبيض فترتعد فرائصك،

وفي وجه المذيع المحليّ تلمح- أيضًا- فرائص مرتعدة!

حاكمك من خلف الشاشة يعاني من “سلسٍ” في البول،

لا تنام ليلتها بالطّبع!

 

وفي تلك اللحظة بالذات يمرّ على خاطرك مشهد إذلالٍ شبيه.. من طائفة المشاهد التي تم تدجينك عليها لسنوات!

كلّ ما في الأمر أنّك تتخيّل ذاتك في كلّ مشهدٍ منها “ضحية”!

أعزل، يُعتدى عليك بأعقاب البنادق والهراوات، يسحلك الصهيوني القذر على شارعٍ كئيب، أمام الكاميرات بالطبع!

ثمّ أنّه من بين أربعمائة مليون عربي، وما يقرب من ملياريّ مسلم!

لا يتحرّك لنصرتك من بينهم أحد!

لقد باتوا مثلك تمامًا،

يشاهدونك بفرائص مرتعدة، وفي مناماتهم بالطّبع يشاهدون الكوابيس ذاتها!

وبالتأكيد، وفقًا للصورة أعلاه، يمكنك العيش إلى ما شاء الله وفقًا لتنظيرات تيار الاعتدال العربي!

هذه هي الصورة الحقيقة كاملةً وفقًا للنموذج العربي المسالم المُطبّع الوديع!

ووفقًا لهذا المنطق بالضبط تتم معاداة حركات المقاومة المسلحّة، ويخبرك العابرون مثلًا بأن طوفان الأقصى جلبت لغزّة الخراب!

الخراب الذي كان بإمكانك تفاديه لو أذعنت بالطّبع،

وماذا فيها؟

لو جرّبت الحياة مثلًا بلا كرامة!

ماذا لو أرحتنا منك مثلًا؟

وتركت الوحش الصهيوني القذر يختار يوميًّا ما شاء من الفرائس.. يفترسها كيف شاء!

ويغتصبها كما يريد.. في كلّ الأحوال فلتصمت!

الصمت خيرٌ لك،

ولتدعّ الله أن يهدأ الوحش باكرًا، ويذهب إلى النوم قبل الانتباه إليك!

كلّ ما في الأمر بعد هذا أن حزب الله في لبنان أو أنصار الله في اليمن، حركات المقاومة في فلسطين أو المقاومين في العراق.. كلهم قالوا “لا” لهذا المنطق!

وتحلّق عليهم أراذلها الخانعون من كلّ صوبٍ وطائفة،

كلّ مذهبٍ وطريقة!

لا لأنّهم كفروا بالله، مثلًا!

لا لأنهم شيعةٌ عند بعضهم، وعند آخرين نواصب!

لا لأنّ كيان القاذورات يَعد الصامتين عليه بحياةٍ رغدا، ولا لأن نتنياهو كان فيما يبدو للعيان على هُدى!

ولكن لأنّهم قالوا “لا” فأفسدوا الصورة،

وخربوا برفضهم للذل المقيت كلّ تفاصيل المشهد!

لأنّهم خالفوا ما تم ترويجه للناس فحسب،

وأثبتوا للعالم أنّ في الأمّة هذه “رجالٌ صدقوا”، برغم أنف ما فيها بالطبع من “المخاصي”!

لهذا حاربوا الصّرخة في اليمن،

وإلى جانب كيان القاذورات وقفوا في تموز 2006!

لهذا وقفوا ضد غزة في كلّ الحروب عليها، لا سرّ في هذا بالطّبع.. لقد باتت واضحاتها للناس جهرًا في العلن!

لهذا يستبدّ بهم التشفّي، كلما ذهب أطفالٌ إلى الله شهيدًا في حيّ الزيتون، أو نساءٌ في رفح!

ليس لأنّهم لم يكونوا من قبلها يُقتلون بالطبع،

ليس لأنّ الشهداء عبر تاريخ فلسطين يذهبون يوميًّا إلى الله!

ولكن لأنّهم يذهبون الآن مرفوعيّ الرأس،

لأنك لا تشاهد الفلسطيني يموت فيها أعزل، ولأنّ جيش القاذورات- بفعل المقاومة- لا يكفّ عن استهلاك الحفاظات، ويفرّ قبل الذهاب إلى غزّة ألف مرة!

لأنّ أميركا تقف الآن في البحر الأحمر على “إجر ونص”، وشها للحيط!

ولأن العالم لا يهتم الآن بما يقوله بايدن،

وإنما بما يقوله السيّد عبدالملك الحوثي!

لا يأبه بتصريحات جالانت،

بل ما قاله “أبو عبيدة”!

يجتمع تحت قبّة جامعة العربيّة عشرات المخاصي،

ولا يهتم بتغطية ما ينهقون به أحد!

ثم يلتفّ العالم كلّه من بعدها خلف خبر:

لقد التقطت الكاميرات صورةً لما يبدو أنه يشبه ظلّ حذاء القائد يحيى السنوار!

تقول بريطانيا أنه تم اقتناص سفينةٍ لها في البحر!

يقول العالم: حسنًا، لا داعي لتصديق هذا الخبر أو لتكذيبه!

إن صدقت فانتظروا بيانًا من يحيى سريع،

وإلا فلا تلتفتوا في الأصل لهذا الخبر!

إنّ شمس بريطانيا قد أفلت عليها منذ قرون،

ولا أحدٌ في هذه الأرض يهتم عادةً بما يقوله الآفلون!

(27)

الأقسام: آراء,اهم الاخبار