شكري في القدس… الحقيبة الفلسطينية والملفات الاقليمية

أليف صباغ

إنشغلت وسائل الاعلام والمحللين السياسيين وهيئات أخرى في فهم مضمون وتوقيت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إسرائيل، ولقائه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مرتين في يوم واحد. ويبدو من مراجعة لما كتب أو قيل في وسائل الاعلام المصرية والإسرائيلية، إن مضمون الزيارة الحقيقي يختلف عما يُراد تسويقه، وأن توقيتها المفاجئ بعد عودة نتانياهو من “زيارة تاريخية” إلى أفريقيا لم يكن صدفة.
ركزت وسائل الاعلام المصرية والفلسطينية على أن الزيارة كانت تهدف إلى تحريك عجلة المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية وفق المبادرة العربية، لكن وسائل الاعلام الإسرائيلية ذهبت بغالبيتها إلى القول إن المسألة الفلسطينية كانت واحدة، وربما هامشية، ضمن الملفات الإقليمية الكبرى التي حملها سامح شكري في الحقيبة الفلسطينية.
منهم من تحدث عن ملف مياه النيل وخشية مصر من المساعدة الإسرائيلية لإثيوبيا، وهذا الرأي جاء مفسراً للتوقيت المفاجئ للزيارة، مباشرة بعد عودة نتنياهو من أفريقيا. ومنهم من رأى بالمصالحة الإسرائيلية التركية سبباً يدعو مصر إلى التفاهم والتعاون مع إسرائيل، خاصة وأن هناك تفاهمات تركية – إسرائيلية، اقتصادية، وأخرى إسرائيلية – مصرية، تخص منابع الغاز في البحر المتوسط، وكيفية تسويقها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وأن مصر لا بد أن تضمن مصالحها الاقتصادية في هذا المجال، خاصة وأن إسرائيل تلعب دوراً محورياً فيه.
أما موقع تيكدبكا المقرب من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فقال: إن العلاقات الأمنية السرية القائمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونتنياهو منذ زمن بدأت تخرج إلى العَلَن، وإن الزيارة أخذت موافقة السعودية والامارات مسبقاً، وهذا ما أشارت إليه مصادر إعلامية متعددة في إسرائيل، وهي تأتي ضمن المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة، خاصة وأن مصر قد تسلمت في الأيام الأخيرة أول حاملة طائرات هيليوكوبتر، “ميسترال”، من فرنسا بتمويل سعودي.
هذه الحاملة قادرة أن تحمل الطائرات والدبابات وقوات المشاة وانزالهم على شواطئ سيناء لمحاربة الجماعات المسلحة هناك، وكل هذا يحتاج إلى تنسيق أمني مع إسرائيل، ويصب في مصلحة جميع الأطراف. ليس هذا فحسب، بل يذهب الموقع إلى أبعد من ذلك فيعتبر أن توثيق العلاقات المصرية الإسرائيلية يصب في نهاية الامر بتوثيق التحالف الإسرائيلي المصري الخليجي، بكل جوانبه، في مواجهة إيران.
ما يلفت الانتباه أيضاً هو ما قالته روت فاسرمان لندا، مساعدة السفير الإسرائيلي في مصر سابقاً، والمتخصصة في العلاقات المصرية الإسرائيلية، للتلفزيون الإسرائيلي، ومفاده في ثلاث نقاط أساسية: أولاً، أن العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ أن وصل السيسي إلى الحكم يسودها التعاون العميق وان لم يكن ظاهراً للعيان، وأن السيسي، بهذه الزيارة تمتع بشجاعة عالية، ليس فقط لأنه أرسل وزير خارجيته إلى إسرئيل بعد تسع سنوات من آخر زيارة مصرية، بل لأنه أرسله إلى القدس وليس إلى تل ابيب كما يقول المصريون، ذلك لأن السيسي لن ينسى لنتنياهو مساعدته في قبول أميركا لحكمه.
ثانياً، أن مصر عطشى للمياه وهي تخشى من الجفاف ومن الدور الإسرائيلي في اثيوبيا وفي افريقيا عامة، الامر الذي قد يفقد مصر قيادتها لأفريقيا، ومن هنا فهي بحاجة إلى تطمينات من إسرائيل. ثالثاً، أن مصر بحاجة ماسة إلى تنمية اقتصادها، ولذلك هي بحاجة ليس فقط للمال والمياه، بل هي بحاجة إلى الامن في سيناء لتعيد لمصر مدخولاتها من السياحة، ولذلك هي بحاجة إلى التعاون الأمني مع إسرائيل، ومن هنا جاءت تصريحات سامح شكري ان المنطقة لا تحتمل الانتظار، وهي بحاجة الى خطوات تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي.
من كل هذا يمكن أن نفهم أن الاستقرار المنشود يتطلب تجاوباً إسرائيلياً مع المبادرة المصرية، علماً بأن أي تعاون اقتصادي وتحالف أمني إسرائيلي مصري خليجي، لن يكون مقبولاً في الشارع المصري، في ظل غياب حل للمسألة الفلسطينية. من هنا يمكن ان نفهم أيضاً، ما قالته صحيفة هآرتس هذا الصباح، بقلم براك رفيد، الذي اعتبر الزيارة “إنجازاً سياسياً هاماً لبيبي (نتانياهو)، ولكنه محدود الضمان”، مشيراً إلى أن بيبي (نتانياهو) أمام انجاز سياسي تاريخي على المستوى الشرق الأوسط وربما أكبر، بالمقابل، عليه تقديم تنازلات للطرف الفلسطيني، ودون ذلك سيكون هذا الإنجاز الكبير مجرد حبر على ورق.
في الوقت ذاته أشار رافيد عنصر القوة لدى نتانياهو، أي الحاجة المصرية لإسرائيل في القضايا التي ذكرناها سابقاً، ولذلك، فإن مصر تحاول الخروج مسبقاً من حالة الصدام السياسي المتوقع مع إسرائيل بعد أشهر قليلة، حين يوضع على طاولة مجلس الأمن، ومصر عضو فيه، مشروع قرار يلزم إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وهذا ما سترفضه إسرائيل بالطبع، ولكنها تخشى ان تواجَه برفع الحماية الاميركية لها، أي بغياب الفيتو، وهو خطوة مقلقة جداً لإسرائيل وفي الوقت ذاته، محرجة جداً لمصر، التي تحتاج إلى تعاون أمني واقتصادي مع إسرائيل.
لفهم المستقبل، وما يمكن ان ينتج عن هذه الزيارة لا بد من الوقوف عند كل ما ورد سابقاً، وعند المؤتمر الصحافي لنتنياهو وسامح شكري والتمعن بدقة بتصريحاتهما، ففي حين ركز الطرفان على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وكأنه الموضوع الوحيد، او الأهم، الذي ناقشه الطرفان، وبالرغم من تمسك شكري بالمبادرة العربية والعودة الى حدود الرابع من حزيران، الا ان أقوال نتنياهو لم تكن متقاربة من أقوال شكري لتلتقي معه، بل قال: “انا أدعو الفلسطينيين الى التمتع بالشجاعة الكافية مثل مصر والاردن والإنضمام الى المفاوضات المباشرة”، إن استخدامه لكلمة “الانضمام”، وهو معروف بدقته في اختيار الكلمات، تعني أن هناك مفاوضات جارية، بين إسرائيل ومصر والأردن، ولا أستغرب أن تكون هناك دول أخرى قد انضمت إليها، وأن على الفلسطينيين ان يلحقوا بذلك، لا أكثر ولا أقل وبدون شروط.
من هنا يبدو لي أن سامح شكري كغيره من الموفدين العرب إلى إسرائيل، يحملون الحقيبة الفلسطينية باعتبارها جواز عبور وتطبيع الى إسرائيل، وفي داخل هذه الحقيبة ملفاتهم الخاصة لخدمة انظمتهم، قد يدفعون بالأوراق الفلسطينية أحياناً أو ظاهرياً لكسب ملفات أخرى أكثر أهمية، ولكنهم في كل الحالات لا يستطيعون التخلي عن هذه الحقيبة الذهبية، لأنها هي التي تعطيهم “صك الغفران” في نظر شعوبهم.

محلل سياسي مختصّ بالشأن الإسرائيلي

نقلا عن موقع : الميادين نت

(27)

الأقسام: آراء