خاص| المراسل نت:
وجه الاتحاد الأوروبي مجددا انتقادات لاذعة لتركيا متهماً إياها بانتهاك حقوق الإنسان في ردة فعلها على محاولة الانقلاب الفاشلة وداعيا إياها إلى أن”تحترم في كل الظروف دولة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حق كل فرد في الحصول على محاكمة عادلة”. وفي بيان مشترك لوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني والمفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان أمس الخميس أنهما يتابعان”عن كثب وبقلق” فرض حالة الطوارئ في تركيا. ونددا بإقالة أو تعليق مهام عشرات آلاف الأشخاص في نظام التعليم والقضاء والإعلام باعتبارها “قرارات غير مقبولة”، وقالا إنهما يراقبان حالة الطوارئ “بقلق شديد”.
بيان الاتحاد الأوربي أتى عقب إعلان نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتول موش أمس الخميس على إثر قرار تمديد حالة الطوارئ في تركيا لمدة ثلاثة أن بلاده ستعلق العمل ببعض بنود الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان .
تصاعد حدة الانتقادات الأوروبية لردة الفعل التي تمارسها القيادة التركية إزاء محاولة الانقلاب الفاشلة طغت على مستوى الحكومات والأحزاب السياسية والصحف الأوروبية
حيث أعتبر الجميع أن مايقوم به أردوغان من عمليات تطهير لخصومه هو الانقلاب الذي يجب أن يتوقف.
وفي هذا السياق أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء عمليات التطيهر الواسعة التي يقودها اردوغان ضد خصومه السياسين بدعوى مشاركتهم في محاولة الانقلاب مدينة أعمال العنف التي مارسها أنصار أردوغان بحق بعض الجنود المتورطين في محاولة الانقلاب مستبعدة فتح فصل جديد في مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال وزير الداخيلة الألماني توماس دي ميزر في حوار له مع صحيفة ‘تاغس شبيغل”البرلينة أمس الخميس أن طريقة مايسمى بالتطهير في تركيا تجاوز أي رد معقول ومناسب داعيا تركيا إلى إعادة النظر في الاجراءات التي تتخذها
وكانت المستشارة الألمانية قد أبدت صدمتها من اعلان تركيا عودة العمل بعقوبة الإعدام مؤكدة أن تركيا لن تكون عضواً في الاتحاد الأروبي إذا عاودت العمل بعقوبة الإعدام.
الصحافة الأوروبية تهاجم تركيا
انتقادات ردة الفعل التركية إزاء محاولات الانقلاب لم تقتصر على حكومات وأنظمة الاتحاد الأوروبي فقد وجهت كبريات الصحف الأوروبية انتقادات حادة على إعلان تركيا لحالة الطوارئ والفصل الجماعي لموظفي الدولة حيث كتبت الصحف الألمانية أن الانقلاب كان فعلا هبة من الله كما أردوغان
و قالت “دير شبيغل” الألمانية في عددها الصادر اليوم الخميس:” الشعب التركي كله ضد الانقلاب كما أظهر نضجا وتفهما لثقافة الديمقراطية. لكن أردوغان والإسلاميين جيروا هذا التطور لحسابهم، وسط ارتفاع أصوات المؤذنين “ألله أكبر”. وأضافت “يبدو أن الإسلام السياسي في تركيا يعمل حاليا على إسقاط النظام العلماني في البلاد الذي فرضه مؤسس الدولة الحديثة كمال أتاتورك. أمام أنظارنا تموت الديمقراطية أو ما تبقى منها في تركيا”.
إلى ذلك سلطت صحيفة فرانكفورتر روندشاور الضوء على توعد رجب طيب اردوغان بتطهير أجهزة الدولة التركية مما أسماه الهيكل الموازي الذي يتبع لزعيم حركة “خدمة” فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وكتبت تقول:”عندما كان الرصاص ما يزال يُطلق في أنقرة، بدأت موجة الاعتقالات والتطهير الأولى في تركيا. فحتى يوم الأحد تم إلقاء القبض على نحو 6000 من الانقلابيين والإرهابيين المفترضين. كما تم وقف خمس مجموع القضاة عن العمل وتم إصدار أكثر من 2400 مذكرة توقيف بحق قضاة ونواب عامين بينهم قاض في المحكمة الدستورية. وقالت الصحيفة ليس هناك إدارة بإمكانها جمع أدلة ضد هذا العدد الكبير من الأشخاص في وقت وجيز. يبدو أن الحكومة أو إدارة الرئاسة كانت لديها لوائح سوداء جاهزة يجب الآن التعامل معها. وعلى ضوء ذلك يمكن فهم وصف أردوغان للانقلاب العسكري بأنه “هبة من الله”، لأنه يسمح له بالتخلص من معارضيه وتنحية منتقدين ليقترب من هدف تحقيق دكتاتورية رئاسية. وهذا ما يتعارض بحسب الصحيفة مع الدستور التركي وكذا مع شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وأعتبرت الصحيفة أن ماقام به اردوغان ضربة لاستقلالية القضاء.يجب التعبير عن ذلك بوضوح:
وقالت الصحيفة ” ما يقوم به أردوغان هنا هو أيضا انقلاب ـ إنه انقلاب مدني للرئيس”.
صحيفة أوسنابروكر تسايتونغ قدمت وجهة نظر أخرى في هذا السياق، وكتبت:” ماذا سيحصل لاحقا؟ نظام أردوغان بات منذ نهاية الأسبوع أكثر استقرارا من ذي قبل، وهذا يجب قبوله. فالدعم الواسع والجماهيري الذي يحظى به داخل البلاد يؤكد بلا منازع أنه يمكن احتواء أردوغان وليس شيطنته. الاتجاه الذي يمشي فيه قد يغيظ الغرب، لكن الأتراك انتخبوه بحرية. تقارب جديد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعامل بالحوار المتكافئ وإتباع أهداف مشتركة وليس من خلال التوجيهات والشتيمة”.
أما صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ، فعلقت على إعلان السلطات التركية عزمها التخلص من منفذي الانقلاب العسكري والمتورطين معهم بسرعة، وجاء في تعليقها أنه:”حتى الأغلبية الكبيرة الملتحمة فيما بينها بالدموع والدماء المراقة لا يحق لها تحت قيادة زعيمها المنقَذ ملاحقة أية أقلية ولا ملاحقة أكثر من ألف قاض بشكل عشوائي ولا اعتقال صحفيين يقومون بعملهم ورميهم في السجون. وقالت :
إعلان أردوغان القيام بعملية تطهير دون هوادة وتصوراته حول تطهير كيان الشعب من”الفيروسات” هي ضلالات يجب مراقبتها وعدم التسامح معها، والاتحاد الأوروبي موجود لفعل ذلك. وقد سبق له وأعلن أن إحباط الانقلاب لا يعني إذنا مفتوحا لسلطة تعسفية. ولكن ماذا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل؟
وأكدت الصحيفة أردوغان ليس بحاجة إليه ـ وقد عبر عن ذلك عندما أوضح أن تركيا ليست بحاجة لاستشارة أحد لإدراج عقوبة الإعدام.
وأضافت الصحيفة:” الحاكم القوي في البوسفور لا يُعد شريكا موثوقا، حتى للمستشارة ميركل، يفي بوعوده في أزمة اللجوء والقضايا الأمنية. قيمة التحذيرات الأوروبية ستتضح سريعا”.وفي تعليق آخر تتساءل الصحيفة عما إذا كان الانقلاب العسكري في تركيا مدبرا، وهي لا تستبعد ذلك، حيث كتبت تقول:”نظرا لقوة تأثير أردوغان لا يمكن استبعاد ذلك، لكنه من الصعب اعتقاد ذلك. ويُذكر أن بين المحرضين الكبار المفترضين يوجد خمسة جنرالات و28 عقيدا كان من المفترض أن يكونوا تحت غطاء واحد مع أردوغان. الذي أعلن على الملأ أنهم سيدفعون “ثمنا باهظا”، وربما سيقبعون لسنوات طويلة في السجن. ولا تتبين الفائدة التي يمكن لهؤلاء الضباط جنيها من هذه المؤامرة”.
في السياق ذاته كتبت صحيفة “دي تلغراف” الهولندية اليوم أن المخاوف المتعلقة بدولة القانون الديمقراطية لها ما يبررها، خصوصا أن أردوغان أعلن بشكل عنيف أن الشعب يطالب بعقوبة الإعدام للانقلابيين. وأكدت الصحيفة أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام بتأثير رجعي تشكل سابقة غير معروفة فيما يخص خرق المفاهيم الأساسية لدولة القانون. وإذا استمر التطور في هذا الاتجاه، فسيكون في المستقبل تسليم تركيا مطلوبين لها في أوروبا أمرا مرفوضا”.
أما صحيفة “تاغس ـ أنتسايغر” السويسرية فعلقت بالقول: “أحداث يوم 15 من تموز/يوليو 2016ستغير تركيا أكثر من أي أحداث أخرى شهدتها البلاد منذ وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ إلى سدة الحكم في 2002. فمنذ أيام يجري الحديث عن إعادة العمل بعقوبة الإعدام للخونة. وهو أمر سيقذف بتركيا إلى سنوات الثمانينات من القرن الماضي وسيرمي بتركيا خارج قائمة المرشحين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”
بدورها قالت صحيفة “التايمز” البريطانية في عددها اليوم :” إذا تم فعلا في الأسابيع والأشهر القادمة العودة إلى العمل بعقوبة الإعدام والمحاكمات الصورية في ظل انهيار النظام القضائي في تركيا، فستكون الأزمة في البلاد قد ترسخت كليا وسيصبح أردوغان ليس بأفضل من العسكريين الذين أرادوا الإطاحة به”
وكانت التايمز قد نشرت قبل يومين مقالا للكاتب “إدوارد لوكاس” قال فيه أن فشل الانقلاب في تركيا لم يحم الديمقراطية بل قبرها مشيرا إلى أن أردوغان يبدو مصممًا على تدمير دولة القانون، بالإضافة إلىتدمير القضاء المستقل والصحافة الحرة.
وفي تقرير لها أيضا حيث قالت التايمز ، إن السلطة في تركيا، أغلقت خمسة مواقع إخبارية على الشبكة العنكبوتية، وهو ما وصفته الصحيفة بحملة قمع جديدة، تستغل الانقلاب الفاشل، في دولة تزداد”أسلمتها”.
إلى ذلك قالت صحيفة “الجارديان” في تعقيب لها على حملة الاعتقالات التي شنها أردوغان »أُنقذت الديمقراطية، والآن حان دور الدفاع عن حقوق الإنسان”.
وفي مقال للباحثة ” أليف سكوت “مؤلفة كتاب »نهضة تركيا” في نفس الصحيفة، بعنوان “الجانب المظلم من الدفاع عنالديمقراطية”، قالت سكوت إن الحشود التي نزلت للشوارع في تركيا دفاعًا عن الديمقراطية، قد ارتكبت الكثير من الفظائع في حق الجنود المشاركين في محاولة الانقلاب، ومعظمهم جنود صغار السن لم يتلقوا تعليمًا أو تدريبًا جيدًا، فقد ضربوهم وجردوهم من ملابسهم وأعدموا بعضهم، دون محاكمة.
وبحسب سكوت، فإن العنف الوحشي والهمجي في تركيا الآن من العامة، ، صار مقبولًا باعتباره دفاعًا عن الديمقراطية، وأن هذا الوضع مرضي عنه من الرئيس، الذي ازداد نفوذه أكثر من أي وقت مضى.
وقد كتبت صحيفة “الجارديان” في افتتاحية لها بعد أحداث محاولة الإنقلاب الفاشلة أن تركيا قد تتجه إلى شكل من أشكال الديكتاتورية المنتخبة
صحف أوروبية أخرى أكدت أن تركيا على مفترق طرق
طرحت صحيفة “دير شتاندارد” النمساوية سؤالا في تعلقيها على التطورات في تركيا قائلة: “هل سيؤدي رد فعل أردوغان هذا إلى الحفاظ على الديمقراطية أم يؤدي حتى إلى تقويتها؟ الاعتقاد بذلك ضرب من السذاجة. وأضافت الصحيفة تركيا تجد نفسها على الطريق صوب الديكتاتورية مستندة في ذلك على الرغبة العارمة لأنصار الرئيس. وسبق ذلك حملة المحاكمات ضد قوى المعارضة البرلمانية قبل الانقلاب. وتغييب الحزب الممثل للأكراد عن المشهد السياسي ليس سوى مسألة وقت”.
صحيفة “بيرلينغسكي” الدنماركية تناولت اليوم جانبا آخر من الملف التركي وكتبت تقول:”منذ أن بدأ أردوغان بتضييق الخناق على المعارضة السياسية في البلاد، بات واضحا أن أمر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أصبح غير مطروح ولسنوات عديدة. وتساءلت الصحيفة عن مموقف حلف شمال الأطلسي ـ الناتو ـ وعما إذا كان على الحلف أن يتخذ موقفا متحفظا من الديكتاتورية التي تنشأ للتو في تركيا. وأردفت الصحيفة بالقول
“أثناء الحرب الباردة قبل الناتو عضوية تركيا واليونان رغم حكم ديكتاتورية عسكرية فيهما. لكن الحرب الباردة انتهت منذ وقت طويل. وحلف الناتو لا يمكنه على الأمد البعيد تجاهل ما يجري في تركيا”.أما صحيفة “لاكروا” الفرنسية فعلقت بالقول:”إذا تعمقت الهوة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فسيكون واضحا أن هناك أكثر من خاسر. تركيا لعبت دورا حاسما، أحيانا مزدوجا، في حروب تجري خلف حدودها مع سوريا والعراق. وإذا استمرت مرحلة تراجع الديمقراطية في البلاد وترسخت، فسيكون من الصعب على تركيا لعب دور الجسر بين الشرق والغرب”.
في ذات الصعيد أظهر استطلاع ألماني حديث أن أغلب المواطنين الألمان يؤيدون وقف المفاوضات الخاصة بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في ظل الاعتقالات والتسريحات واسعة النطاق التي تحدث في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.وأعرب 75 % من المشاركين في الاستطلاع الذي أجراه معهد “إمنيد” لقياس مؤشرات الرأي لصالح مجلة”فوكوس” الألمانية، عن تأييدهم لوقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وفي المقابل قال 19 % إنهم يرغبون في مواصلة المفاوضات. ولم يحدد باقي المشاركين في الاستطلاع موقفهم في هذا الشأن.وبحسب وكالة دويتشة الألمانية فقد استهدف هذا الاستطلاع 1003 أشخاص، وأجراه معهد “إمنيد” على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا الاتحاد الأوروبي إصدار عبارات واضحة تجاه تركيا بعد فرض حالة الطوارئ هناك.
وشددت الأمين العام للحزب كاتارينا بارلي اليوم الخميس بالعاصمة الألمانية برلين على ضرورة الإبقاء على احترام سيادة القانون ومبدأ التناسبية وتابعت قائلة: “ولابد أن تتوصل جميعالدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي لموقف واضح وعبارات واضحة بهذا الشأن”. وحذرت بارلي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من القيام بالمزيد من أوجه الانتقاص من الحقوق الديمقراطية، وقالت: “إن حالة الطوارئ المفروضة حاليا يجب ألا تؤدي إلى أن يتم تحويل تركيا إلى دولة استبدادية لا يعد بها مكان لحرية الرأي وحرية الصحافة والعلوم”.وأشارت السياسية الألمانية البارزة بحسب وكالة DW الألمانية إلى أن حظر سفر أكاديميين وتسريح آلاف المعلمين يعدان بمثابة هجمات أخرى على الدعائم الأساسية للديمقراطية بتركيا، وقالت: “يبدو أن أردوغان يسعى لوأد تنوع الرأي في مهده وإخراس الرأي العام الانتقادي”. وتابعت بارلي قائلة: “إن ذلك لا يعد ضررا كبيرا فقط للجامعات والمدارس التركية المنفتحة على العالم، ولكنه يضر أيضا بسمعة تركيا على مستوى العالم”
الجدير بالذكر أن تركيا تعمل منذ مايقارب أحد عشر عاماً على التقرب من الاتحاد الأروبي سعيا لنيل العضوية الكاملة فيه وبحسب مراقبون فإن ماتشهده تركيا قد يؤدي أيضا إلى إطالة أمد ماقبل نيلها العضوية الكاملة.
(107)