واقع ما جرى ويجري وسيجري في قادم الأيام للقضية اليمنية

عبدالعزيز البكير

القضية اليمنية في ظل المعطيات والمتغيرات المتسارعة المحلية والاقليمية والدولية السياسية والعسكرية والقانونية أمام عدة سيناريوهات للتوجه صوب الحل ستكشفها الأيام والأشهر القريبة القادمة، وذلك بعد أن استخدمت دول التحالف والعدوان على اليمن بقيادة السعودية عدة أوراق وفشلت في تحقيق ما تريده في التخلص من خصومها في اليمن، وأهم أولئك الخصوم الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح وجماعة أنصار الله بزعامة العلامة عبدالملك  الحوثي. 
والأوراق التي استُخدمت هي :
أولاً: تم العمل على إثارة الخلافات بين المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح في عام 2011م بغرض المواجهة العسكرية بينهما والاطاحة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وإحداث حرب أهلية للتخلص منهما معاً كأكبر تنظيمين ساسيين في الساحة اليمنية ، انتهت بالمبادرة الخليجية وبقاء الحزبين ولم تدخل اليمن في الحرب الأهلية التي كان يُخطط لها في حينه.
ثانياً : تم العمل على إفشال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي واجهت عدة عوامل وعراقيل سياسية وعسكرية وأمنية لكنها لم تفلح وتم تنفيذ أغلب ما ورد في بنود المبادرة الخليجية ، كنقل السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح لنائبه وتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة “باسندوة” مناصفتين بين المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائهم وإجراء عملية الانتخابات المبكرة للرئيس الانتقالي عبدربه منصور كمرشح للتوافق الوطني حسب المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة “بسنتين” وإجراء عملية الحوار الوطني الشامل بمشاركة كافة المكونات السياسية والشباب والمرأة والحراك الجنوبي وجماعة أنصار الله ، وخرج مؤتمر الحوار الوطني بما تم التوافق عليه من القرارات التي تتعلق ببناء الدولة وفق الثوابت الوطنية ومقررات مؤتمر الحوار التي تم إنجازها ، وتم تشكيل اللجنة الوطنية المخول لها صياغة الدستور الجديد حسب المخرجات والقرارات التي جاء بها مؤتمر الحوار الوطني، ولم يتبقى سوى أن تفرغ اللجنة من صياغة مسودة الدستور الجديد وإنزاله للشعب لإجراء عملية الاستفتاء عليه “أي أنه  لم يبقى من بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلا نقطتين هي ، عملية الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، والتي تم تعمد إفشالها من خلال عدم تنفيذ ما جاء في مقررات الحوار وهي، تشكيل حكومة جديدة بدلاً من حكومة “باسندوة” يشارك فيها الحراك الجنوبي وجماعة أنصار الله ومكون المرأة والشباب إلى جانب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه ، والذي تم التسويف لهعميلة إفشاله، بل وتعمد إلغاء الدعم المعتمد في وزارة المالية للمشتقات النفطية وخلق أزمة جديدة شلَّت حركة المجتمع اليمني الذي وقف طوابير لأسابيع وأشهر حتى في شهر رمضان أمام محطات الوقود، مما أدى إلى تصعيد الشارع بقيادة أنصار الله وحصلت مواجهات وتطورات كادت أن تعصف بالبلاد والشعب الذي كان ينتظر الفرج من والمخرج من نتائج الحوار ، لتنتهي تلك الأزمة باتفاق السلم والشراكة الذي تم التوقيع عليه من قبل جماعة أنصار الله “الحوثي” الذي أعلن عن ثورته في 21سبتمبر 2014م في ميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء ومن قبل أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه ومن قبل رئيس الجمهورية “حينها” عبدربه منصور وبرعاية الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها إلى اليمن السيد جمال بنعمر ومباركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والراعية لعملية الحل السلمي في اليمن.

وقد نص اتفاق السلم والشراكة على تشكيل حكومة تكنوقراط فتم الاتفاق على تشكيلها، وتم الالتفاف عليها وشكلت من قبل طرف واحد بغرض التصعيد السياسي الهادف إلى وضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي تم فعلاً مخالفة لنصوص المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول: بأن مهمة الأمم المتحدة هي إحلال السلم والأمن الدوليين والتي تعني في العلاقات الدولية، ولم تعطي الحق للمنظمات الدولية بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول أو بأنظمتها المستقلة وحقها في سيادتها ، والذي يأتي مخالفة كذلك لنصوص المواد (2، 7) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحرم على الأمم المتحدة التعرض للأمور الداخلية للبلدان، وهو ما يجعل قرار وضع اليمن تحت البند السابع تدخلاً في الشؤون الداخلية واعتداء على سيادة دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة ، وهو عملاً يتنافى أيضاً مع كل القيم والمبادئ والقوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها في التعاون بين الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة ومنها الجمهورية اليمنية ، علماً بأن كل تلك الممارسات كان مرسوم ومخطط لها بغرض إفشال عملية الحل السلمي السياسي بين اليمنيين وفي سبيل الإعداد والتهيئة لتنفيذ عملية الحرب والعدوان الذي تم التشريع (المخالف) لها بقرار دولي وبضغط من الدول ذات النفوذ والسيطرة على المنظمات الدولية خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها بقيادة السعودية التي جعلت اليمن كلها ثكنة عسكرية وهدف واحد لا فرق فيه بين مدني أو عسكري، بل مورست عقوبتين في وقت واحد وهي “العدوان والحصار” واستُخدمت في ذلك، القوة المفرطة والأسلحة المحرم استخدامها في القانون الدولي ولم تفرق بين أي مدينة أو قرية أو مسكن أو منشأة زراعية أو تعليمية أو صحية أو صناعية..
كما راهنت على عملية المواجهة بين جماعة أنصار الله “الحوثي” وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح بغرض تخلص أحدهما من الآخر لتتمكن تلك القوى من القضاء على من تبقى منهما لتحقق هدفها ، أتضح ذلك من خلال استصدار قرار دولي بمنع الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السفر لتنفيذ المخطط المرسوم من قبل تلك القوى التي تشن حربها على اليمن حتى اليوم، ولكن فشل هذا المشروع ..
كما فشل مشروع الحصار والحرب الهادف لإجبار الشعب اليمني على النزوح والخروج من اليمن أو إحداث حرب مذهبية بين الشوافع والزيود ، فشل ذلك المشروع بصمود الشعب اليمني ووعيه وثقافته الذي صبر بإيمان وتحمل بإباء من أجل كرامته وشرفه وعرضه وأرضه ، تحمل أعباء تنيء من حملها الجبال ويتشقق من وقعها الصخر ويلين لشدتها الحديد وتحمل معانات كثيرة بصبر كما أسلفنا بغية أن لا يشمت به “عدو” أو يفضح به صديق ، فاستقبل اليمنيين بعضهم البعض وتقاسموا متطلبات الحياة الضرورية وصمدوا 18 شهراً ، وامتص الشعب تلك الضربات الموجعة وقهر الظلام بالتعامل معه وتحمل الجوع والحاجة وغياب الدولة ومؤسساتها والحكومة ومسمياتها بالمنفى ، وكان الشعب قائد نفسه وحاكم ذاته بالألفة والايمان والمحبة والتسامح بين المواطنين الذي كسر حاجز الخوف وخلق الصمود في مواجهة طوفان الحرب والحصار الجائر والظالم ، حين تخلى العرب والمسلمون عن أخوتهم وعروبتهم ودينهم، والمجتمع الدولي عن قيمه وأخلاقه الانسانية والقانونية ، حيث انحازوا لمصالحهم وانقادوا خلف أهوائهم بوحشية لم يشهد لها التأريخ مثيلاً في كل الأزمنة والعصور.

 

نعم ضُربت ودُمِّرت البنية التحتية لليمن وقُتل الأبرياء من النساء والأطفال وعامة المدنيين في الأسواق والطرقات ، لكن لم تُدمَّر أخلاق اليمنيين ولم يسلموا لليأس والقنوط من رحمة الله وقدرته في كشف ما مسهم من الظر وحل بهم من الفتنة، التي كل ما اقترب اليمنيين من الحل السلمي والتوافق السياسي تدخلت الأيدي الخارجية لإفشال ذلك ، علماً بأن الحل قد كان قاب قوسين أو أدنى بشهادة المبعوث الأممي السابق لليمن السيد جمال بنعمر وإحاطته لمجلس الأمن وعلى رؤوس الأشهاد، فتم عزله لأنه قال بأن اليمنيين كانوا قريبين من التوافق .. وهاهي المتغيرات تأتي رغم عوامل الضغوط على المتحاورين في الكويت التي تريد من الوفد الوطني التوقيع والتسليم بما يريدون ، بل تسليم أنفسهم لقوى التحالف الذي تقوده السعودية دون الاتفاق على الحل النهائي للقضية اليمنية وإيقاف العدوان والحرب ورفع الحصار ، ليأتي بعد كل ذلك الاتفاق السياسي بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وقيادة جماعة أنصار الله وحلفائهم استشعاراً منهم للخطر الذي يتهدد ما تبقى من هياكل الدولة والحكومة ومواجهة جحافل العدوان وقواته على الحدود ، من خلال تشكيل المجلس السياسي الذي يمثل قيادة استراتيجية قادمة للعمل الميداني بقيادة جماعية تمتلك القدرة والصلاحية في تسيير الأوضاع السياسية والادارية والعسكرية ومواجهة أي طارئ ، وهو ما أرادته قيادات المؤتمر وحلفائه وقيادة جماعة أنصار الله وحلفائهم أن لا يكون عملها القيادي مرتبط بشخص أو بأشخاص ، بل يكون عمل استراتيجي موحد قادر على تحقيق أهدافه دون تأثر من أي ظرف من الظروف والعوامل السياسية والأمنية والعسكرية التي تمر بها بلادنا..

ونتوقع أن المتغيرات الإقليمية والدولية في ظل المعطيات الوطنية ستخلق سيناريوهات جديدة لدى السعودية وتحالفها، وهي:
1- التوجه مرة أخرى نحو العمل الاستخباراتي العسكري لاستهداف الزعيم علي عبدالله صالح وقائد جماعة أنصار الله فضيلة العلامة عبدالملك الحوثي.
2- التوجه نحو إعلان الانفصال وتأييده ودعمه لإقامة حرب بين شمال اليمن وجنوبه.
3- استخدام القوة الانتقامية من جديد في ضرب المدن المضروبة أصلاً كالجوف ومارب وصعدة وحجة وصنعاء وعمران وغيرها.
4- التفاوض المباشر بين السعودية وبين قيادة المؤتمر وقيادة أنصار الله للبحث عن الحل السلمي، وهو الحل الذي من المؤكد سيعود إليه اليمنيين والسعوديين في نهاية المطاف فالقوة لن تحسم عملية الصراع القائم في اليمن مهما بلغت..

وألخص هنا نسبة نجاح وفشل تلك السيناريوهات بالتالي:
أولاً : عوامل الحرب الاستخباراتية في استهداف وتصفية بعض القيادات غير ممكنة ولو كانت ممكنة لتمت من قبل، ثم أن تشكيل المجلس السياسي قد عزز موقف قيادة المؤتمر وقيادة أنصار الله وأصبح عملها استراتيجياً لا تؤثر على  عمله واستمراره أي عملية استخباراتية كانت. 
ثانياً : عوامل القصف العسكري لا جدوى منها وإذا ماتمت فهي قصف ما قد تم قصفه وضرب ما قد تم ضربه في المحافظات الحدودية والعاصمة صنعاء وغيرها كما أن هذه العمليات ستواجه معارضة واستنكار دولي هذه المرة.
ثالثاً : إمكانية الانفصال وإقامة دولة جنوبية أمر غير ممكن على الأقل في الوقت الحالي ، فجنوب اليمن قنبلة موقوته ، ولو كان ممكن لكان عبدربه منصور هادي وأصحابه فيها ، ولو كانت كذلك ، لما تركتها قيادة المؤتمر وقيادة أنصار الله والقوات المسلحة واللجان الشعبية ، حين نقلت المعركة من جنوب اليمن إلى جنوب المملكة.
رابعاً : الحل السياسي السلمي والحوار المباشر بين قيادة المؤتمر وقيادة أنصار الله ومن معهم من القوى السياسية بحوار يتجاوز عبدربه منصور وحكومة المنفى، سيؤسس لعلاقات جديدة وقوية ومتينة بين الشعبين اليمني والسعودي ويضمن قيام دولة يمنية يشارك فيها كل اليمنيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم السياسية للعمل على حل كل القضايا العالقة بين اليمنيين، والتي نجدد القول أنه لن يحلها إلا اليمنيين أنفسهم … 
هذه قراءتي التحليلية لما يجري على الأرض ويُمارس على الواقع، ولست خبير عسكري أو محلل سياسي وقانوني في الشؤون الدولية ، إلا أني كمواطن يمني أقرأ واقع ما هو قائم ومعاش في بلدي، وكمواطن عربي ومسلم أتابع وأقرأ وأحلل ما هو قائم وواقع في الخارج الإقليمي العربي وتأثير كل العوامل والأحداث والمتغيرات على ميزان القوى الدولية وتوجهاتها في المنطقة العربية كلها ومنها بلادنا اليمن، وهو ما يجعلنا ننتظر ما ستأتي به قادم الأيام والأشهر القريبة ، ونحن متفائلون خيراً إن شاء الله ، فلن يكون ما سيأتي أكثر مما قد ذهب .. 
ونختم هذا بقول الله سبحانه وتعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم [التوبة:51] ؛؛؛

 

الامين العام للحزب القومي الاجتماعي

(1527)

الأقسام: آراء