افتتاحية صحيفة رأي اليوم| لندن
القادمون من دول الخليج، والمملكة العربية السعودية بالذات، الى العواصم الغربية طلبا للاسترخاء والراحة، يجمعهم في احاديثهم قاسم مشترك رئيسي، وهو الشكوى من ارتفاع الاسعار، والخوف من استفحال ظاهرة الضرائب العلنية او المستترة، والسؤال عن اسباب تبخر احتياطاتهم المالية، ومستقبلهم واجيالهم القادمة.
ارتفاع الاسعار يعود بالدرجة الاولى الى رفع الدعم عن السلع الاساسية، مثل الماء والكهرباء والوقود، الامر الذي يمتد الى سلع اخرى بشكل آلي، اما الضرائب وزيادة الرسوم، فباتت الوسيلة التي تلجأ اليها الحكومات الغربية لتحميل المواطن والمقيم عبء سد العجز المتفاقم في ميزانياتها.
اليوم اعلنت الحكومة الكويتية رفع اسعار البنزين بنسب تتراوح بين 42 و 60 بالمئة، ودون اي تعويضات مالية في المقابل، وقالت انها شكلت لجنة لتسعير الوقود كل ثلاثة اشهر، مما يعني ان زيادة الاسعار باتت امرا متوقعا.
الخطوة الكويتية هذه تأتي محاكاة لخطوات مماثلة اتخذتها معظم الدولة الخليجية، مثل السعودية وقطر وسلطنة عمان والبحرين والامارات، ومعظم هذه الدول تواجه عجوزات كبيرة في ميزانيتها السنوية، وتطبيق اجراءات تقشفية بسبب تراجع اسعار النفط.
دولة قطر بدأت اليوم (الثلاثاء) في فرض ضريبة مطار مقدارها عشرة دولارات على كل مسافر، ومن غير المستبعد ان تلجأ دول خليجية اخرى الى فرض الضريبة نفسها، فحجم العجز في الميزانية القطرية هذا العام يصل الى 13 مليار دولار، وهو مرشح للاستمرار طوال السنوات الثلاث المقبلة، الا اذا طرأ ارتفاع كبير على اسعار الغاز والنفط، وهذا امر غير مرجح، حسب آراء معظم الخبراء، مضافا الى ذلك ارتفاع تكاليف مشاريع البنى التحتية لمنشآت كأس العالم التي ستقام في الدوحة عام 2020.
هذه الضرائب المباشرة، او غير المباشرة، بدأت تخلق حالة من القلق في اوساط المواطنين والمقيمين معا، لانها تشكل خرقا للعقد الاجتماعي والسياسي بينهم وبين الحاكم، المتبع منذ ما يقرب نصف قرن على الاقل، مضافا الى ذلك ان هذه الضرائب التي تبدأ “قليلة” حاليا مرشحة للارتفاع بشكل كبير في المستقبل، المهم ان “السابقة” الضرائبية قد سجلت (بضم السين).
المملكة العربية السعودية، او الشقيقة الكبرى، مثلما يطلق عليها مواطنو الدول الاصغر حجما وسكانا في مجلس التعاون الخليجي، تعيش وضعا اقتصاديا وسياسيا هو الاكثر حراجة، بسبب تراجع احتياطاتها المالية من حوالي 800 مليار دولار قبل ثلاثة اعوام، الى حوالي 440 مليار دولار في ظل عجز في الميزانية يصل الى مئة مليار دولار في العامين الماضيين، وارتفاع نفقات حربها المباشرة في اليمن، وبالانابة في سورية.
الاخطر من ذلك ان السلطات السعودية لم تكتف بالغاء الدعم او تخفضيه على السلع الاساسية، وفرض ضرائب وغرامات، وزيادة الرسوم لتخفيض العجز وتقليص اعتماد ميزانية الدولة على النفط، بل لجأت ايضا الى الاقتراض بشقيه الداخلي والخارجي، من خلال اصدار سندات محلية والحصول على قروض خارجية، وبلغت المحصلة العامة حوالي 150 مليار دولار، حسب بعض التقديرات.
احد القادمين من المملكة العربية السعودية، اكد لـ”راي اليوم” وجود حالة من التململ في اوساط المواطنين السعوديين، بسبب تصاعد حرب بلادهم في اليمن دون وجود اي افق بنهاية وشيكة، والخوف من استفحال ظاهرة الضرائب، وما يمكن ان يترتب عليها من اعباء معيشية باهظة.
المصدر السعودي المذكور، وهو شخص خبير، ويحمل درجات علمية عليا من جامعات اوروبية، قال “ان خطورة ظاهرة الضرائب هذه من المفترض ان تأتي في اطار عقد اجتماعي وسياسي جديد بين الحاكم والمحكوم، اي ان تكون هناك مشاركة سياسية اوسع، ورقابة تشريعية، وحريات اعلامية، وخدمات عامة جيدة للمواطنين وهذا ما لا يحدث”.
واضاف هذا المصدر “انتم في بريطانيا تدفعون ضرائب عالية، ولكنكم تأخذون في المقابل تعليم جيد، ورعاية صحية ممتازة، ومواصلات كفوءة، وامن، وتقاعد سخي، بينما لا يحصل المواطن السعودي الا على خدمات رديئة جدا في كل المجالات، حتى ان قرارا صدر قبل ايام بعدم تقديم اي علاج لضحايا الحوادث الطواريء المرورية في المستشفيات العامة الا بعد دفع شركات التأمين النفقات مسبقا”.
الدولة “الريعية” او دولة “الرفاة” في الخليج بدأت تتآكل، الامر الذي ينبيء بتململ اجتماعي وسياسي، قد يتطور الى احتجاجات تفتح ملفات عديدة من بينها قرارات الحروب غير المدروسة، والمساعدات الخارجية ذات الطابع المزاجي، ودعم ثورات واحزاب، وحركات سياسية معارضة هنا وهناك، بالاضافة الى ملفات الفساد والمحسوبية.
الشعوب الخليجية تطورت كثيرا، وباتت من اكثر الشعوب العربية تعليما، وثفاقة، وطموحا، ومشاركة على وسائط التواصل الاجتماعي، مضافا الى ذلك ان اكثر من ستين في المئة من ابنائها هم من الشباب تحت سن 30 عاما، وبات من الصعب على اهل الحكم التعاطي معهم بالطريقة نفسها التي كان يتم فيها التعاطي مع آبائهم واجدادهم.
(369)