عدن تَحزن لوداع رموزها الكبيرة

 أ٠د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور

                                بامشموس ، بن عبدالمجيد وعوضين والهرر و بن مخاشن في شهر واحد
                               _________________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم :
  (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )) صدق الله العظيم .

ودعت مدينة عدن خلال شهر واحد كوكبة لامعة من خيرة أبناءها ، ودعتهم بحزن وألم شديدين لأنهم جزء من فلذات كبدها ، وكانوا أروحاً حية تتجول في حوافيها وشوارعها ومنتدياتها ، ويتجوّلون على ضفاف سواحلها ، نعم هي تحزن وتبكي وتأن لفقدان خيرة رجالها ومبدعيها وهاماتها الكبيرة ، عدن تودعهم دون أن تنسى أفضالهم عليها كأسماء لامعة رفعت شأن إسمها العالي عدن في كل المحافل المحلية، الوطنية ، الإقليمية و الدولية ، وكلٍ في مجاله وإختصاصه وإبداعه ، هذه عدن الجريحة تزداد جرحاً وألماً وكآبة وهي تودع هامات كبيرة يصعب تجاهل فراقهم ،لأنه ببساطة هم ليسو أشخاصاً عاديين بل مميزين رفعوا اسم عدن واليمن عالياً .

من تودعهم عدن اليوم ، هم أناس بدأوا مشوار حياتهم أناس بسطاء مغمورين في هذه المدينة  العامرة بجلال التاريخ بشخوصها وهاماتها التي تَرَكُوا بصمات لن تُمحى مع مرور الأزمان ، هذه المدينة جزء من سحرها ، إنها واحة خصبه لصقل المواهب
والقدرات للطامحين لإعتلاء منصة المجد من أوسع ابوابه المُشَرَّعة للصبورين ،الجادين و الحالمين بتوريث إنجاز وأثر لهذه المدينة ، بطبيعة الحال أكتب عن الوضع الطبيعي للحياة في مدينة عدن وليس في هذا الظرف الإستثنائي الطارئ المؤقت باذن الله .

منذ ثلاثون يوم ولم تمر منه أيام إلا ونسمع عن فاجعة تهز مشاعرنا لفقدان صديق أو زميل أو احد الأعلام الكبيرة لهذه المدينة ، لأن هذه الأوضاع تسرع كما هي الحروب كلها تسرع في حصد الأرواح ، والتي لا نشك للحظة في قضاء الله وقدره وأن
ايماننا يقيني بأن لكل أجلٍ كتاب في هذه الحياة ، لكنها الأسباب التي نهانا الله عنها ، لتجنبها ونأخذ الحيطة والحذر منها ، وبالذات في أزمنة الإضطرابات والحروب وانعدام السكينة .

ودعت عدن بحزن وودعنا بألم السادة الآتية أسمائهم وكلً له شأنه وصولاته وبصمته بالحياة :

الشخصية الأولى :

الأخ/  الأستاذ  مشارك / محمد عبد المجيد محمد ، تلقى دراساته الجامعية في جمهورية مصر العربية وأكمل دراساته العليا في جمهوريّة بولندا الاشتراكية ، وحال عودته شغل مواقع قيادية في إدارة مؤسسات الدولة الصناعية التابعة لوزارةالصناعة في اليمن الديمقراطية سابقاً ، انتقل الى جامعة عدن في مطلع الثمانينات ومارس مهنة التدريس كأستاذ لمساق محاسبة التكاليف بقسم المحاسبة بكلية العلوم الإدارية – بالجامعة ، ويعد أحد مؤسسي جامعة عدن ، حيث شغل منصب نائب رئيس جامعة عدن للشؤون المالية والإدارية في عام 1983م وحتى العام 1986م .

تعرفت عليه عن قرب من حين انتقاله للعمل كمحاضر بالجامعة وكنا ننشط سوياًوإياه بمعيّة الصديق أ٠د/ عبدالقادر محمد علوي العلبي الذي أصبح اليوم قائماً بأعمال وزير التعليم الفني والمهني ، و أتذكر انه وبموجب الحاجة للتطوير بالجامعة آنذاك والمقترنة بكفاءة وخبرة الأستاذ محمد عبدالمجيد تم الدفع به لشغل منصب نائب رئيس جامعة عدن .

أشتركنا معاً في رحلة عمل أكاديمية لزيارة جامعة صنعاء في نهاية عام 1983م وكان ضمن الوفد الاكاديمي فقيد الجامعة و أحد مؤسسيها الاستاذ/ عبدالحميد سلام العطار وهي أول زيارة للعاصمة صنعاء في زمن التشطير وأتذكر حينها أننا قوبلنا بحفاوة كبيرة من قبل قيادة الجامعة و كان رئيسها آنذاك أ٠د/ عبدالواحد عزيز الزنداني ، أ٠د/ أبوبكر عبدالله القربي نائب رئيس الجامعه للشؤون الاكاديمية متعهم الله بالصحة وأطال الله في أعمارهما .
أمتاز الرجل بالمثابرة والنشاط والجدية في أداء واجباته وأنجزها بكفائه عالية كل المهام الموكلة إليه رحمة الله عليه .

الشخصية الثانية :

الوالد الشيخ/ محمد عمر بامشموس – رئيس الغرفة التجارية في مدينة عدن ، شغل هذا المنصب الرفيع في المدينة مُنذ ما يقرب العقدين من الزمان ، قدم خلالها للمدينة وأسواقها خدمات جليلة وكبيرة في مجال تنظيم ومواصلة مؤسسة العمل التجاري بالغرفة التجارية ، هذه الغرفة التي تأسست منـذ ما يزيد عن مائة وعشرة سنوات ، وكان لشخصيته وقدراته المميزة الأثر البالغ في كل النجاحات التي حققتها الغرفة ، ويعد الشيخ/ محمد بامشوس أحد أهم الشخصيات العدنية الحضرمية التي هاجرت إلى شرق إفريقيا للعمل بالنشاط التجاري ، لكنه لم ينسى قد مسقط رأسه قرية القرين بوادي دوعن بحضرموت ، إذ كان شديد التعلق بها ويزورها بانتظام متى ما سنحت له الفرصة لذلك ، ويزورهناك الأهل والأصدقاء في وادي دوعن ، كما يزور أضرحة أولياء الله الصالحين من أسرته آل بامشموس ومن أسرة الحبايب الهاشميين  آل البار رحمة الله عليهم ، شارك مع جامعة عدن في معظم أنشطتها العلمية والإبداعية  تقريباً وفي كل مرة يقدم لنا مداخلة في إطار المناسبة التي نجتمع حولها وكان الجميع يلحظ أن الرجل كان ثري المعارف ، وتتميز قدراته الخطابية  في السلاسة في عرض أفكاره وترتيب مضامينها والإتيان بالجديد المفيد الذي لا يخرج عن مضمون المناسبة ، فكان يستعرض بإسهاب ممتع القضية الوطنية اليمنية ، حينما عاش في زمن الإغتراب في الحبشة ، فيقول مردداً بأن اليمنيين المهاجرين من كل مدن اليمن قد شكلوا جمعيات وأندية ثقافية وتجارية وسياسية موحدة قبل اعلان الوحدة اليمنية بعقود من الزمان ، وأننا لم نشعر قط في أي يومٍ من الأيام في غُربتنا بأننا مشطرين أو مجزئين ، وهذه حقيقة مشاعر كل اليمنيين حينما عاشوا بالشتات في بلدان المهجر و مازالوا .
الوالد محمد بامشموس رحمة الله عليه يمتلك ارشيف توثيقي لسيرة نشاطه ولكنها وثائق مُبعثرة بين حضرموت وعدن وحتى ربما بالمهجر ، وقد استمعت إليه ذات يوم في حديث ودي بحضور ابنه البار الدكتور/ أبوبكر محمد بارحيم ، بأنه يتمنى أن تُجمع و
تُأرشف لتحفظ للأجيال ، وخاصة وهي تغطي مساحة تمتد من زمن إغترابه بالحبشة وحتى آخر أيامه في عدن ، علماً بأن الوالد بامشموس كان قد عمل كهاوٍ للإشتغال بالعمل الإعلامي الصحفي وكان قريب من الصحافة والإعلام وربما هذا هو سر إهتمامه بالتوثيق والأرشفة ، أتمنى على أبنائه الكرام وأحفاده  وهم الأصدقاء الأعزاء الأستاذ/ حسين محمد ، د/ عبدالرحمن محمد ، د/ أبوبكر محمد بارحيم أن يجدوا وقت في دوامة انشغالاتهم في الحياة كي يجمعوا ويوثقوا نشاط والدهم رحمة الله عليه خدمةً لوالدهم ولهم كأسرة وللأجيال كي تتعلم من هذه الدروس (*دروس الحضرمي في شتات المهجر*) ، لأن من مسلمات الحياة بأن إيقاع الحياة سريع وهي فانية بطبيعة الحال ، ولا يبقى خالداً للأجيال سوى ما كُتب وما حُفظ وما أُرشف .

الشخصية الثالثة :

قيصر الكرة العدنية الكابتن / عبدالله الهرر رحمة الله عليه : من مواليد ضاحية الشيخ عثمان بمدينة عدن بتاريخ 01/06/1954م ، متزوج وله أربعة من الأبناء ( ثلاث بنات وولد ) ، يعد أحد اللاعبين الموهوبين الكبار في عدن واليمن بشكل عام و أحد ابرز نجوم نادي الواي بالشيخ عثمان وبعدها نادي الوحده الرياضي بالشيخ عثمان ، بدأ لاعباً ضمن صفوف فريق الناشئين وعمره لا يتجاوز 15 سنه وكان ذلك في عام 1969م واستمر مع فريق الناشئين إلى عام 1971م وفي مطلع عام 1972م تم إشراكه ضمن صفوف الفريق الأساسي في الموسم الرياضي الشهير بين أندية عدن آنذاك في نادي الشباب الرياضي ذائع الشهرة ، في عام 1973م ومع نهاية الموسم الكروي (الدوري) ولبروز قدراته الإحترافية الفنية تم إشراكه في صفوف الفريق الوطني لليمن الديمقراطية آنذاك ، وكان عمره لم يتجاوز 18 عام .

أمتلك القيصر كما يحلو للعدنيين تسميته بمواهب ومهارات كروية خارقة ، وساهم محبيه ومعجبيه في إبراز إسمه ومكانته الكروية في زمن تزاحم المواهب والتنافس الحاد بين لاعبيه ،  وكان الكابتن أحمد صاح القيراط أحد أهم الشخصيات الكروية التي دعمته وشجعته إلى أن أحتل الصدارة .
شارك مع الفريق الوطني باللعب أمام الفرق العالمية ، منها أمام الفريق الوطني لدول جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإشتراكية  عام 1973م ، وتنزانيا علم 1973م ، جمهورية الصين الشعبية عام 1974م ، والمشاركة في كأس فلسطين في جمهورية تونس
في عام 1975م ، شارك كذلك في تصفيات قارة آسيا في إمبرطورية إيران عام 1975م ، وشارك بالدورة الرياضية الخاصة بالجمهورية العربية السورية عام 1976م ، وفي الجماهيرية الليبية عام 1977م ، وله مشاركات داخلية عديدة في اللعب أمام الفرق الأجنبية الزائرة لليمن .
انتقل القيصر للعب في أندية شمال الوطن آنذاك ، إذ لعب لنادي الصقر علم 1978م ، ولعب لنادي جيل الحديدة عام 1979م ، ولعب لنادي وحدة صنعاء عام 1986م  ، واصل إحترافه للعب في الخارج ، إذ لعب مع نادي النصر بإمارة الفجيرة عام 1990م
٠
بعد هذا المشوار الكروي الكبير الزاخر بالإبداع والعطاء الجميل ، أعتزل قيصر الكرة اليمنية عام 1992م اللُعبة كلاعب مشهور ، وودع تلك المربعات العشبية الخضراء ، والمساحات الطينية البُنية المالحة التي رسم فيها أجمل الحركات الرياضية مدافعاً عن شباك عرينه لزمن تجاوز ثلاثة عقود ويزيد ، و ترك سيرة عطرة للرياضة اليمنية بنكهة وبصمة عدنية (شيخية) ، لم ولن تنساها الجماهير الوفية المشجعة له بحب وثناء وإعجاب وهذا لعمري أهم ما يحتاجه المُبدع في أي حقلٍ من حقول الإبداع الأهم في الأمر ، لأن زاد اللعب ليس تشجيع المسؤولين بالأندية والمؤسسات ، بل هو تشجيع المعجبين ، بعد مسيرةٍ  كرويةٍ طويلة حافلة بالعطاء ، توفاه الله بتاريخ/ 2016/8/2م٠

الشخصية الرابعة :
 الكابتن  المايسترو/ عوض سالم عوض الشهير بالكابتن (عوضين) ، فهو من مواليد29 اغسطس 1951 م الشيخ عثمان عدن ، متزوج ، رزقه الله بثلاثة أبناء هم نجوان ، نشوان  و وديان ، توفى إبنه/ نجوان رحمة الله عليه في حادث أليم في العام 2012 م .
بدأت مواهبه الرياضية كهاو متألق في كرة القدم في البروز و عمره لم يتجاوز الـ 14سنه ، فبدأ من لاعباً من الحاره (الحافة) والمدرسة إلى أن تبلورت شخصيته الرياضية ملتحقاً بصفوف اللاعبين الناشئين بنادي الهلال الرياضي بالشيخ عثمان عام 1964م ، لعب بعد ذلك مع فريق الشباب لاعباً أساسياً في عام 1967م ، وبعدها بعام التحق مع الفريق الممتاز للنادي وكان ذلك في العام 1968م .في عام 1973 تم دمج نادي الفيحاء ونادي الهلال بالشيخ عثمان في نادي واحد ، وحقق لنادي الهلال إنجازات كبيرة .
أهم المحطات الكروية التي أنجزها الكابتن عوضين في عدد من المجالات ، وهي كروية رياضية ، ومهنية إعلامية :
  – في عام 1970م حصل على جائزة وصيف هدافي دوري الزعيم جمال ناصر .
  – في عام 1971م حصل على كاس هدافي الدوري وكأفضل لاعب بالدورة .
  – في عام 1974 م أقيم دوري في ملعب الشهيد الحبيشي على شرف (التنظيم السياسي للجبهة القومية) سجل فيها هدف الفوز الكابتن عوضين لنادي الهلال ليكسب البطولة على نادي شباب البريقا ، وقام بالتعليق الرياضي المعلق المصري الكبير/ محمد لطيف .
  – في عام 1975م وبقرار من السلطة السياسية آنذاك تم دمج ناديي الهلال ونادي الشبيبة المُتحدة الواي تحت اسم نادي الوحدة الرياضي بالشيخ عثمان ومن هنا واصل الكابتن قيادته للنادي .
  – أصبح المايسترو عوضين قائد نادي الوحدة الرياضي لسنوات عديده
  – في عام 1978م أنتقل عوضين للعب بنادي الميناء الرياضي ونقله وزملائه من صفوف الدور الثاني إلى الدوري الممتاز .
  – قاد الفريق الوطني الممتاز بإقتدار لعدد من السنوات .

في المجال المهني نجح الكابتن عوضين في مجال الإعلام الرياضي والتربوي :
بعد ان أنهى دراسته الجامعية في المعهد العالي للتربية الرياضية بمدينة لايبزج بجمهورية ألمانيا الديمقراطية بين عامي 1985– 1986م ، عُين مديراً عاماً للإعلام التربوي بمكتب التربية والتعليم في عدن ، ونشط في الاعلام الرياضي كمحلل ومعلق رياضي وقام بدور مهم في هذا الجانب عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة على المستويين اليمني والعربي ، وظل ناشطاً ثقافياً بعد أن أحيل إلى التقاعد لبلوغه أحد الأجلين ، وآخر أنشطته إلى يوم ودع الدنيا كان رئيس لجنة تكريم الشخصيات الإبداعية في منتدى الباهيصمي الثقافي بضاحية المنصورة بمدينة عدن .
أرتبطت صورة النجم/ عوضين في ذهنية وذاكرة الجماهير الرياضية العريضة منذ نهاية عقد الستينات ، وضلت صورته الأنيقة والجذابة تحتل صدارة المشهد مُنذ مطلع السبعينات وحتى نهاية حياته ، وكان حضوره بين الناس طاغياً وطلته البهية تُسعد
وتُبهر عشرات الآلاف من محبيه ، و أنا كُنت واحداً من أشد المعجبين والمحبين له ، فحينما كنا طلاباً في ثانوية باجدار بمدينة زنجبار بابين كنا نحرص على الحضور والمشاركة في مشاهدة برنامج عوضين مع فريقه وبطبيعة الحال ونحن في ذلك العمر
شجعنا واحببنا العديد من الرياضيين في تلك المرحلة ، على سبيل الذكر كنا نسعد ونستمتع بمشاهدة فنون اللعبة لعمالقة الكرة العدنية واليمنية من كبار الرياضيين  آنذاك مثل : الكابتن / الصديق /  عزام خليفه ، والكابتن / عباس غلام ، عبدالله الهرر واحمد صالح القيراط ، وعثمان خلب ، وأبوبكر الماس وعلي نشطان ، وعبدالملك بانافع ، ووديع ثابت ، وفيصل محمد سعيد الحوثري ، ومكيش ، وجميل من نادي شمسان ، وناصر هادي ، وآخرون لم تعد ذاكرتي تسعفني بتذكر أسمائهم ، وهذه احدى عيوبنا العديدة في أننا لا نوثق لهؤلاء العمالقة سيرتهم العطرة ، وإنجازاتهم الكبيرة .

تعرفت على الفقيد عن قرب في أثناء دراستنا في ألمانيا ، وزارني مراراً في مكتبي في صنعاء وعدن ، كان ينبوعاً من الثقافة المدنية والإنسانية ، ويمتلك قدرة هائلة في الإقناع للموضوعات والقضايا التي تعرض للمناقشة ، ومع مرور الزمن تحولنا إلى أصدقاء في رحلة الحياة القصيرة ، غادرنا الفقيد الى رحلة الخلود حيث تسكن الأرواح الى جوار خالقها في السموات العُلى ، داعين الله الى ان يخلد في الفردوس الأعلى ، توفاه الله بتاريخ 2016/8/2م٠
الشخصية الخامسة :

الاعلامي الكبير / سالمين صالح بن مخاشن أبا أمار رحمة الله عليه :
 أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة المكلا حاضرة حضرموت ، وفيها التقى بالعديد من المهتمين بشؤون الاعلام والصحافة و أرتبط في علاقات عمل مع تلك المدرسة الرائدة في فنون الاعلام في مدن ساحل حضرموت ، بدأ حياته العملية  مساعداً ومعداً ومذيعاً في إذاعة المكلا التي كان لها حضور إعلامي كبير في نهاية الستينات ، إستمر إلى بدايات السبعينات من القرن الماضي في المكلا ، بعدها أنتقل إلى عدن للاشتغال في أكثر من وظيفه في السلك الإداري الحكومي ، أنتقل إلى الإدارة المركزية لجامعة عدن كما كانت تسمى آنذاك في بداية الثمانينات ، وكلف بتطوير وبإدارة مطبعة جامعة عدن في بداية عام 1983م ، خلفاً للمرحوم الفقيد/ عثمان علي أحمد الميسري رحمة الله عليه .
في عام 1982م زار رئاسة جامعة عدن الرئيس المناضل/ ياسر عرفات أبو عمار (رحمة الله عليه) ، أتذكر أن اللقاء والاجتماع إنعقد في قاعة مجلس جامعة عدن بمدينة الشعب وفي أثناء الاجتماع والمناقشات قدم الزعيم عرفات هدية ثمينة للجامعة ،وهي مطبعة  تم إحضارها من بيروت بعد الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982م ، وكانت هي البداية الحقيقية للطباعة في جامعة عدن ، وبعد عام تقريباً تم تكليف الفقيد بن مخاشن  بإدارة المطبعة وتطويرها  ومنذ ذلك التاريخ عمل باجتهاد لتطوير مطبعة جامعة عدن ،
وبطبيعة الحال واصلت المطبعة مشوار تطورها إلى أن جاءت منحة ومَكرمةٍ من الشيخ المهندس / عبدالله بقشان رئيس مجلس أمناء جامعة عدن ، إذ قرر الشيخ الفاضل عبدالله بقشان دعم الجامعة وتطويرها من خلال شراء وتجهيز مطبعة جديدة وتم إفتتاحها بمناسة الذكرى الأربعين لتأسيس الجامعة ٠ 
تعرفت عن قرب على صديقي سالمين بن مخاشن رحمة الله عليه ، مُنذ انتقاله إلى عمله الجديد برئاسة الجامعة  ، وبعد ان تم تعيينه من جديد مديراً عاماً للإعلام بالجامعه في مطلع عام 1985م ، وقدم خبرته الكبيرة للجامعة في موقعه الجديد ، واستمر ينبوع عطاء للإعلام الى نهاية عام 2001 م الى حين قرر السفر الى الإمارات العربية للعمل هناك ٠
إشتركنا معاً في أنشطة عديدة منها قيادة رابطة أصدقاء جامعة الدول العربية في اليمن وكان مسؤولها الإعلامي ، قدم خدمات جليلة للإعلام على مستوى الجامعة وعدن والنشاط الجماهيري الطوعي ٠
كان نعم الصديق الوفي و أستمرت صداقتنا إلى يوم مغادرته أرض اليمن وعدن بالذات في منتصف شهر يونيو 2015م ، متجهاً إلى مقر إقامته الدائمة في الإمارات العربية المتحدة ، وكان يتواصل معي بالهاتف في كل لحظة في بداية الحرب في عدن ، كان متضامناً معي ينتقد كتابات الغوغاء الموجة ضدي ، وكان قلقاً جداً على حياتي ولذا يكرر الاتصال مرات باليوم ، طمأنته عني وعن ثبات رأيي وموقفي من دول العدوان على اليمن  ومرتزقتهم ، ويوم أستلمت نبأ وفاته كان يوماً حزيناً جداً لفراق إنسانٍ غالي وعزيز ووفي ، غادرنا مُبكراً ، و مازال الرجل يرسم في الآفاق لمشروعات تجارية قادمة سينفذها في مدينة عدن ، ولأن لكل أجلٍ كتاب فقد ودع هذه الدنيا إلى عالم الخلود تاركاً خلفه تجربةً إعلامية مميزةً وأصدقاء ورفاق دربٍ يتذكرونه باعتزاز ، وأسرةً كريمة ستحمل ذكراه وجميله بإذن الله تعالى .

الشخصية السادسة :
الشيخ المربي الشهيد / صالح سالم بن حليس اليافعي :
تم اغتيال الشهيد صالح بن سالم  بن حليس في يوم الأثنين بتاريخ 08/08/2016م ، في ضاحية المنصورة في مدينة عدن ، كان القتلة المأجورين لعنة الله عليهم بانتظاره بخسة ودناءة في أحدى شوارع ضاحية  المنصورة ، التي حولها الإرهابيون إلى وكرٍ مُرعب لهم ، تلك العصابات الإرهابية المنفلتة من عقالها ، تحاول أن تنهش في جسد مدينة عدن وشخصياتها بخسّـة الذئاب الغادرة ودناءة الوحوش الكاسرة في محاولة يائسة لتركيع عدن الباسلة العظيمة .
الشهيد بن حليس رحمة الله عليه يعد واحد من علماء عدن المشهود لهم بالاعتدال والتوازن ورصانة العقل ، حتى و أن أختلف مع خصومه السياسيين لكنه يظهر العقل بالتحكيم ببراعة العالم الجليل المتواضع ، وهذا ما نعرفه نحن عنه طيلة عملنا المشترك و إياه منذ ما يقارب العشرين عام ويزيد ، أنه نعم الأخ و الصديق والعالم المحترم  ، والشهيد رحمة الله عليه أحد خريجي كلية التربية بجامعة عدن ، وله أنشطة انسانية وثقافية وتربوية في اليمن عموماً ، وفي عدن على وجه التحديد ، إذ كان أحد قيادات رابطة أصدقاء جامعة الدول العربية في اليمن ، وله مساهمات كبيرة في كل أنشطة الرابطه ، وكان عضواً مهماً في مجلس شورى حزب
التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وعلى مستوى عدن ، وكانت له إسهامات تربوية كبيرة في مجال التدريب التربوي كمدرب محترف في هذا المجال الهام ، وأعظم كل هذه الاعمال التي أنجزها في حياته إنه أَمّ المسلمين في الفروض الخمس وخطب
بفصاحة متناهية  في معظم أيام الجُمع وكل الأعياد طيلة عقدين من الزمان ويزيد في جامع الرضاء بضاحية المنصورة ، وكان نِعْم  الإمام والخطيب الحاذق الرصين المعتدل رحمة الله عليه .
لم ينقطع في التواصل معنا في كل مراحل الأزمة اليمنية ، وكنت أستمع إليه باهتمام لمعرفتي بقدراته وبرأيه الراجح وفكره المستنير ، و أنا حزين جداً لفقدانه وخسارته  ، وهي خسارة على عدن واليمن كلها ، ولأننا مؤمنين بقضاء الله وقدره ، ندعو له بالرحمة والمغفرة ، و أن يسكنه فسيح جناته ، و أن الأعمار بيد الله وحده ، وَمِنَ الله عليه بالشهادة العظيمة ، بسبب هؤلاء القتلة المجرمين
، والذين سيلقون عقابهم لا محاله أولاً من الله عز و جل ، و ثانياً من حكم القانون بعد أن تحط هذه الحرب المجنونة رحالها قريباً بإذن الله .

الخلاصة :
ربما كررت بعض من ما سيرد في خلاصتي للفكرة ،  في احاديث وكتابات سابقة ، لكن لأهميتها لا ضير أن أكررها ما حييت كونها فكرة ليست من بنات أفكاري الخاصة ، بل أنها محصلة تجربة متواضعة أقتنعت بها من خلال زياراتي و احتكاكي لتجارب أمم حية تقدس تراثها ، وتحافظ على إرثها ، وتبني لذلك الصروح العملاقة من ما تدخره من عرقها وجهد أجيالها المتعاقبة ، ومن يشكك في القول عليه أن يقرأ عن هذه الامم فحسب ، واليكم هذا الاجتهاد في الخلاصة :

أولاً :
كما أن الموت حق ، ايضاً إستذكار وتذكر فضائل ومحاسن موتانا حق لهم و واجب علينا إبرازه دائماً لتتعلم منه الأجيال .
ثانياً :
أنتم يا أحبابنا الشهداء و الفقداء العظام ،  كُنتُم وستظلون رموزاً ، وكل في إختصاصه ، للعطاء والتفاني والاخلاص ، وستظل بصماتكم خالده خلود الدهر لأنكم أحسنتم الصنعة في حياتكم وستتعلم الأجيال من ضياء مآثركم ، و إقتفاء أثركم جيلاً بعد جيل باذن الله تعالى٠

ثالثاً :
كُنتُم و ربّ العباد كغيمة مثقلة بقطرات المطر ، ومشحونة بذرات الندى الصافية ، وحيث ما رحلت غيمتكم – إنجازاتكم – تركت أثراً لحياة مُخضرة تفيد حياة ومعيشة الأجيال من بعدكم .

رابعاً :
عدن مدينة عظيمة ، حباها الله هذه الميزة منذ فجر التاريخ وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولن يفيدها النواح والعويل وإستجرار الآلام ، وان ما سيفيدها حقاً  هو من يترك له بصمات خالده في عمل مفيد تراكمي للمدينة  ، ولحفظ تاريخ هذه الشخصيات وآثارها البارزة في كل حقول المعرفة ، هو تخصيص سجل عام يسمى سجل المبدعين المتميزين ويكون محفوظ في أمكنة عديدة كي لا يضيع ، أما الشهداء فيجب حفظ تاريخهم من خلال إنجاز عمل ضخم يخلد ذكراهم ، وأتذكر أننا
قررنا في السلطة المحلية في عدن ان نخصص مبنى المجلس التشريعي (الكنيسة) سابقاً ، والواقعة في الربوة المقابلة للبنك الأهلي بضاحية كريتر ، كي تكون مبنى لذاكرة مدينة عدن ، و لولا تسارع الاحداث المؤسفة التي عصفت باليمن وعدن
بالذات لكنا أنجزنا المهمة ، و أن المسؤولين التنفيذيين قد نفذوا العمل ، أتمنى أن يجد هذا الموضوع – (وقد يسخر البعض مني )– ، حيزاً من إهتمام المسؤولين في عدن في قادم الأيام ، فالشعوب الحية والمحترمة تركز كثيراً على هذه المهمة الشاقة ولكنها المهمة الأبقى في تاريخ الأمم .

خامساً :
جاء الفراق الابدي لاحبتي في زمن العدوان الظالم على اليمن ، واليمنيين جراء هذا العدوان يموتون رحمة الله عليهم بالجملة بسبب قصف طيران العدوان ومرتزقتهم على الارض ، ولم نتمكن بسبب هذه الحرب ان نقدم واجب العزاء المستحقة ، وكتاباتي عنهم هي جهد المقل للأعزاء كما يقولون ، وهي لحظة صدق بإنني أدعو الله العلي القدير لهذه الكوكبة المحترمة من أبناء عدن ، أن يرحمهم الله ، و يتغمدهم بواسع رحمته ، و أن يسكنهم في الفردوس الأعلى من الجنة خالدين مخلدين فيها ، و أن يلهم أهلهم ومحبيهم ومريديهم الصبر والسلوان ، و إنا لله و إنا اليه راجعون ، و أذكّر كل من قراء هذه السطور أن يترحم عليهم جميعاً ، لعلها مناجاة مقبولة في لحظة قبول عند الله ، والله أعلم منا جميعاً .
 

                                                            ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ   

 

 محافظ مدينة عدن – رئيس جامعة عدن 

(1584)

الأقسام: الاخبار