رأي: يمانيون جنوبيون يعشقون تكرار الفشل السياسي

أ٠د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

 

إتصل بي صديق عزيز من دولة عربية شقيقة ، وله إهتماماته المتعددة عن اليمن وتاريخها وتحدياتها العديدة ، كان في اتصاله نبرة إستغراب وتعجب من (الخبريه) المنشورة في عدد من المواقع الإلكترونية ، حينما قرأ بيان الأخ والرفيق/ علي سالم البيض – الأمين العام للحزب الإشتراكي ونائب رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق ، والذي يشير في بيانه إلى موافقته ودعمه لتشكيل مجلس سياسي جنوبي جامع سني ، وكان مصدر إستغرابه إضافة كلمة السني على التشكيل الذي بادر به الأخوة المكلفين من الرئيس (الشرعي) لليمن ، ويقول مُلحاً : أي مجلس جنوبي و جامع و سني الذين ينوون تأسيسه (يا زلمه) ، اليس في ذلك تناقض مع كل ما يحدث من حرب وقتل وتدمير ، هل أنتم ناقصين بلاوي جديده ، ضحكنا حول هذا الخبر سوياً .

قال لي : أنتم في اليمن الجنوبي يبدو أنكم تتأثران سريعاً بما يرد من الوسط الإعلامي والذي ينقل كم كبير من الحكايات والقصص والأخبار وحتى يسوق بعض الأفكار لمشاريع مستقبلية ، وتنساقون مع هذه القفشات الإعلامية وتحاولون تطبيقها على عجل في شكل مشاريع وتبحثون عن تطبيق فصولها على الواقع ، وهذا خطأ كبير يا زلمه ، و كلّم (رفاقي) القدماء بذلك ، بأن هناك بون شاسع بين الحكاية الخيالية وبين الواقع الإجتماعي ، وهنا تدخلت في أثناء المكالمة وقلت له مقاطعاً ، يا صديقي العزيز الوضع لدينا مخيف ومحزن ، لأن المملكة السعودية والأمارات وقطر يشنون علينا حرباً عسكرية وإقتصادية لا هوادة فيها ويمارسون دور السجان الذي أغلق علينا كل المنافذ البحرية والجوية والبرية بأسلوب أقرب إلى أساليب عصابات المافيا ، وللأسف حدث ويحدث برضى دولي وصمت إعلامي عالمي متواطئ ، والمصيبة أن الرفيق العتيق/ علي سالم البيض يطلب من أعداء اليمن شماله وجنوبه المساعدة في تأسيس هذا التجمع السياسي الإنفصالي (السني) .

لكن حينما تعود بالذاكرة إلى تاريخ هؤلاء السياسيين العتيقين ستجد أن تاريخهم السياسي قائم على التجريب الساذج لإدارة الحياة السياسية  ، وكأنهم لا يسوسون مجتمع يمني عربي مسلم بكل تناقضات وتعايش منتسبيه وتعارض مصالحه في غالب الأحيان ، تذكر معي تجربة اليمن الجنوبي وانت المحب  لمواطنيها وقد زرتها مراراً وقدمت لقيادتنا النصائح الواقعية في بناء التجربة آنذاك (تجربة التوجه الإشتراكي) الذي تم بناء التجربة من خلاله تعسف القوانين الموضوعية ، وإدخال المجتمع اليمني الجنوبي في مسلسل من الأخطاء والكوارث التي نتج عنها بحار من الدماء والأرواح من بين المنتمين للحزب القائد الموجه ومن بين المواطنين البسطاء الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل .

وللتذكير بعدد من (التجارب الفاشلة) المُطبقة في جنوب اليمن كي نفهم السلوك النفسي لقادة التجربة الاشتراكية الفاشلة ، أذكرك يا صديقي بالآتي :

أولاً :

نحن لا نستعرض هنا تقييم شامل للتجربة اليمنية الجنوبية ، ولكن كما يقولون بأن الشيء بالشيء يذكر في سرد عدد من الاحداث المرتبطة بأخطاء التجربة الكارثية ، ولكن من المهم إنصاف التجربة الجنوبية في نجاحها في الجوانب الاجتماعية من خلال تقديم نموذج مجانية التعليم ومجانية الصحة وتوفير فرص العمل للعمالة السنوية المتدفقة على سوق العمل ، هل نجحت التجربة أم عليها ملحوظات فهنا ليس محل للمجادلة .

 

ثانياً :

بعد حصول اليمن الجنوبي على إستقلاله في 30 نوفمبر 1967م ، وتسلم قيادات الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل السلطة التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية (وهنا لا نريد ان نغرق في جدل التاريخ) و ليس هنا محل لمناقشته في هذا السياق ، نذكر أن (الرفاق الشباب الطامحين) لقيادات الجبهة القومية أطاحوا بأول رئيس للجمهورية وهو الرئيس/ قحطان محمد الشعبي في انقلاب فاضح وأسموه حركة 22 يونيو التصحيحية ، ومن بين قادة الحركة كان “الرفيق “/ علي سالم البيض .

ثالثاً  :

تم انشاء وتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي ، وكان يتزعم هذه الجبهة والمسؤول عنها هو ” الرفيق ” المناضل/ علي سالم البيض .

رابعاً :

انتهجت قيادة الجبهة القومية بعد (الخطوة التصحيحية) خط التشدد والتطرف في العلاقات الخارجية مع دول الجوار والمعسكر العالمي الغربي ، وكان أحد ابطال هذه المرحلة “الرفيق”/ علي سالم البيض .

خامساً :

قامت الجبهة القومية بإجراءاتها الثورية النزقة ، من خلال رفع شعارات متطرفة هي أقرب للجنون منها إلى تطبيق سياسات تخدم المواطنين ، فشهدت شوارع عدن ولحج وزنجبار وعتق والمكلا والقطن وتريم المسيرات والرقصات والأهازيج التي تدعوا لحرق (الشياذر) وتخفيض الرواتب وتأميم املاك المواطنين ومصادرة الأراضي الزراعية الخاصة وخلافه ، وجلس البسطاء يحلمون بان كل هذه الإجراءات ستحول أحلامهم إلى حياة النعيم والرغد ، فإذا بهم يتحول الجميع إلى فقراء (مسحوقين) يبحثون في الطابور الصباحي اليومي إلى واحد كيلو طماطم و كيلو بصل وكيلو موز ، في تدافع عجيب تم سوق البسطاء في هذه المسرحية للإعتراف على مضض بمفاهيم وقيم  (الإشتراكية الإنسانية) ، وغادر جزء كبير من  الشباب إلى الحدود للهروب والبحث عن مستقبل شخصي لهم ، وللعلم كان الرفيق / علي سالم البيض أحد رموز المرحلة الثورية المتطرفة .

سادساً :

أقر (الرفاق)  في قيادة الجهة القومية لقانون الأسرة وفيه حقوق جيدة جداً للمرأة اليمنية ، ولكنه قانون يتعارض مع التعاليم الدينية الشرعية ، وليس الأمر هنا للخوض في صحة القانون من عدمه ، لكن ورد في القانون مادةٍ واضحة وصريحة تمنع تعدد الزوجات ، و تم خرق القانون من قبل “الرفيق”/ علي سالم البيض بمفرده ، وتزوج زوجة ثانية وعلى الفور اتخذ المكتب السياسي قراراً شهيراً بتخفيض عضويته إلى عضو لجنة مركزية مرشح .

سابعاً :

تصارع الرفاق الإشتراكيون مرات عديدة وكانت كارثة جريمة 13 يناير 1986م أكثرها دموية ، والجميع في قيادة الحزب هم المسؤولين عن هذه الجريمة ، وكان أحد رموز هذه الكارثة “الرفيق”/ علي سالم البيض ، ومن نتائج هذه الكارثة المأساوية أنه تعرض لمحاولة إغتيال فاشلة  ولكنه نجى من الموت بإرادة إلاهية ، وصعد منذ تلك اللحظة ، أمين عام للحزب الإشتراكي اليمني ، أي أن الرجل كان نجم الحدث .

ثامناً:

في 22 مايو 1990م تم الإعلان على ميلاد الوحدة اليمنية المباركة ، وقد وقع هو والرئيس الأسبق الزعيم/ علي عبدالله صالح على وثيقة الوحدة اليمنية ، وهنا تجدر الإشارة أن أعظم عمل أُنجز في حياة السياسية هو التوقيع على إتفاقية الوحدة اليمنية ، وهنا سطع نجم “الرفيق”/ علي سالم البيض إلى سماء اليمن .

تاسعاً :

في عام 1994م ، أعلن “الرفيق”/ علي سالم البيض إعتكافه وعدد من قادة الحزب الإشتراكي اليمني وعاد إلى عدن يحرض على الوحدة ويطالب بالانفصال ، بل أنه أعلن الانفصال من المكلا عاصمة محافظة حضرموت في أثناء الحرب الداخلية بين الدولة الشرعية والمتمردين من قيادة الحزب الاشتراكي ، وأعلنها بوضوح في كلمة له حدد أن تاريخ 21 مايو 1994م هو يوم إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية وعاصمتها عدن ، وهنا أكد “الرفيق”/ البيض إنه هُو هُو لم يتغير إلا في التكتيك السياسي فحسب ، وبعد هزيمته وثُلة من القياديين لجاء مواطناً لاجئاً في سلطنة عمان ، وأمضى هناك 15 عاماً لم يسمع المواطن اليمني منه ولا (نخس) ، وفجأة يغادر إلى جنوب جمهورية  ألمانيا الإتحادية في ولاية بفاريا ، لا ندري هل هي الصدفة أم هناك ترتيب دولي ما لهذه النقلة الشطرنجية ، والله أعلم ، ومن هناك بدأ العودة للنشاط الإعلامي والسياسي المعهود بالمطالبة بإستقلال الجنوب العربي ، وهنا برز التطور الجديد في خطابه السياسي .

كان اليمانيون يتوقَّعون منه بعد (الغيبة الكبرى) التي تجاوزت الـ 15عام من الإعتكاف والإنزواء والتأمل وربما الإلهام في إستلهام قيم الفضيلة والخير  بأن يقدم لهم هدية ثمينة  لا تقل أهمية عن ترجمة الكتاب المقدس (الإنجيل) للقديس الألماني/ مارتن لوثر والذي تحول إنجيله لاحقاً الى الكتاب المقدس الجديد الذي أُعتُبر الأساس الفقهي اللاهوتي للمذهب البروتستانتي العالمي ، لكن لم نرى ولم نقرأ أي جديد منه بعد تلك الغيبة  سوى تكرار تلك المفردات والمفاهيم الفقيرة التي قرأناها عنه مُنذ مرحلة السبعينات من القرن العشرين ، أما اتباعه من (الجنوبيين) فهم كذلك مصابين بذات الداء ، فهم مثله بسطاء في تكرار المفاهيم السطحية العاجزة عن إستيعاب الوقائع والأحداث ،ومصابين بشلل تام في إستيعاب دروس التاريخ .

عاشراً :

سينبري للرد على هذا المقال أي (مُنظر)  من هؤلاء الذين يفهمون نصف الموضوع أو حتى ربعه ، وسيقول لنا  ليس هناك صداقات ولا عداوات دائمه في السياسة ، وأجيبه بالموافقة التامة على هذا القول ، لكن وأكرر حرام أن تستمر مدينة عدن كمختبر تجارب (لأغبياء) السياسة ويتحول ابنائها مرة أخرى إلى حقل تجارب .

 

هذه هو السبب في كتابة مقال سريع للتنبيه من تكرار مأساة عدن وأهلها ، بالأمس جربوا الانتفاضات العمالية وفشلت ، وحرق الشياذر (تحرير المرأة) وتخفيض الرواتب وطلع كله شغل مجنانه ، ومصادرة أملاك الناس من بيوت ومزارع في مخالفة علنية لشرع الله وبعدها حنبوا إلى الآن ونحن لا زلنا في عمق الكارثة ، وأسسوا حزب طليعي من طراز جديد وبعدها تقاتلوا كقبائل ماركسية بحسب تندر الـ BBC وهي تصف مجازر الرفاق في شوارع عدن ، طيب إلى متى ؟ هيا وكيف ؟ يقول الانسان العدني بلهجته الجميلة ؟ .

والأكثر الماً في المشهد بأن بعد كل فشل ذريع وحدوث تلك الطوام الكارثية  لم نقرأ من أصحاب القرار بتقييم علمي موضوعي رصين يشخصون أسباب فشلهم ، لا بل يزداد التهور والدخول في مغامرة جديدة محكومة عليها بطبيعة الحال بالفشل التام ، اليوم يظهرون من جديد ليجرّبوا علينا (تأسيس مجلس سياسي جنوبي سني) ومن يدعمهم هو “الرفيق”/ علي سالم البيض ويطلب من دول العدوان مساعدته ، تصوروا يطلب من السعودية ومشيخة الإمارات دعم هذا المكون السياسي السني الطائفي الجديد على حساب شرعية هادي بالرياض من جهة ، وعلى حساب دماء وأرواح اليمنيين المدنيين التي عبث بها العابثين من زنادقة آل سعود وآل نهيان .

 

الخلاصة :

إنها ملهاة بائسة وجدب وفقر في الأخلاق والقيم الإنسانية بأن يستمر نجم الممثل الهوليودي الجنوبي اليمني الحضرمي الخَرف في الإستمرار في العبث السياسي ، ويجد له انصار وأتباع من البسطاء والمنتفعين بعد كل ذلك الماضي من التجارب الهزيلة التي قادت مع ثلة من رفاقه البؤساء إلى كوارث مدمرة في المحافظات الجنوبية والشرقية وأهلها الكرماء ، وهي مأساة تُرحّل من جيل إلى جيل وقد تستمر لقرون قادمة ، إذا ما استمرأ الحكماء والعقلاء والثقات من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية  بالصمت غير المحمود إما بسبب الإنتهازية السياسية أو التهيب الإجتماعي ، علماً بأن اليمن أكبر من الفرد والجماعة والقبيلة وهي بيتنا جميعاً .

تقول الحكمة الرياضية بأن من يبدأ بحل المعادلات الحسابية و أن صَغُرت دون إتباع الطرق والقواعد الصحيحة لحل المسائل الحسابية التراتبية يصل في نهاية المطاف إلى نتائج خاطئة وتكون المحصلة صفر على اليسار ، والله أعلم منا جميعاً .

 

﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

 

محافظ محافظة عدن

(399)

الأقسام: آراء,الاخبار