تقارير| المراسل نت:
في مقال مشترك نشره موقع “بلومبيرغ” لستيفن دينس وروكسان تيرون عن التأثير السعودي في واشنطن قالا فيه إن السعودية لم يعد لها ذلك التأثير الذي تمتعت به لدى الإدارة الأمريكية في السابق.
وهذا هو فحوى رسالة وجهها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس للحكومة السعودية. ففي يوم الأربعاء صوت النواب بأغلبية كبيرة 71 – 27 نائبا ضد صفقة سلاح بقيمة 1.5 مليار دولار للسعودية وهو ما يراه الكاتبان إحراجا للمملكة.
وفي الأسبوع المقبل يتوقع أن يحاول الكونغرس تجاوز فيتو رئاسي يتعلق بقانون العدالة من الدول الراعية للإرهاب الذي يسمح لعائلات ضحايا الحادي 11/9 بتقديم أفراد من الحكومة السعودية أو العائلة المالكة وطلب تعويضات والذي أقره الكونغرس بمجليسه الشيوخ والنواب.
ونقل الكاتبان ما قاله بوب كوركر، رئيس اللجنة “لقد أطلعت السعوديين مباشرة أن الرأي العام في الكونغرس وفي أمريكا في درجة متدنية وعليهم أن يكون واعين لهذا”.
وأضاف “قلت لهم هذا كي أكون صادقا معهم والأمر يعود إليهم لمعالجة هذا”.
وقال النائب الجمهوري عن ولاية تينسي إنه التقى الأسبوع الماضي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي جاء لواشنطن على أمل عرقلة القانون المتعلق بـ 11/9.
نقد متزايد
ويعلق الكاتبان إن السعودية التي ظلت حليفا مهما للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط تواجه اليوم نقدا واسعا من نواب الحزبين في قاعات الكونغرس حول مزاعم تصدير الوهابية حول العالم وطريقة إدارتها الحملة العسكرية في اليمن واستخدام السلاح الأمريكي الصنع فيها وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان. ويأتي هذا التطور في وقت تراجع تصدير النفط السعودي للولايات المتحدة لأدنى معدلاته منذ ستة أعوام، وذلك بسبب ازدهار إمدادات الشركات النفطية في شمال أمريكا.
ويقول الكاتبان إن الرئيس باراك أوباما انتقد السعوديين واتهمهم بالمشاركة في حروب الوكالة في منطقة الشرق الأوسط.
ويعلق الكاتبان إن موقف السعوديين اليوم في واشنطن يختلف عن موقفهم بعد هجمات 11 إيلول /سبتمبر 2001.
عندما وقف الرئيس جورج دبليو بوش والنواب معا للدفاع عن المملكة. وحسب النائب ديك ديربين، النائب الديمقراطي عن إلينوي “صحيح أنهم كانوا مؤثرين علينا عندما كنا نعتمد على نفطهم” مضيفا “ولا نزال نود أن يكونوا حلفاء لنا ولكن بناء على الشروط الصحيحة”. وقال ديربين إنه التقى مع السفير السعودي في واشنطن وعبر له عن قلقه من تصدير الوهابية المتشددة. وأضاف أن “حقيقة تصديرهم رجالا متشددين، عندما يتعلق الأمر بدينهم، أمر مثير للقلق وكان هذا فعلا مستمرا”.
وأشار إلى الهجمات الأخيرة التي نفذت في بلجيكا قائلا “لقد أرسلوا أتباعا متشددين لدينهم وهذا يقلقني وتحدثت عنه مع السفير”.
وصوت ديربين العضو في اللجنة الفرعية للشؤون الدفاعية لصالح مواصلة النقاش حول مشروع القرار المتعلق بالصفقة السعودية والذي تقدم به النائب الجمهوري عن كينتاكي راند بول والديمقراطي عن كونيكتيكت كريس ميرفي.
ويقول الكاتبان إن البيت الأبيض والسعودية يواجهان تصويتا لرفض الفيتو الذي وعد الرئيس أوباما بممارسته ضد القانون الذي يسمح بمقاضاة السعودية.
وجاء القانون بناء على اتهامات لم يتم تقديم أدلة عليها وتتحدث عن دعم أفراد في الحكومة السعودية لمشاركين سعوديين في هجمات 11/9.
وحذرت الإدارة من أن تجريد الحصانة للدول سيترك تداعياته على المواطنين الأمريكيين حول العالم.
وقام الجبير، وزير الخارجية السعودية، بعقد لقاءات مع عدد من النواب البارزين حمل لهم رسالة مفادها أن القانون لن يضر بالعلاقات الأمريكية – السعودية بل بعلاقاتها مع دول أوروبية وشرق أوسطية تعارض القانون.
وأكد على أهمية الدور الذي تلعبه السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة تهديد تنظيم “الدولة” (داعش) والجماعات المتطرفة المدعومة من إيران.
ورغم الأجواء العدائية في الكونغرس للسعوديين إلا إن هؤلاء لديهم أصدقاء في المراكز العليا ومنهم زعيم الغالبية الديمقراطية، النائب عن ولاية كنتاكي ميتش ماكونل الذي أعلن يوم الثلاثاء عن دعمه للصفقة السعودية، وقال إنه من المهم احتفاظ الولايات المتحدة بعلاقات مع السعودية قدر الإمكان.
ولكنه أكد أنه سيعقد جلسة النواب الأسبوع المقبل للتصويت على قرار يلغي فيتو قانون 11/9 . ويتوقع أن يلغي النواب فيتو الرئيس.
ويقول ليندزي غراهام الذي يعتبر من أكثر النواب ولاء للسعودية في أن هناك حالة “تعب من الشرق الأوسط” بين زملائه ونسب هذا إلى تصريحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
لا أحد يريد الدفاع
وقال النائب عن ولاية ساوث كارولاينا “لقد فعل هذا السيد ترامب الآن وأثار المشاعر ضد كل ما هو شرق أوسطي”.
وحذر قائلا “لو كنت تأمل بتدمير العلاقات مع السعودية فعليك أن تكون حذرا فيما تأمل لتحقيقه”.
وتميزت تصريحات ترامب في أثناء حملته الانتخابية بالعداء للسعوديين. ففي لقاء أجرته شبكة “أن بي سي” معه العام الماضي قال إنه “ليس معجبا كبيرا” بالسعودية.
وقال “لهذا تريد السعودية المساعدة”، “أحببت أم لم تحب، فقد دعم البعض السعودية، وما أعارضه هو أننا دعمناها وبثمن باهظ، ولم نحصل على شيء منها، أما هم فيكسبون كل يوم مليار دولار”.
ويظل ليندزي من قلة تدافع عن السعودية في الكونغرس، فانتقاد تصدير ما يقولون “الوهابية” والحرب في اليمن أخل بالتوازن فيما يتعلق بالسعودية.
ويعلق النائب ميرفي “أعتقد أن هذه لحظة يقوم الكونغرس فيها بإعادة التفكير في أساس علاقاتنا مع السعودية”.
وأضاف “ستظل العلاقة مهمة كما هي ولكن السعوديين وصلتهم رسالة بوجود مظاهر قلق”.
ويفرق بعض النواب مثل جون كورنين، الذي دعم قانون العدالة وبين صفقة السلاح التي يدعمها، ويرى أن هناك تقاربا في المصالح مع السعودية في معظم الأحيان.
وينقل الكاتبان عن جون أولترمان، نائب مدير المركز للدراسات الإستراتيجية والدولية أن مواقف النواب يتعارض وبشكل متزايد مع المملكة.
ويرد هذا التغير لزيادة انتاج الطاقة في الولايات المتحدة، وهو ما يعطي النواب الحرية لانتقاد السعودية وإشعارها بأن الولايات المتحدة تستطيع إدارة ظهرها لها يوما ما.
وأشار إلى “الكدمات العالقة” نتيجة لهجمات 11/9 “عندما شعرت الولايات المتحدة أن السعودية كانت تقف على الجانب الخطأ من التاريخ”.
وأشار للعلاقة الإشكالية بين البلدين في مكافحة الإرهاب، حيث قال إن السعودية “لا يمكن الاستغناء عنها”، وفي الوقت نفسه ينظر إليها باعتبارها جزءا من المشكلة.
وهناك من النواب من يعتقد أن السعودية يمكن أن تبذل جهدا أكبر كما يقول النائب جيف فليك، النائب الجمهوري عن أريزونا.
ولم تمنع علاقة الكونغرس أو البيت الأبيض المضطربة مع السعوديين الرئيس الأمريكي أوباما من “فيتو” القانون.
وهنا تتساءل ناهال توسي في مجلة “بوليتكو” عن السبب الذي يدفع الرئيس الأمريكي لاتخاذ موقف كهذا. وتشير لعلاقته المتوترة مع السعوديين.
وتقول “والآن هو الرجل الأخير الذي يقف بين مملكة الصحراء الثرية ومليارات الدولارات من التعويضات”.
كل هذا رغم أنه تحدث عن النسخة التي تلهم الإرهاب من الإسلام التي تمارس في السعودية واقترح عليها أن “تتعلم” كيف تشترك مع إيران للعيش في المنطقة.
وفي الوقت نفسه تعامل السعوديون مع مواقف وتصريحات الرئيس على أنها تنم عن سذاجة ودخلوا في سجال معه حول الاتفاق النووي مع إيران العام الماضي. وتقول إن حقيقة وقوف البيت الأبيض والسعودية في معسكر واحد ضد الكونغرس يعبر عن التطور الغريب في العلاقات الأمريكية- السعودية خلال فترة حكم أوباما.
وأصبح فيه التحالف الذي لم يكن أحد يستطيع انتقاده محلا للنقد والتحدي. ويظل البلدان بحاجة لبعضهما البعض مع أن الحديث عن انهيار في العلاقات ليس في وارد الأمر. ويعتقد أولترمان أن “العلاقات تمر بمرحلة انتقالية”.
ويقول إن العلاقة تبدو شائكة، فمن ناحية تدعم الولايات المتحدة السعودية في حربها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن مع أنها تعرف أن هذه الحملة تحرف الانظار عن الحرب الحقيقية ضد تنظيم “الدولة”.
ومن ناحية هناك الكونغرس الذي أقر قانونا يسمح بتعويضات لعائلات الضحايا في هجمات عام 2001 ويحاول منع تمرير صفقة سلاح للمملكة.
انفصام
ويرى مسؤول أمريكي بارز أن “التصرف يعبر عن انفصام في الشخصية” وهو ما أثار إحباط قادة الشرق الأوسط ولسنوات طويلة. وتشير الكاتبة توسي هنا للنقاش حول قانون العدالة الذي مرره الكونغرس رغم محاولة جماعات الضغط وحملة علاقات عامة سعودية تضمنت “ورقة بيضاء” قدمت تفاصيل عن جهود المملكة في مكافحة الإرهاب.
وينفي السعوديون أي دور في الهجمات ولم تعثر الحكومة الأمريكية على دليل يدينهم. لكن لماذا يريد أوباما حماية السعوديين؟
يقلل المسؤولون في الإدارة من هذا الموقف ويرون أن قلق أوباما يذهب أبعد من السعودية.
فالقانون يلغي قانون الحصانة السيادية الذي كان يمنع المواطنين الأمريكيين من مقاضاة الحكومات الأجنبية.
وهو ما سيقود بالتالي لمقاضاة دول أخرى الحكومة الأمريكية على أفعال ارتكبتها في الخارج.
وهو ما حذر منه الناطق الإعلامي باسم البيت الأبيض جوش إرينست حيث تحدث عن إمكانية تعرض رجال الأعمال والدبلوماسيين والجنود الأمريكيين للمعاملة بالمثل.
ولكن النظرة العامة هي أن أوباما يقف مع دولة لديها الكثير مما أخفته، مشيرة إلى نشر 30 صفحة من تقرير للكونغرس عام 2002 حول الهجمات والتي لم تحتو على إدانة وجاء التحقيق بعد عام من الهجمات.
علاقة شائكة
وعلى العموم تظل علاقة أوباما شائكة مع السعوديين حتى قبل وصوله لسدة الرئاسة عندما تحدث عن السعوديين بالدولة التي يطلق عليها بالحليفة عام 2002.
وزاد شك السعوديين عام 2011 عندما رفض التدخل وإنقاذ حليفهم في مصر، حسني مبارك.
وفي عام 2013 عندما تراجع عن توجيه الضربة العسكرية ضد نظام بشار الأسد بعد الهجوم الكيميائي على المدنيين في الغوطة الشرقية.
ووصلت ذورة الشك العام الماضي عندما وقع مع الإيرانيين الإتفاق النووي. ومع ذلك اعترف أوباما بأهمية الحفاظ على علاقة مع دول مستقرة في المنطقة.
وفي كانون الثاني/يناير قطع زيارته للهند وسافر إلى السعودية للتعزية بوفاة الملك عبدالله ودفع باتجاه بيع السعودية أسلحة جديدة لتخفيف مخاوفها من الاتفاق النووي.
وزادت من التوتر تصريحات الرئيس بداية هذا العام لمجلة “ذا أتلانتك” التي انتقد فيها السعوديين بأنهم من الذين يحبون الركوب بالمجان ودعاهم للتشارك في المنطقة مع أعدائهم الإيرانيين.
وقال إن “المنافسة بين السعوديين والإيرانيين أسهمت بتغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن- وهو ما يتطلب منا إعلام أصدقائنا وكذا الإيرانيين أن هناك حاجة لإيجاد طريقة فعالة للتشارك في الجوار والتوصل لنوع من السلام البارد”.
ورد الأمير تركي الفيصل على تصريحات أوباما برسالة مفتوحة وحادة.
وفي الوقت نفسه استقبل الرئيس نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما زار واشنطن في رحلة هذا الصيف لتحسين صورة المملكة.
وأثنى أوباما على رؤية الأمير السعودية 2030 وطمأن الأمير السعودي بأن الولايات المتحدة ستدعم المملكة ضد أي تدخل إيراني.
ويتوقع عدد من المحللين أن تتعرض العلاقات السعودية- الأمريكية لصعوبات بعد خروج أوباما من السلطة في غضون أشهر.
فالأسعار المتدنية للنفط أجبرت المملكة على إعادة التفكير بطريقة إدارة اقتصادها. وبدأت واشنطن تعتمد على احتياطها النفطي مقللة في هذا من اعتمادها على النفط السعودي.
وهناك تحولات ثقافية داخل المملكة حيث بدأت المرأة تخرج لقطاع العمل وإن بنسبة متواضعة فيما يعود آلاف السعوديين الذين تلقوا دراستهم في الخارج وتحاول الدولة استثمار خبراتهم الجديدة.
وفي النهاية تقول الكاتبة إن الولايات المتحدة والسعودية لا تزالان تحتفظان بعلاقة قوية في مجال الأمن.
ويقول المسؤولون الأمريكيون في أحاديثهم الخاصة إن السعوديين هم شركاء نافعون في الحرب ضد تنظيم القاعدة. ويقولون إن السعودية اتخذت خطوات جيدة لإسكات الخطباء المتشددين وغيرت من المقررات الدراسية.
وحسب فهد الناظر المحلل السياسي السابق في السفارة السعودية في واشنطن فإن التعاون لمواجهة العنف المتطرف مثل تتظيم الدولة الإسلامية، وتفضيل السعودية للسلاح الأمريكي، الدور المهم الذي تلعبه السعودية في سوق الطاقة العالمي وحجم التجارة السنوية التي تقدر بـ 70 مليار دولار كافية للحفاظ على العلاقات في المستقبل القريب.
وما يقوله الرئيس أوباما اليوم لا يهم كثيرا وقد يشعر السعوديون بالراحة لرؤيته وهو يغادر المكتب البيضاوي إلا أن هناك الوضع يظل غير واضح بالنسبة للسعوديين مع وصول رئيس جديد للبيت الأبيض. فقد عبر المرشحان الديمقراطي والجمهوري عن مواقف من السعوديين وأبديا قلقا.
وفي الوقت الذي دعمت فيه هيلاري كلينتون قانون العدالة إلا أن السعوديين قد يرتاحون للتعاون معها مقارنة مع ترامب الذي يعتبر بالنسبة لهم ورقة غير معروفة. ولم تكن السعودية، حسب مسؤول أمريكي سابق “لاعبا يحظى بشعبية في واشنطن” و”لا يوجد أحد في الكونغرس راغب باظهار الدعم للسعوديين قبل شهرين ونصف من الانتخابات الرئاسية”.
نقلا عن القدس العربي
(243)