بن حبتور يكتب: صنعاء القديمة تقاوم طيران آل سعود بجدارة التاريخ!

أ٠د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

للمرة الثالثة على التوالي يتم قصف الآثار التاريخية لمدينة آزال العظيمة من قبل طيران العدوان (العربي) بقيادة مملكة الكيان السعودي ، نعم و للتذكير هي مدينة سـام ابن نوح عليه السلام التي توارثت التاريخ جيل بعد جيل ، انها رمز كبرياء التاريخ العروبي كله مـنذ أن كان العرب قبائل وشعوب لا جامع لهم سوى أرض اليمن ، وهنا نحاول استنطاق روح التاريخ لكي يتفضل علينا بالإجابة بسؤال خاطف ، لماذا يدمر أشقائنا (العربان) مدينتهم العريقة ، مدينة سام ابن نوح ، و آزال حفيد نبينا نوح عليه السلام ؟!! .

 

الم يتذكر (العربان) على الأقل من كتب التاريخ الموثق  أن من بين شوارعها الضيقة العتيدة كانت انطلاق جذر خارطتهم الجينية (الجينيوم) ، و أن الـ DNA الذي يُبين إنتمائهم العرقي يعود لهذه (الأزقة ، أو الحواري ، أو الحوافي ، أو الزنقات) ، فلماذا يتعاظم هذا التغول المجنون على أعرق مدنهم، و رمز كبريائهم ؟!! .

وهنا نتوقف معاً .. التاريخ و نحن .. عن الاجتهادات للإجابة على هذه التساؤلات المُحيرة !!! بعضنا لازال يردد إسم آزال على مدينة صنعاء وهو الإسم الذي يقول التاريخ إنه : آزال ابن يقطن حفيد سام ابن نوح الذي واصل بناء حضارة هذه المدينة العامرة بروح أجداده الذين يتباهون بأن هذه المدينة يتجاوز عمرها 2500عام وربما أبعد من ذلك التاريخ في إستمرارية أسطورية للحياة المتواصلة غير المنقطعة مُنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا .

ألم يتخيل مثقفينا في العالم العربي المنتشرين من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ، بأن مدينة أجدادهم الأولى صنعاء تحزن بوجع غائر في النفس الإنسانية ، لسببين أثنين هما :

السبب الاول هو :

من جراء عدوان دول (اعرابية شقيقة) لا يتجاوز عمر تأسيسها بعضها الـ 100عام أما الأخرى فلم يتجاوز عمرها الـ 47 عام  منذ نشوئها على الخارطة السياسية في عالمنا اليوم ، أليست هذه وحدها مفارقة محزنة أن يتم تدمير الأصالة العربية من خلال بلدان طارئة في الجغرافيا والتاريخ ؟!!! .

 

السبب الثاني :

وهو السبب الأهم الذي يرتبط بغالبية صمت وتغافل وربما إنشغال الطبقة العربية المثقفة ، و هنا يثير الأمر فضول المواطن اليمني البسيط :

أين كل هؤلاء النخب الثقافية ؟!! .

أين أساتذة الجامعات العربية وطلابها ؟!! .

اين جيش الإعلاميين الذين يتقافزون من قناة فضائية إلى أخرى في زمن السلم و أين هم اليوم ؟!! .

وأين حَمَلة  مشاعل الفكر والتنوير الذين ذاع صيتهم ذات يوم من على صفحات الجرائد و امتلأت أرفف المكتبات العربية وحتى الأجنبية بأفكارهم ونظرياتهم وحتى لدروسهم ومواعظهم ؟!! .

 

كل هذه التساؤلات المُرة والمُحرجة تتحشرج بها حناجر المواطنين العرب من المحيط الى الخليج!!! .

وهي تساؤلات مشروعة تماماً لكل من جاهر أو خفت صوته أو حتى ردده في سـر مكنونه الخفي ، لأن من تتوجه إليهم حروف التساؤلات هم المعنيين بالإجابة و الرد ، لأنهم أكثر طبقات مجتمعنا العربي فهماً لما حدث و يحدث ، وعلى مقربة من فهم ما يحدث من مؤامرة ضد أهلهم وتراث أجدادهم على الأقل ، وللتذكير لكلِ زملاء المهنة والفكر بشأن ما حدث لمدينة صنـعاء نشير بالآتي :

أولاً :

بطبيعة الحال تتذكرون أولى الهجرات التاريخية في عالمنا العربي بأنها انطلقت من اليمن وعبرت إليكم من مدينة صنعاء ، أكيد تتذكرون تِلْك الهجرات السامية في الزمن الخوالي .

ثانياً :

مُعظم روايات أساطير التاريخ الموثقة تحكي بان إحدى أهم الهجرات النازحة من اليمن كانت بقيادة الأسطورة/ أبو زيد الهلالي الذي ملئ كل أقطارنا العربية بأبنائه وأحفاده وَذُرِّيَّتِهِ٠

ثالثاً:

يتذكر جُل المسلمون بأن الرسول العظيم محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم بأن اليمن وصنعاء لها منزلة خاصة في عقله وقلبه وضميره ولذلك قال عنهم الأحاديث المقدسة التي لم يقلها في غيرهم بكل هذا البذخ الطاهر .

رابعاً :

لا أظن أن المسلمين عامة والعرب على وجه الخصوص بأنهم لا يُعلّمون أبنائهم في المدارس الإبتدائية إلى المرحلة الثانوية بأن كل أو لنقل مُعظم جيوش الفتوحات الإسلامية التي جالت أصقاع الأرض شرقاً وغرباً بأنها كانت تُجهز من المقاتلين اليمنيين ويرافقهم الخبراء والبناؤون المهرة ، و أن فضل التجارب اليمنية في بناء النظم الإدارية للأمصار والمخاليف ، وبناء المُدن شاهدة للعيان إلى يومنا هذا ، وللتذكير بأن مدن الكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان وطليطلة ومدينة طريفة على الضفة الشمالية لمضيق جبل طارق منسوبة بتسميتها إلى القائد الإسلامي اليمني طرفه النخعي ، إذاً كانت لليمانيين بصمات ثابته في صدر التاريخ ، وكلهم عبروا إلى الشط المقابل للتاريخ من مدينة آزال .

خامساً :

لازالت مدينة صنعاء تقع ضمن الإرث والتراث العالمي وفقاً لتصنيف منظمة اليونسكو (UNESCO) ، ولذلك فهي محمية بقرار أممي .

سادساً :

كم سأعدد لكم يا أصدقائي العرب عن دُرر التاريخ عن هذه المدينة العامرة بالخير ، والتي أستباح أجوائها وفضائها الشاسع قراصـنة العصر من آل سعود بأحدث طائراتهم الأمريكية ، ألم تسافر الملكة بلقيس من هنا وتقابل النبي سليمان عليه السلام لتكتمل الإرادة الربانية بزواجهما الطاهر ، الم يحكم القائد الحبشي/ ابرهة الأشرم قبضته على صنعاء ليبني فيها أعظم وأضخم كنيسة كاثوليكية في الجزيرة العربية ، وشيد قلعة القليس الذي كثر حولها الجدل البيزنطي حول وظيفتها ، ونذكركم بأيقونة التاريخ اليماني ، الأسطورة/ سيف بن ذي يزن القادم من عَبدان في وادي ضُرا ، والحالم بطرد المُستعمر الحبشي وتحرير صنعاء من سطوتهم ، كل هذا البذخ الطاغي من تاريخ صنعاء لم يسلم على أيدي مُتَّخِذ القرار من الكيان السعودي .

نحن هنا نذكر أهلنا العرب جميعاً وطبقة المثقفين تحديداً بأن مدينة أسلافهم صنعاء تتعرض للعدوان ، ولا نطمع أن يحضر أحدهم للدفاع عنها لأن المقاتل اليمني سيواصل الدفاع عن وطنه ومدنه بكل سخاء الروح وشهامة المقاتل النبيل الذي يذود عن حياض الوطن وعزته  ، لكننا نطمع  من المثقف العربي أن يرفع صوته عالياً محتجاً لإدانة هذا الاعتداءات على اليمن وعلى مدينة صنعاء على وجه الخصوص لأنها تعد واحده من عجـائب الانسان في بناء المدن التاريخية وهي بحق زهرة المدائن في الجزيرة العربية بكل اقتدار ، و ليتذكروا و يذكّروا حكوماتهم المشاركة بالعدوان بأن يتوقفوا عن هذا العبث ومسلسل الإجرام بحق الشعب اليمني .

بعد أن تُقصف مدينة صنعاء العظيمة للمرة الثالثة على التوالي لم يعد الحياد مسموحاً به ، ولم يعد الصمت مقبولاً ، ويفترض بمن مازال حتى اللحظة  مشككاً بأن هذه الحرب القذرة ليست موجهة ضد اليمنيين جميعاً عليه أن يقف برهة مع ضميره ويحاور عقله وبعد أن يفيق لزاماً عليه أن يقرر الإصطفاف مع الحق ، ألم يحصحص الحق بعد ؟!! ، بعد عام ونصف من طغيان آل سعود على اليمن كلها ، وليس كما يردد إعلامه البائس بأن حربه موجه ضد تحالف  الإنقلابيين (الحوثي – الصالحي) ، لا ورب الكعبة المشرفة إنها حرب ضد اليمن كلها من أقصاها إلى أقصاها .

طيران العدوان يقوم بطلعاته القاتلة من أراضي الكيان السعودي ، ويفرغ حِمم حِقده الأعمى على مدينة آمنة تمثل رمزية خاصة لكل يمني حر و شـريف ، أما المرتزقة من (اليمنيين) ، لا تمثل لهم صنعاء أية قيمة أو معنى وهنا كي نُزيل اللبس الذي يُحاول العدو إشـاعته بأن هناك من (اليمنيين موافقين) على عدوانه و غيه ، لا لا لا .. فإن هناك فرق ، و بون شاسع بين معاني المقاومة الوطنية ومعاني الإرتزاق ، ولنترك للأجيال المستقبلية أن تحدد افتراق المعنى وعمق دلالاته الإنسانية .

لقد بثت مُعظم القنوات الفضائية قبل عددٍ من الأيام جُرم جديد بحق صنعاء التاريخية وهو تدمير منازل على رؤوس أصحابها ، وأستشهد عدد من المواطنين الآمنين (مدنيين)  ، والقليل القليل من العرب بمثقفيه وعوامه إستنكروا هذا الجور و التنمر السعودي ، الذي لم يعد يفرق في القتل والتدمير، بين المدن التاريخية والآثار ، بين الجوامع والجامعات ، بين المدارس والمشافي……….الخ .

بين هذا وذاك التدمير لم نرى سوى الأقلية من المثقفين العرب من يرفع صوته عالياً لإدانة هذه السلسلة من الإعتداءات المتواصلة ، وهل يعرف أهلنا العرب إنها أطول حرب عدوانية في التاريخ الحديث تقوم بين دولة فقيرة و امكانات شحيحة وتقاوم بكبرياء وصمود أعتى وأغنى جيوش المنطقة مدعومة بغطاء دولي عالمي أمريكي .

إننا في اليمن حينما نتلقى ضربات العدوان بشكل يومي  نردد شاكرين حامدين الله على ما نحن عليه في هذه المحنة ، ونردد آيات الشكر و الأمتنان والتقدير لكل صوت حر في هذا العالم الذي تضامن ويتضامن مع جراحات أهلنا وتحدياتهم العديدة ، والله اعلم منا جميعاً .

 

﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

 

محافظ محافظة عدن – رئيس جامعة عدن السابق

(92)

الأقسام: الاخبار